لا تلوموا البنوك

لندن – محمد سليم

ما يقرب من 1.3 مليار دولار من التحويلات المالية تتدفق إلى الصومال في كل عام، وهذا يمثل ما لا يقل عن ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ولكن القوانين والتنظيمات القاسية في الغرب تجعل من الصعب أكثر من أي وقت مضى للبنوك للعمل مع شركات الخدمات المالية لإرسال تحويلات مالية إلى دول هشة ذات مخاطر عالية، مما يهدد بقطع هذا التدفق الحيوي من المال. وجاءت أحدث ضربة في أواخر كانون الثاني (يناير) الفائت عندما أرسل “ميرشِنتس بنك” في كاليفورنيا رسائل إلى شركات التحويلات الصومالية حيث أبلغها: “نحن نأسف لإبلاغكم أن البنك قد قرر وقف علاقته معكم في هذا الوقت”. وقد عرّض هذا القرار شركات الخدمات المالية الصومالية بشكل خاص إذ أن “ميرشِنتس بنك” كان آخر مصرف في أميركا الذي يسمح للصوماليين المقيمين في الولايات المتحدة تحويل الأموال إلى عائلاتهم في الوطن. وقع إغلاق مماثل في بلدان أخرى. في المملكة المتحدة أغضب بنك “باركليز” بشدة المجتمع الصومالي هناك في العام 2013 عندما قرر إغلاق أكثر من 200 من حسابات الخدمة المالية، وهو عمل كان متوقعاً أيضاً أن يكون له تأثير كبير في قدرة المجتمع الصومالي في بريطانيا لتحويل الأموال إلى البلاد.
أكد تقرير صدر أخيراً عن منظمة “أوكسفام” ومنظمة “حلول التنمية الأفريقية” على أهمية تحويلات المغتربين إلى الشعب الصومالي، مشيراً إلى أن التحويلات السنوية تقزّم المساعدات الدولية بشكل كبير. ليس هناك من شك أن هذا التدفق في الأموال هو أمر حيوي، ولكن المسار الذي تتم من خلاله التحويلات معقّد وغير شفاف. إن إنعدام الشفافية هذا هو الذي يهم ويقلق البنوك التي تواجه خطر مواجهة غرامات باهظة لتحويل الأموال إلى بلدان مثل الصومال، حيث تعمل منظمات إرهابية مثل حركة الشباب. إن البيئة التنظيمية المالية التي أعقبت أحداث 9/11 تحمّل البنوك المسؤولية عن تحديد أصول ووجهات تدفق المال الذي تسهّل تحويله. إن تتبع حركة هذه الأموال بالضبط إلى الصومال صعب جداً، إن لم يكن من المستحيل القيام به.
إن عدم وجود نظام مالي رسمي في الصومال يعني أن التحويلات المالية لا يمكن تحويلها مباشرة. بدلاً من ذلك، يتم إستخدام نظام بارع قائم على التجارة لتوجيه المال. تبدأ العملية عندما يقوم أحد العملاء، لنَقُل في الولايات المتحدة، بزيارة مكتب محلي لخدمة الأعمال المالية لإرسال الأموال إلى شخص في الصومال. يقوم وكيل في أميركا بإعلام نظيره في الصومال، الذي يستخدم بدوره أموالاً في حوزته لإكمال التحويل، لأنه لا توجد بنية تحتية لإرسال الأموال مباشرة بين البلدين. ونتيجة لذلك، فإن الوكيل في الولايات المتحدة عليه دفع دين إلى نظيره الصومالي والمتمثّل بكلفة التحويل. لتلبية هذا الدين، يأمر الوكيل الأميركي مصرفه، مثل بنك “ميرشِنتس” في كاليفورنيا، لتحويل المبلغ إلى حساب المصرف في المقاصة شريكته في دبي. إن هذه المقاصة توفّر القروض للتجار الذين يستخدمونها لتمويل الواردات من السلع إلى الصومال. عندما يبيع التاجر بضاعته، يسدد تحويلات العميل الصومالي. النظام يعمل بشكل جيد، ولكن، بالنسبة إلى مصرفي في لندن أو نيويورك، إن الطريق الملتوي يبدو خطراً حيث يمكن من طريقه أن يجري غسل للأموال وتمويل الإرهاب.
إن دور المقاصة في دبي أمر بالغ الأهمية، ومع ذلك لم يكن هناك إهتمام كافٍ من قبل أولئك الذين يسعون إلى تطوير ممرات آمنة إلى الصومال، إلى ما يمكن أن تقدمه هذه المقاصة من مخاطر. إن إستخدام الأموال في دبي من قبل المقاصة والتاجر على حد سواء يفتقر إلى الشفافية، وبالتالي فمن الصعب التتبع. البنوك والهيئات التنظيمية الدولية تشكك أيضاً بما إذا كان هناك نظام مناسب في دبي لمراقبة هذا النوع من التبادل. وكما يشير تقرير “أوكسفام” ومنظمة “حلول التنمية الأفريقية”، إن العلاقة الإماراتية “هي نقطة ضعف رئيسية في النظام الحالي لتحويل الأموال إلى الصومال”. والعزوف الواضح من الحكومات والمنظمات المتعددة الأطراف ذات الصلة، مثل البنك الدولي عن معالجة هذا الضعف يعني أن أي جهود لضمان أن التحويلات لا يتم حظرها بسبب المخاوف من غسل الأموال وتمويل الإرهاب مصيرها الفشل.
ثانياً، عدم وجود نظام رقابة مالية معترف به في الصومال يخفف حتماً من إستعداد البنوك الدولية لتسهيل تحويل الأموال مباشرة إلى الصومال. تتم مراقبة البنوك وتُنتَقد على نطاق واسع لتحويلها أموال من دون معرفة تماماً أين ستنتهي. لذلك فهي حذرة بحق في إرسال الأموال إلى بيئة غير منظمة.
بعدما أغلق بنك باركليز الحسابات الصومالية لديه، عيّنت حكومة المملكة المتحدة مجموعة عمل – تتكوّن من أعضاء من القطاع الخاص والحكومة والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية — لضمان إستمرار تدفق التحويلات المالية إلى الصومال. في صيف 2014، أنتجت مجموعة العمل دليلين: واحد عن كيف يمكن لشركات تحويل الأموال الإلتزام بالقوانين المالية لمكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب، وآخر عن كيف يمكن للبنوك تحديد وإدارة مخاطر الجرائم المالية عند العمل مع شركات التحويلات. بلدانٌ أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، تراقب التقدم الذي أحرزه فريق العمل بإهتمام. وعلى الرغم من أن تدابير المملكة المتحدة تثير الإعجاب، فإنها تبدو على أن ليس لديها تأثير حقيقي يُذكر جراء متابعتها في إهمال قضيتين خطيرتين رئيسيتين: إستخدام مقاصة مُبهمة في دبي لتحويل الأموال وعدم وجود تنظيم مالي في الصومال. الآن بعد مرور أكثر من عام على تأليفها، يبدو أن جهود مجموعة العمل قد تعثرت.
وهناك طريقة أفضل لمعالجة هذه المشكلة تكمن في بناء جدار حامٍ لمنع البنوك من الإضطرار إلى العمل في بيئات مُبهمة أو غير منظمة فيما تستمر في جمع وتحويل الأموال. يمكن أن يصبح البنك الدولي جدار الحماية. بدلاً من ترك شركات الخدمات المالية تجمع الأموال في دبي، فإن البنك الدولي يأخذ مكانها، موفّراً للبنوك التجارية وجهة لا تساؤل حولها للأموال التي جمعها الشتات الصومالي. البنك الدولي – يعمل بصفته “مصدراً حيوياً للمساعدات المالية والتقنية للبلدان النامية في جميع أنحاء العالم – سيقوم بعد ذلك بتحويل الأموال إما من خلال حساب المصرف المُراجَع والمُراقَب، ومقاصة موافَق عليها في دبي، أو عند نضوج النظام المالي الصومالي، مباشرة إلى البنك المركزي الصومالي والنظام المالي المحلي الأكثر تنظيماً.
في المستقبل المنظور، سوف تستمر التحويلات في لعب دور حاسم في الإقتصاد الصومالي. مع القنوات الرسمية مغلقة، فإن المال، مثل المياه، سوف يجد حتماً تصدّعات في النظام حيث يتدفق من خلالها. إن هذه المسارات هي غالباً ما تكون أكثر تكلفة، وأكثر خطورة، وأقل أمناً. وإذا كان المجتمع الدولي يريد حقاً مواجهة التحدي المتمثل في إرسال التحويلات المالية إلى الدول الضعيفة أو التي تمزّقها الصراعات، فإنه يجب فهم المخاطر الأساسية في النظام. يفتقر النظام الحالي الشفافية والتنظيم. على الرغم من الجهود الجادة من قبل الحكومات مثل المملكة المتحدة، فقد أهملت الوكالات والهيئات التنظيمية الدولية معالجة التحديات الرئيسية التي تحافظ على عملية التحويلات مبهمة، وبالتالي، تردع البنوك من تحويل الأموال التي تشتد الحاجة إليها في أماكن مثل الصومال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى