نهاية اليمن!

يبدو أن الأمل لتوحيد اليمن وإعادته إلى ما كان عليه بعد سنوات من النزاع والصراع والحرب بات من المستحيلات، لا بل أن إعلان وفاته ونهايته صار أقرب إلى الواقع والحقيقة.

الرئيس عبد ربه منصور هادي: سيطرته تتقلّص

غريغوري جونسِن*

منذ ست سنوات، أعلنت المملكة العربية السعودية بدء عملية عاصفة الحزم من واشنطن. قالت الرياض أن الضربات الجوية الأوّلية تهدف إلى إخراج المُتمرّدين الحوثيين من العاصمة اليمنية صنعاء وإعادة الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي إلى السلطة. الحرب، التي أبلغت السعودية مسؤولي إدارة باراك أوباما أنها ستستغرق “ستة أسابيع”، لم تسر حسب الخطة. لم تُحقّق السعودية أيّاً من أهدافها العسكرية في اليمن. الرئيس عبد ربه منصور هادي لا يزال في المنفى، وحكومته ضعيفة وفي حالةٍ من الفوضى، والحوثيون أقوى الآن مما كانوا عليه عندما بدأ القتال.

في الواقع، بعد ست سنوات من الحرب، وآلاف الصواريخ والقنابل، ومئات الآلاف من القتلى، وأسوأ أزمة إنسانية في العالم، إنقسم اليمن إلى درجةٍ أنه من غير المرجح أن تتم إعادة تشكيله كدولة واحدة. ولن تعود البلاد إلى التقسيم بين الشمال والجنوب الذي كان سائداً قبل العام 1990. بدلاً من يمن واحد أو إثنين، هناك الآن “يَمَنات” مُتعدّدة ودويلات صغيرة ومناطق محتلة يسيطر عليها عدد متزايد من الجماعات المسلحة، وكلّها لها أهداف ومسارات مختلفة.

سبعةُ “يَمَنَات”

في المرتفعات الشمالية، حيث كان يعيش الكثير من سكان اليمن قبل الحرب، يُسيطر الحوثيون. في العام 2015، قررت المملكة العربية السعودية أن عليها التدخل عسكرياً لمنع الحوثيين من أن يُصبحوا جماعة شبيهة ب”حزب الله” -تدعمها وتُسلّحها إيران- على حدودها الجنوبية. لكن الحرب لم تفعل سوى التقريب وتوثيق العلاقة بين الحوثيين وإيران، التي أخذت تُهرّب الأسلحة والصواريخ للحوثيين وتزوّدهم بالمدرّبين وتدعمهم اقتصادياً. في العام 2019، عيّن الحوثيون سفيراً في طهران، وفي العام التالي ردّت الجمهورية الإسلامية بالمثل وعيّنت حسن إيرلو، عضو الحرس الثوري الإسلامي، سفيراً لها في صنعاء.

عندما تدخلت السعودية في العام 2015، كان الحوثيون يحكمون المرتفعات بالشراكة مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. كان الإثنان عدوَّين: خاض الحوثيون وصالح ست حروب ضد بعضهما البعض بين العامين 2004 و2010. وبينما كان الطرفان لا يثقان ببعضهما، فقد عملا على قضيةٍ مُشترَكة ضد هادي والسعوديين. مع مرور الوقت، وبفضل نظام عقوبات الأمم المتحدة الذي تمَّ تصميمه بشكل سيئ  والذي أضعف شبكة صالح بشكل غير متناسب، تمكّن الحوثيون من التغلّب على منافسهم المحلي، وقتلوا صالح في نهاية المطاف في كانون الأول (ديسمبر) 2017. ومنذ ذلك الحين، شرع الحوثيون في برنامج طموح لإعادة هيكلة الحكم في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، والتي تهدف إلى جعل إزالة حركتهم وإعادة توحيد اليمن أمراً مُستحيلاً.

على طول ساحل البحر الأحمر، يقود ابن شقيق الرئيس الراحل صالح، طارق صالح، مجموعة من المقاتلين المدعومين من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، المتمركزين ضد الخطوط الأمامية للحوثيين في الحديدة.

في الداخل في تعز، يدور الصراع إلى حدّ كبير بين أعضاء التحالف المُناهض للحوثيين. يُسيطر الحوثيون على الجزء الشمالي من المحافظة، لكن ا”لإصلاح”، وهو حزب سياسي على صلة بجماعة “الإخوان المسلمين”، إنتصر في المعركة داخل التحالف المُناهض للحوثيين، حيث هزم مقاتلين مُنافسين من اللواء المُدرّع 35 وجماعة أبو العباس للسيطرة على مدينة تعزّ وجزء كبير من الريف جنوب المدينة.

يُسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي على مدينة عدن الساحلية الجنوبية بعدما طرد قوات هادي في آب (أغسطس) 2019. وتدعم دولة الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي والوحدات العسكرية التابعة له، اللذين يُعارضان “الإصلاح” بسبب علاقاته بجماعة “الإخوان المسلمين”.

في شمال عدن، تنشط جماعة أخرى مدعومة من الإمارات، هي كتائب العمالقة التي يقودها السلفيون، في لحج. يفضل العديد من هؤلاء المقاتلين الانفصال أيضاً، ولكن ليس انفصالاً بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.

في مأرب، موقع هجوم الحوثيين الحالي، “الإصلاح” هو المسؤول. حضرموت مُقَسَّمة بين قوات النخبة الحضرمية المدعومة من الإمارات والتي تسيطر على الساحل، والوحدات التابعة ل”الإصلاح” في الداخل.

في المهرة، على الحدود الشرقية لليمن، تلعب المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان لعبة غير سرية للتأثير والنفوذ مع القبائل المحلية. عززت الرياض وجودها العسكري على الحدود العُمانية، وأنشأت ما لا يقل عن عشرين قاعدة على مدار السنوات الثلاث الماضية وجنّدت السكان المحليين في جماعات شبه عسكرية. عُمان، التي تعتبر “المهرة” ضمن دائرة نفوذها، أصبحت قلقة بشكل متزايد من الوجود العسكري السعودي على حدودها وتعمل على تقويضه. ويُسيطر المجلس الإنتقالي الجنوبي على جزيرة سقطرى، وتُمسِك وحدات هادي ب”مثلث القوة” اليمني، حقول النفط والغاز في مأرب وشبوة وحضرموت.

اليمن لن يعود مرة أخرى

لا تتمتّع أيٌّ من هذه الجماعات المسلحة المختلفة -سواء قوات هادي أو الحوثيين أو المجلس الانتقالي الجنوبي- بالقوة الكافية لفرض إرادتها على بقية البلاد. ومع ذلك، تمتلك كل هذه المجموعات تقريباً ما يكفي من الرجال والذخيرة للعمل كمُفسِد لأيِّ اتفاقِ سلامٍ وطني تشعر أنه لا يعالج مصالحها بشكلٍ كاف. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو حقيقة أنه كلما استمر القتال، زاد احتمال ظهور جماعات مسلحة. المجلس الإنتقالي الجنوبي لم يكن موجوداً في العام 2015. وهو اليوم يسيطر على عاصمة هادي المؤقتة، عدن.

إن دمج ذلك مع حقيقة أن اليمن لديه فطيرة اقتصادية مُتقَلِّصة -الصادرات تقتصر إلى حد كبير على حقول النفط والغاز فيفي مأرب وشبوة وحضرموت- يُشكِّلُ وصفةً لسنواتٍ من الصراع الآتي. في المستقبل، ستقاتل مجموعات أكثر فأكثر على موارد أقل وأقل. هذا معروض أصلاً في مأرب. يعلم الحوثيون أنهم سيحتاجون إلى عائدات التصدير من أجل البقاء كدولةٍ مستقلة في المرتفعات. وتُعَدُّ هذه الحسابات سبباً رئيساً للهجوم الأخير للحوثيين، والذي استهدف مدينة مأرب وحقول النفط المحيطة بها.

لا يبدو أن أياً من جهود السلام المختلفة -سواء من قبل المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة أو الولايات المتحدة، أو العرض الأخير من المملكة العربية السعودية بوقف إطلاق النار- يُدرك هذا الأمر. الحوثيون لا يريدون أن يكونوا جزءاً من دولة. يريدون أن يكونوا الدولة. إنهم ليسوا على وشك التخلي على طاولة المفاوضات عمّا يعتقدون أنهم ربحوه في ساحة المعركة.

حتى لو كان الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي مُستعدَّين للتفاوض ليكونا جزءاً من دولة يمنية مُعاد هيكلتها، فليس هناك ما يضمن، في هذا التاريخ المُتأَخّر، إعادة توحيد الدولة بالفعل. بفضل قرارٍ قصير النظر اتّخذه هادي بتقسيم البنك المركزي اليمني في العام 2016، فإن لدى البلاد الآن إقتصادَين مُنفصلَين. يتم تداول الريال اليمني بسعرٍ في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وبسعرٍ آخر في عدن التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي. وأوراق الريال النقدية المطبوعة حديثاً، والتي أصدرتها حكومة هادي، محظورة في مناطق الحوثيين.

إن تفكّك اليمن يُثيرُ عدداً من التحدّيات للولايات المتحدة. لن تعترف واشنطن بجميع أمراء الحرب والجماعات المسلحة المختلفة التي تسيطر على الأرض في اليمن. ولكن لأسبابٍ متنوعة، من مكافحة الإرهاب، إلى المخاوف الإنسانية ومخاوف اللاجئين، إلى ممرات الشحن في البحر الأحمر، سيتعيّن على أميركا التعامل مع العديد منهم.

نظام الدولة القومية هو لبنة البناء الأساسية للديبلوماسية والعلاقات الدولية والأمن القومي. الولايات المتحدة، مثلها مثل معظم البلدان، مُعَدَّة للتعامل مع الدول القومية الأخرى. يفضل الجيش العمل “من خلال شركاء محليين ومعهم ومن خلالهم”. ولكن ماذا يحدث عندما لا يكون هناك شريك على الجانب الآخر، عندما تصبح الهوّة بين ما تدّعي به الحكومة اليمنية المُعترَف بها دولياً وما تُسيطر عليه فعلياً من الضخامة بحيث ينهار معها أخيراً خيال الدولة الواحدة؟

الجواب غير واضح، ولكن بشكل متزايد في دول مثل اليمن وسوريا وربما حتى ليبيا، إنه سؤال يتعيّن على الولايات المتحدة حلّه والإجابة عنه.

  • غريغوري د. جونسِن هو زميل غير مُقيم وباحث في الشؤون الخارجية في مركز الشرق الأوسط في معهد بروكنز، ويُساهم في مطبوعات عدة بينها “إندبندنت” و”نيوزويك”. وقدّم استشارات عدة لحكومة المملكة المتحدة ومجلس الشيوخ الأميركي. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @gregorydjohnsen
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى