العربيّ في عيون الغرب
بقلم ميرنا زخريّا*
معذرة على صراحتي، إنما… في الماضي، كانت صورتنا نحنُ العرب على أننا شعب الجِمال (بكسر الميم)؛ وفي الحاضر، أصبحت صورتنا على أننا شعب الجَمال (بفتح الميم). لكأننا في السنوات السابقة لمْ يمُر التطوّر والتمدّن من جانبنا؛ كما ولكأننا في السنوات الحاضرة لا يلفتنا رجالاً ونساءً سوى الشكل الخارجي… مَن المُلام بالنسبة إلى صورة العربيّ لدى الغربيّ؟ هل فعلاً قفزنا من الإتكال على صبرِ الجِمال إلى الإعتماد على قدرِ الجَمال، ولذلك، غالباً ما كانت الصورة النمطية للعربيّ في الإعلام الغربيّ تتمثل بجانب جملٍ، والآن بات الجَمال هو المنال؟
يا هلا بالجِمال والجَمال. إنما أخيراً طغت صورة الإرهابي المتخلف الذي يُهدّد العالم بأسره؛ ولولا العربيّ وتحديداً الإسلاميّ، لعاش سكان الكرة الأرضية بسلام وأمان. ما يولد نفوراً مُحتّماً من العرب، بغضّ النظر عن خلفية المشاكل القائمة والجرائم الحاصلة أصبحت شرارات الأذيّة والمعالم الإجرامية تُرافق صورة الشعوب العربية. فهل الغربيّ يُضخّم الخبر أمْ العربيّ يُسخّف الحدث؟ أليس غريباً أن يتوافد المُراسِلون الصحافيون الأجانب إلى الدول العربية عند كل حدثٍ ليضعوا مُتابعي محطّاتهم وصحفهم ومجلّاتهم في قلب الحدث، في حين نادراً ما ينتقل مُراسِل صُحُفيّ عربيّ ليضع مُتابعيه اقلهُ على حافة الأحداث الغربية. أليس واضحاً لكم بأننا بُتنا بحاجةٍ ماسّةٍ إلى وضع خطةٍ إستراتيجيةٍ هادفةٍ موحَّدةٍ: تهدفُ إلى تلميعِ الصورة العربية وتوحيدِ المُشاهدين العرب. كفانا إعطاء أعذارٍ يُمنةً ويُسرة وكفانا تمركزاً في مراكزِ الدفاعِ عن أنفسنا.
يكاد لا يمُر يوم من دون خبر يتعلق بما هو عربي – إسلامي، لا بلْ هو يحتل القسم الأكبر من التغطية المخصَّصة للجزء الدولي، كأنه يوجد قسم دائماً للأخبار “العربيّة البربريّة” في وسائل الإعلام “الغربيّة الذكيّة“! وبذلك لمْ يعُد من الضروري التأكيد على أن مُعظم هذه الأخبار هي عن أحداثٍ مُسيئةٍ إلى سمعةِ العرب بشكلٍ عام وإلى سيرةِ المُسلمين بشكلٍ خاص. لذا آن الأوان للقيام بنقدٍ ذاتي ومِن ثم وضع سياسة تُعنى بأسلوب التعامل مع المؤسسات الإعلامية العالمية، لأنها باتت تؤثر على الرأي العالمي والمحلي على حد سواء. دور الإعلام لم يعُد يقتصر على نقل الأحداث كما هي، بل هو يصنع الأحداث من خلال تضخيمها أو تقزيمها. إنها وسائل تُحاكي الآخر من خلال الكلمة المُعبّرة والمشاهد المُؤثرة (إنفجار، إغتيال، إحتيال، إستشهاد، إختطاف، إعتداء، إقتتال، إغتصاب… أضف إلى ما تقدّم، ثراء فاحش في ظل فقر طاحش)؛ وبالتالي، هي تخدُم إرتباطاتها ومصالحها في حين تنسُف إحتياجاتنا ومصالحنا. ومَن له أذنان سامِعتان، فليسمع ما يُحكى عن العرب، ومَن له عينان ثاقبتان فليرَ كيف باتَ يُنظر إلى العرب.
رُغم أنه من الناحية الأولى، لا يُمكن الإستهانة بمُختلف المواضيع السلبية التي تلفُّ الصورة العربية وتلتفُّ حول المواطن العربي؛ لكن في الوقت عينه ومِن ناحية ثانية، لا يُمكن أيضاً الإستهانة بمُختلف الجوانب الإيجابية التي ساهمت فيها شخصيات عربية. إنه زمن الصورة، لا تسمحوا لأحد بأن يرسُمكم على ذوقهِ وبحسبِ مصلحتهِ. فإن كان مِئات العرب قد أخطأوا، فإن الملايين منهم لم يُذنبوا. لذا، حان الأوان للعملِ على تصحيحِ الصورة المغلوطة للعرب في نظر الغرب.
التركيز على تشويه صورة الإنسان العربي عامةً والإسلامي منهم خاصةً، في عددٍ من الوسائل الإعلامية العالمية، أصبح بالإمكان توصيفه على أنه آلية من آليات “الشحن الإنفعالي” التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الشعور بالخوف من هذا الإنسان من دون سابق معرفة، وبالتالي، رفضهُ “بأسلوبٍ ميكانيكيٍ” عقبَ كمٍّ من الأقلام المؤجِّجة والأفلام المؤثرة. إنَّ “التشبيع الإعلاني والإعلامي” المتكرّر لا بُد أن يؤدي في نهاية المطاف إلى “إبهار المُشاهِد والمُشاهدة“، إذ أنَّ الحروب الإعلامية تتساوى إن لم تُضاهِ الحروب العسكرية. عندئذ من الطبيعي أن يُصبح الإنسان العربي مُحاصَراً بتلك الصورة القبيحة التي يتمّ تسويقها، وهذا ما يؤدي إلى فرضيّة الأحكام المُسبقة، ما ينسُف قُدرة المُتلقي عن التفكيرِ والتحليل على حساب التذكيرِ والتصوير. ولعل المثال الأبرز هو أُسامة بن لادن، الذي توافق الجميع على توصيفه بالإرهابيّ العربيّ؛ لكننا كبشر لا نولد إرهابيين؛ إذاً هل نلومهُ أو نلوم مَن صنعهُ. إنها صناعةَ العقول، صناعةَ اللامعقول.
لكنْ مهلاً… هناك فجوة كبيرة بين أركان العالم العربي نفسه، بحيث كل يُغنّي على ليلاه (إعلامياً وإقتصادياً وإجتماعياً ودينياً…)؛ لذا لم يعُد غريباً أن نلحظ الفجوات الفاصِلة بين العالمين العربيّ والغربيّ. والنتيجة: أزمة ثقة ما بين الغرب الرسميّ والشعب العربيّ. أمّا الحل، فنعم هو مُمكن، هو مِن كلمتين، ولا يُستهان بالإثنتين: “لوبي عربي“.
-
باحثة في علم الإجتماع السياسي