لبنان في عين عاصفة التنافس الإقليمي المُعقّد

فيما يدرس أفرقاء كثر في منطقة الشرق الأوسط تأثير إتفاق وقف النار في جنوب سوريا الذي توصل إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مصالحهم، يبدو أن لبنان قلق من هذا الإتفاق الذي يثير تعقيدات كثيرة له.

الرئيسان دونالد ترامب وفلاديمير بوتين: هل ينجح إتفاقهما في جنوب سوريا؟

بيروت – رئيف عمرو

يراقب لبنان بعناية وينتظر بصبر وحذر لمعرفة ما إذا كان الإتفاق الروسي – الأميركي الأخير بالنسبة إلى جنوب سوريا سيعمل بشكل ناجح. والسبب هو أن اللبنانيين يُدركون أن الحدود السورية مع مرتفعات الجولان المحتلة هي مجرد إستمرار للحدود اللبنانية – الإسرائيلية، حتى أن الصراع عبر إحداها من المرجح أن يمتد إلى الأخرى.
الواقع أنه لا يزال هناك عدم يقين بشأن ما إذا كانت إيران ستسعى إلى تقويض هذا الإتفاق. ويعتقد بعض المراقبين أن طهران تتطلع الى بناء قدراتها العسكرية حول الأراضي الإسرائيلية بطريقة تُمكّنها من شن هجمات مدفعية وصاروخية فى حالة نشوب صراع إقليمي أوسع بين الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية. ولذلك فإن ما تسعى إليه إيران هو توازن رعب.
بالنسبة إلى أولئك الذين لديهم وجهة نظر كهذه، فإن إيران لا تهتم بإحترام الترتيب الروسي – الأميركي الذي يهدف إلى منع نشر قوات موالية لها على طول الحدود مع الأردن ومرتفعات الجولان. وعندما أعلن الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله أخيراً في خطاب له أن حرباً في المستقبل مع إسرائيل “يمكن أن تفتح الطريق لآلاف بل مئات الآلاف من المقاتلين من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي للمشاركة من العراق واليمن وإيران وأفغانستان وباكستان”، ما كان يعنيه حقاً هو أن إسرائيل ستواجه رداً إنتقامياً من لبنان وسوريا معاً.
وهناك وجهة نظر أكثر تفاؤلاً هي أن إيران لا تصرّ على بناء قدراتها العسكرية بالقرب من الجولان. بدلاً من ذلك، فإن أولويتها هي الحفاظ على السيطرة على المنطقة بين دمشق ولبنان، لضمان تزويد “حزب الله” بالأسلحة في حالة نشوب حرب مع إسرائيل. وبعبارة أخرى فإنها لن تدفع الثمن السياسي لإنهيار الصفقة الروسية – الأميركية، لكنها ستسعى إلى حماية حصتها الأهم، وهي طريق بري مفتوح بين إيران و”حزب الله” في لبنان، من خلال سوريا والعراق.
بالنسبة إلى اللبنانيين، فإن كلاً من التفسيرين يشير إلى أن بلدهم، مثل سوريا، هو في مرمى منافسات إقليمية مُعقّدة. إن الأمل في أن تصبح سوريا المكان الرئيس لأي نزاع إيراني – إسرائيلي، مما يجنّب لبنان الحرب، يبدو الآن أمراً ساذجاً.
إذا كان هناك أي شيء، فإن هذه التطورات تثير المخاطر على لبنان. إذا نجحت إيران في فتح جبهة جديدة في الجولان، فإنها ستعتبر ذلك فرصة لتوسيع الجبهة اللبنانية الجنوبية، مُغرِّقة لبنان وسوريا في أي مواجهة مستقبلية مع إسرائيل. وإذا فشلت، سيكون هناك حافز أكثر لتعزيز القوة العسكرية ل”حزب الله” في لبنان.
في حين أن التأثير العسكري ل”حزب الله” كبير، فهل لدى الحزب أي نقاط ضعف داخل لبنان؟ فيما لا يُحتمل أن يُثنيه أحد عن الدخول في حرب مع إسرائيل، فلا يمكن ل”حزب الله” أن يتجاهل باقي الأفرقاء اللبنانيين.
العودة إلى التاريخ مفيدة هنا. لقد بات الحزب الشيعي يتصرف كثيراً كما كانت تفعل منظمة التحرير الفلسطينية قبل العام 1975، عندما حوّلت لبنان إلى خط الجبهة للعمليات العسكرية ضد الدولة العبرية. وفي نهاية المطاف، لم تُنفِّر وتُغضِب فقط قسماً كبيراً من اللبنانيين، بمن فيهم، للسخرية، الطائفة الشيعية في جنوب لبنان التي دفع أفرادها ثمناً باهظاً جراء الأعمال الفلسطينية، التي أدّت إلى الغزو العسكري الإسرائيلي وطرد منظمة التحرير وأفرادها من لبنان في العام 1982.
ليس هناك أي سبيل تستطيع إسرائيل سلوكه لكي تُجبر “حزب الله” على الخروج من لبنان، لأن الحزب لبناني. ولكن ما يُمكن أن تفعله، وتعتزم القيام به، هو جعل ثمن الحرب مُكلفاً جداً للبنانيين بشكل عام، وإنها ستبذل كل ما في وسعها لمنع “حزب الله” من الشروع في أي مغامرة جديدة. والمشكلة في هذا الأساس المنطقي هي أن هناك إحتمالاً كبيراً بأن يؤخّر هذا، في أحسن الأحوال، نزاعاً مستقبلياً، من دون أن يُثني “حزب الله” عن الإستمرار في القيام بدور طليعي في جدول الأعمال الإقليمي لإيران.
بالنسبة إلى اللبنانيين، فإن هذا الشعور بالحتمية مألوف. لقد كانت البلاد منذ فترة طويلة مسرحاً للعداء الإقليمي، حيث أن مجتمعها المنقسم غير قادر على وضع حواجز أمام الجماعات المسلحة الراغبة في إستغلال نظام الإجماع الطائفي وإرباكه. كان ذلك صحيحاً بالنسبة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وهو صحيح الآن بالنسبة إلى “حزب الله” – في قضية الفلسطينيين كانت على حسابهم.
من الصعب تصوّر معارضة مُوحّدة ضد “حزب الله” تنطلق من الداخل اللبناني. ومع ذلك، كان من الصعب أيضاً رؤية معارضة للهيمنة السورية في الفترة 2004-2005، إلى أن وقعت حادثة إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري التي وحّدت غالبية اللبنانيين التي أجبرت السوريين على الإنسحاب. ولكن، لأن “حزب الله” حزبٌ لبناني، فإن نتيجة هذه المعارضة لن تكون إنسحابه، وإنما زيادة مخاطر وقوع حرب أهلية.
ليست هناك حتمية هنا، ولكن “حزب الله” يعرف أن أفضل طريقة للبقاء قوياً هي التشكيك في نظام لبنان القائم على التوافق الطائفي، وهو ما فعله من خلال عرقلة النظام في مناسبات عديدة. وبمجرد أن يختفي الشعور بالهدف المشترك في حالة توافقية، يرى الحزب أنه سيكون في وضع أفضل لتقسيم النظام وقهره.
مع كل هذا في الإعتبار، فإن اللبنانيين يتطلعون إلى سوريا، مُعربين عن أملهم في أن يبقى الوضع في الجنوب هادئاً وتحت السيطرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى