إعرف نفسك، إعرف عدوّك

التغيير لا يأتي من فراغ، لا بل من الصعب أن نتغيّر، بالأخص إذا كان التغيّر المنشود يأتي ضمن منظومة محدّدة تهدف إلى إستثمار نقاط القوّة وإستبعاد نقاط الضُعف. وعليه، فإن لم يكن بالإمكان تطوير نقاط الضُعف هذه، فعلى الأقل المطلوب إدراكها. الجميع يمتلك النوعين معاً، فلا العظماء يخلونَ من نقاط الضُعف ولا الفاشلون يخلونَ من نقاط القوّة. وهنا يُحضرني قولٌ مميّزٌ للرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت، حين كتبَ: “يشترك الناجحون بشيء واحدٍ في ما بينهم، وهو معرفتهم العميقة بنقاط قوّتهم، ومِن ثَم الإستمرار في تقويتها والإجتهاد في إستغلالها”.
و.. تقول القاعدة الإلهية ” لا يُغيّر الله ما بقوم، حتى يُغيّروا ما بأنفسهم “، والتغيير عليه أن يكون مدروساً ومحسوباً، وإلا أصبح تهوّراً وجنوناً. لذا وجُب إحترام عددٍ لا يُستهان به من الضوابط، لعل أبرزها التالي:
1. المُبادرة: لا تؤجل إلى وقتٍ لاحقٍ ما قد يتوجّب عليك القيام به الآن؛
2. التحديد: أي وضع رؤية لهدفٍ مُحدّد يجب إنجازه خلال حيّزٍ مرِنٍ؛
3. التخطيط: هو ما يُنظم عملك القريب والبعيد لتراقب فعالية قراراتك؛
4. التوقيت: ضروري جداً التقيّد برُوزنامةٍ زمنيةٍ تضمن حُسن الإدارة؛
5. التركيز: من السهل أن يتشتّت التفكير بأمور ثانوية وربّما بتفاصيل؛
6. التروّي: التحكّم بالنفس وضبط الإنفعال في ظل الأجواء الضاغطة؛
7. المُلاحظة: مِن مُختلف الجهات لخُبُراتٍ سابقة أو ردود فعلٍ لاحقة.
و.. معرفة نقاط القوّة لا تطال الأشخاص فحسب، بل الشركات والجمعيات وحتى البلديات والدول:
* على صعيد الأشخاص: نحن نُواجه مفاهيم الآخر ومُمارساته، لذا، لا يكفي مُجرّد أن نعرف من هو مُنافسنا أو ربّما عدوّنا، بل المطلوب معرفة مكامن ضُعفه وقوّته؛ كيْ نسترشد منشأ المشكل أو العداء، كيْ نأخذ الحذر والحيطة، كيْ نتوقّع إحتمال العُبور إلى مُصالحة، كيْ نعي كيف يُفكّر وكيف يُنفِّذ، كيْ نُدرك ما هي أدواته وما هي ميادينه. أما بالنسبة إلى شخصنا الكريم، فإنَّ مكامن ضُعفنا هي أهم حليفٍ يمكن للآخر أن يتحالف معه، لذلك فمن شروط النجاح، إبعادها عن الأنظار وإبراز مكامن قوّتنا، تماماً كما تُبرز المرأة مواطن جمالها وتُخفي مواطن التشوّهات، ليبنيَ الناظرَ رأيه على الإيجابيات من دون السلبيات.
* على صعيد الدول: لعل المثال الصارخ هو حرب 2006 في لبنان حيث أثبت الواقع أنه بإمكان جهتين غير متكافئتين أن تخوضا معركةً، والرابح ليس بالضرورة الأقوى بل من درس نقاط ضُعف خصمه وإستغلّ نقاط قوته. فالميركافا كانت أفضل الدبابات تحصيناً إلى أن إكتُشفت نقطة الضعف الموجودة في بُنيتها، وإذ بما كان نقطة قوّة، يتحوّل إلى نقطة ضُعف. ويوم تتأكد إسرائيل بأن “حزب الله” سيُعيد الخُطط والتكتيكات عينها، سيكون يوماً سهلاً لضحده. وهنا الفرق عن أسلوب ياسر عرفات، الذي لمْ يستعمل عنصر المفاجأة يوماً، فقد كان سراً وعلناً مُقتنعاً بأن الصراع العسكري غير مُمكن وأن الحل تفاوضيّ.
و… يمرّ في مخيلتي مظهر المُلاكم الذي يبحث عن نقطة الضُعف لدى خصمه، وإنْ لم يجدها، تراهُ يفتعل واحدة ليدفع الآخر إلى الإستسلام. وكما يُقال، إن لم تقوَ على مشاكلك، فستقوى مشاكلك عليك. كذلك يُمكن القول، إن لم تقوَ على خصمك، سيقوى هو عليك. ومن أجل أن تواجههُ من دون تردّد، عليك ألّا تكون جاهلاً لأفكاره، فأفكاره تتغذى إستناداً إلى نقاط ضُعفه وقوّته؛ ومتى إستوعبتَ أنتَ نقاطه، تكون ساعتئذ قد إستوليتَ أنتَ على نُفوذه. عادةً ما يمتلك الجندي إستراتيجيتين مُختلفتين خلال الحرب، فإما أن يُدافع عن نفسهِ وإما أن يُهاجم خصمهِ، لكنْ متى عرف النقاط هذه، إمتلك إمكانية الدفاع والهُجوم في آن.
و… إذا كانت معرفة النفس هي رأس الحكمة، فمعرفة النفس ومعرفة الآخر قد تكون رأس الحكمة وجسدها. بحيث يكون الرأس أداة التخطيط فيما الجسد أداة التنفيذ. ولهوَ من المُستغرب أنه حين يُطلب من فردٍ ما تعداد سلبياته، تراه غالباً ما يُجيب لعلها طيبة قلبه، وهذا دليل أننا لا نريد أن نعترف بوُجود محورٍ سالبٍ؛ علماً أن كل فردٍ منا يمتلك ما يكفي ويزيد من المحاور الضعيفة. إلا أن معرفة النفس لوحدها لا تكفي، إذ يبقى علينا واجب إصلاحها. وبالتالي، فإن النصيحة التي تفرُض نفسها هي قيام حوار هادئ ومُتجدّد مع النفس، فليس بأمرٍ مُستبعدٍ أن يكون الإنسان مُتعامياً ومُتعالياً عن رؤية سلبياته، وبهذا الوضع، تُصبح نقاطه السالبة واضحة وصارخة أمام الآخر، أكان صديقاً أمْ عدوّاً، ما يُثبت مقولة أن الإنسان عدوّ نفسه. إذن، والحالة هذه، فإن معرفة الواحد لنفسه هي فعلاً رأس الحكمة، إذ هي تهدينا إلى الأصدقاء وتحمينا من الأعداء.

بقلم ميرنا زخريّا*
* باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى