عامٌ جديد، لكن القضايا القديمة عالقة في لبنان

بيروت – رئيف عمرو

كل عام يقول اللبنانيون بأن الأشياء لا يمكن أن تسوء أكثر مما هي عليه، وفي كل عام تخيب آمالهم تماماً. ولكن، منذ بدء النزاع السوري، الذي أثّر في لبنان بطرق عدة مختلفة، إستطاعت البلاد تجنّب كارثة متوقّعة.
ومع ذلك، فقد قرّبت السنة الفائتة الأحداث في سوريا أكثر إلى حياة معظم اللبنانيين. ويُقدَّر عدد اللاجئين السوريين الآن بأكثر من مليون نسمة، الأمر الذي يضع عبئاً هائلاً على البنية التحتية القديمة للبنان.
وقد عانى الإقتصاد أيضاً من الحرب في سوريا التي قطعت الإتصالات الأرضية مع العالم العربي، ومنعت السياح العرب من الزيارة وحرمت الصادرات اللبنانية من الوصول إلى الأسواق الشقيقة. وقد أثّر المزاج الإقتصادي الكئيب أيضاً سلباً في قطاعي الخدمات والعقارات.
في آب (أغسطس) الفائت، أصبحت الأمور أسوأ عندما إشتبك الجيش اللبناني مع مسلّحين إسلاميين من منطقة القلمون السورية على الحدود مع لبنان. جاء ذلك بعدما أقدم المسلحون، الذين ينتمون إلى “جبهة النصرة” و”داعش”، على خطف ثلاثة عشر جندياً ورجل شرطة لبنانيين. معظمهم ما زال معتقلاً، في حين قُتل بعضٌ منهم.
إن المسلحين، على ما يبدو، كانوا يردّون على الجهود التي يبذلها الجيش لإغلاق خطوط إمدادهم من وإلى بلدة عرسال البقاعية، وهي بلدة سنية في منطقة شيعية إستفادت طويلاً من التهريب. إن غالبية المعارضين للنظام السوري في القلمون هي من المنطقة ذاتها وقد هربت من القصير في العام 2013 ومن يبرود في العام الفائت.
مع بداية فصل الشتاء، تخشى الجماعات المسلحة في القلمون من أنها ستضطر إلى الإنسحاب إلى منحدر الجبال، مما يجعلها أكثر عرضة للهجمات من قبل النظام السوري و”حزب الله”. وقد كانت الأمور أكثر هدوءاً في الأسابيع الأخيرة، وسط تقارير تفيد بأن المسلّحين جرى تزويدهم بالمؤن الضرورية، حتى من القرى الشيعية التي تشارك منذ أمد طويل في التهريب.
هذه البراغماتية قد أصبحت ضرورية ل”حزب الله”، إذ أن العام الماضي لم يكن جيداً بالنسبة إليه وهو يتابع غرقه في المستنقع السوري. في حين أنه من غير المرجح أن يتحوّل شيعة لبنان ضد “حزب الله”، فإن مستويات القلق قد إرتفعت بشكل حاد حيث أصبحت الجماعات الجهادية السنية أكثر نشاطاً على طول الحدود.
لقد تجاوز الجهاديون السنة مواقع الحزب الشيعي الحدودية في القلمون في أوائل تشرين الاول (أكتوبر) الفائت. وقد صوّروا العملية، والتي تبين مدى المسافة القريبة التي وصلوا فيها الى القرى الشيعية الواقعة على المنحدر. وقد أثار هذا الأمر قلقاً كبيراً إلى حد أن زعيم الحزب السيد حسن نصر الله إضطر إلى زيارة البقاع لطمأنة جمهوره هناك.
إن القلمون منطقة واسعة ولم يكن “حزب الله” والجيش السوري قادرين على هزيمة، أو طرد، جماعات المعارضة والجهاديين. وقد ضغط الحزب والنظام السوري على الجيش اللبناني للقيام بدور أكثر نشاطا ضد مسلحي المعارضة وذلك بسبب عدم قدرتهما على تحقيق مكاسب حاسمة بقواهما وحدها.
هناك مصدر آخر للقلق في لبنان يكمن في العلاقات بين السنة والشيعة في ظل الحرب السورية. الشعور بأن “حزب الله” يكافح ويعاني في بلاد الشام قد أنعش السنة، الذين كانوا أُذلّوا مراراً وتكراراً من قبل الحزب في السنوات التسع الفائتة. هذا التوتر هو أمرٌ مقلق نظراً إلى الجاذبية المحتملة للجهاديين في سوريا.
في حين أن السنة في لبنان هم في معظمهم معتدلون، فإن زعيمهم السياسي، سعد الحريري، رئيس الوزراء السابق، “منفي” إلى خارج البلاد منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، بعد الاطاحة به من قبل “حزب الله”. وقد إستفاد المتطرفون السنة من هذا الفراغ.
لتهدئة التوترات، بدأ “حزب الله” و”تيار المستقبل” حواراً في كانون الاول (ديسمبر) الفائت تحت إشراف رئيس مجلس النواب نبيه بري. إن التوقعات منخفضة من أن يحقق هذا الحوار أي شيء جدي، لكنه من جهة أخرى يُظهر بأن “حزب الله” يعترف بأن الحريري هو المحاور السني الرئيسي. في المقابل، فإن رئيس الوزراء السابق يُدرك، رغم خلافاته مع “حزب الله”، بأن الجميع سوف يخسر من حرب طائفية في لبنان تندلع بسبب الأحداث في سوريا.
مع الإهتمام الكبير المنصبّ على سوريا، فإنه يمكن عذر اللبنانيين لعدم تذكّر الأزمة المحلية الكبرى في العام الماضي: عدم قدرة البرلمان على إنتخاب خلف للرئيس ميشال سليمان.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يجد لبنان نفسه من دون رئيس للجمهورية،حيث أن إنتخابه يُعدّ من الواجبات الرئيسية للبرلمان. ونتيجة لذلك، واصلت الحكومة التي يرأسها تمام سلام إدارة لبنان مجتمعة. كما أن الإنتخابات البرلمانية تم تأجيلها في العام الفائت للمرة الثانية لتجنب الفراغ الدستوري، إذ أن الحكومة لا يمكن أن تتشكّل من دون وجود رئيس للجمهورية.
هذا الوضع غير الطبيعي الناتج من عدم تجديد المؤسسات الرسمية شكّل عبئاً كبيراً على اللبنانيين. لا يريد “حزب الله” رئيساً للجمهورية وسط حالة من عدم اليقين في المنطقة، خوفاً من أنه قد يتحوّل ضد الحزب. في الواقع، إنتقد الرئيس السابق ميشال سليمان “حزب الله” خلال فترة ولايته، ويريد الحزب تجنّب تلك التجربة مرة أخرى.
كما أن “حزب الله” ليس على إستعداد لقطع العلاقات مع حليفه ميشال عون، الذي يريد أن يصبح رئيساً للبلاد. وقد رفض الأخير إرسال نوابه إلى جلسات البرلمان المخصّصة لإنتخاب الرئيس للتصويت، مانعاً بذلك إكتمال النصاب، على أمل أن يؤدي مثل هذا الإبتزاز في نهاية المطاف إلى إنتخابه.
الواقع أن الإبتزاز أصبح سمة متكرّرة من المشهد السياسي في لبنان في الآونة الأخيرة، والذي تميّز بسياسة حافة الهاوية التي تليها صفقات متأخرة لتجنّب الأسوأ. إن الأوطان لا تُبنى هكذا ولا تُدار بهذه الطريقة، ومع بداية 2015 لا توجد دلائل تشير إلى أن مثل هذا التهور سوف يتوقف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى