ثورة الجوّال المالية

يفتقر معظم الفقراء في العالم إلى حساب توفير أساسي، ولكن الهاتف الخليوي المتواضع قد يغيّر كل ذلك. بفضل التمويل النقّال تستطيع البنوك الآن تقديم خدمات حاسمة لعدد أكبر من الناس، وفي أماكن أكثر من أي وقت مضى، ومساعدتهم على الخروج من الفقر إلى غير رجعة.

بنك أفريقيا التجاري: دخل لعبة تمويل الفقراء من طريق الهاتف المحمول
بنك أفريقيا التجاري: دخل لعبة تمويل الفقراء من طريق الهاتف المحمول

لندن – محمد سليم

نحو 2.5 ملياري شخص في العالم الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم لن يبقوا في حالة من الفقر المزمن. كل بضع سنوات، يتمكّن بين عشرة و30 في المئة من الأسر الأكثر فقراً في العالم الخروج من الفقر، وعادة من خلال إيجاد فرص عمل ثابتة أو من طريق تنظيم أنشطة وإقامة مشاريع مثل تطوير أعمال تجارية أو تحسين محاصيل زراعية. مع ذلك، خلال تلك الفترة عينها، ما يقرب من عدد متساو من الأسر ينزلق تحت خط الفقر. ويبدو أن حالات الطوارئ المتعلقة بالصحة هي السبب الأكثر شيوعاً، ولكن هناك أسباباً أخرى أيضاً: فشل المحاصيل، ونفوق المواشي، وأعطال المعدات الزراعية، حتى نفقات الزفاف.
في كثير من هذه الحالات، تشكّل الأدوات المالية أهم عازل ضد النكسات المعوقة مثل المدّخرات الشخصية، والتأمين، والإئتمان أو التحويلات النقدية من العائلة والأصدقاء. مع ذلك، إن هذه الأدوات نادراً ما تتوفر لأن معظم فقراء العالم يفتقرون حتى إلى أبسط الخدمات المصرفية. على الصعيد العالمي، 77 في المئة منهم لم يكن لديهم حساب للتوفير، وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يصبح هذا الرقم 85 في المئة. كما أن عدداً أكبر من الفقراء لا يستطيع الوصول إلى منتجات الإئتمان الرسمي أو التأمين. المشكلة الرئيسية هي ليست بأن الفقراء لا يملكون شيئاً للتوفير – تشير الدراسات إلى أنهم يملكون – بل لأنهم ليسوا عملاء مربحين، لذلك لا تحاول البنوك ومقدمو الخدمات الأخرى الوصول إليهم. ونتيجة لذلك، يكافح هؤلاء الفقراء عادة من أجل “رتقة” مشتركة هي عبارة عن خليط من ترتيبات غير رسمية، وفي كثير من الأحيان غير مستقرة، لإدارة حياتهم المالية.
على مدى العقود القليلة الماضية، عملت برامج الإئتمان الصغير على معالجة هذه المشكلة، التي من خلالها منح المقرضون الملايين من القروض الصغيرة إلى الفقراء. مؤسسات مثل بنك غرامين ، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام في العام 2006، أظهرت نتائج باهرة مع ترتيبات مالية جديدة، مثل القروض الجماعية التي تتطلب دفعات أسبوعية. اليوم، تقدم صناعة التمويل الأصغرالقروض إلى نحو 200 مليون شخص – عدد هائل بالتأكيد، ولكن فقط ما يكفي لإحداث تأثير في أكثر من مليار شخص لا يستطيعون الحصول على الخدمات المالية الرسمية.
على الرغم من نجاحها، واجهت صناعة التمويل الأصغر عقبات كبيرة. ذلك أنه بسبب التكاليف العالية لإدارة هذا العدد الكبير من القروض الصغيرة، فإن أسعار الفائدة والرسوم المرتبطة بها كانت حادة، حيث وصلت في كثير من الأحيان إلى 100٪ سنوياً. وعلاوة على ذلك، فقد أظهر عدد من الدراسات الميدانية الجدّية أنه حتى عندما تصل برامج الإقراض بنجاح إلى المقترضين، فلم ينتج من ذلك سوى زيادة محدودة في النشاط التجاري- ولم يكن هناك أي إنخفاض ملموس في معدلات الفقر. لسنوات، شجّع مجتمع التنمية السرد الذي يقول بالإقتراض، وروح المبادرة، ورفع أعداد كبيرة من الناس من براثن الفقر. ولكن هذا السرد لم يعطِ النتيجة المتوخاة .
مع ذلك، هناك إتجاهان يشيران إلى وعد كبير للجيل المقبل من الجهود الشمولية المالية المدرجة. الأول يكمن في تكنولوجيا الهاتف النقّال التي قد وجدت طريقها إلى العالم النامي، و تنتشر بوتيرة مذهلة. وفقاً للبنك الدولي، تغطي إشارات الهاتف المحمول الآن نحو 90 في المئة من الفقراء في العالم، وهناك، في المتوسط، أكثر من 89 حساب هاتف خلوياً لكل 100 شخص يعيشون في البلدان النامية. وهذا يقدم فرصة إستثنائية: الأدوات المالية التي تعتمد تكنولوجيا الهاتف المحمول لديها القدرة على خفض تكلفة تقديم الخدمات المصرفية للفقراء يشكل كبير.
ثانياً، توصّل الإقتصاديون وغيرهم من الباحثين في السنوات الأخيرة إلى إنشاء قاعدة واقعية أكثر ثراء من الدراسات الدقيقة لإيجاد عروض منتجات مستقبلية. في وقت مبكر، إعتمد الجانبان المشاركان في النقاش حول القيمة الحقيقية لبرامج القروض الصغيرة للفقراء، في الغالب، على الملاحظات القصصية والشعور الغرائزي والتوقعات. ولكن الآن، هناك المئات من الدراسات للإستفادة منها. النماذج المرنة والمنخفضة التكلفة نتجت بفضل تكنولوجيا الهاتف النقّال و قاعدة الأدلة لتوجيه تصميمها و بالتالي خلق فرصة كبيرة لتقديم القيمة الحقيقية للفقراء.

بيِّن لهم المال

يقدّم التمويل النقّال ما لا يقل عن ثلاث مزايا رئيسية على النماذج المالية التقليدية. الأولى، المعاملات الرقمية هي حرة أساساً. تمثِّل الخدمات الشخصية والمعاملات النقدية غالبية النفقات المصرفية الروتينية. ولكن عملاء التمويل النقّال يبقون أموالهم في شكل رقمي، بحيث يمكنهم إرسال وإستقبال الأموال ساعة يريدون، حتى مع الأطراف البعيدة، من دون خلق تكاليف كبيرة لمعاملات البنوك أو مقدمي خدمة الهاتف المحمول. الثانية، تولّد إتصالات النقّال كميات وفيرة من البيانات، والتي يمكن للبنوك وغيرها من مقدمي الخدمات إستخدامها لتطوير خدمات أكثر ربحية وحتى أن تكون بديلاً من عشرات مؤشرات الإئتمان التقليدية (والتي يمكن أن يكون من الصعب الحصول عليها بالنسبة إلى أولئك الذين هم من دون سجلات رسمية أو تاريخ مالي). الثالثة، تربط منصات النقّال البنوك بعملائها في الوقت الحقيقي. وهذا يعني أن البنوك يمكن أن تتابع على الفور معلومات الحساب أو إرسال رسائل تذكيرية، ويمكن للعملاء الإشتراك في الخدمات بسرعة من تلقاء أنفسهم.
الإمكانات، بعبارة أخرى، هي هائلة. الفوائد بالنسبة إلى الإئتمان والإدّخار والتأمين واضحة، ولكن بالنسبة إلى معظم الأسر الفقيرة، فإن القدرة البسيطة لتحويل الأموال يمكن أن تكون بالقدر عينه من الأهمية. على سبيل المثال، وجد إستطلاع “غالوب”، الذي أجري أخيراً في 11 بلداً في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أن أكثر من 50 في المئة من البالغين الذين شملهم الإستطلاع قد أرسلوا دفعة واحدة على الأقل إلى شخص بعيد في غضون ال30 يوماً السابقة. وإستخدم 83 في المئة منهم النقود، سواء لدفع فواتير الماء والكهرباء أو إرسال الأموال إلى عائلاتهم، وقد أرسل معظمهم المال مع سائقي الحافلات، أو طلبوا من أصدقائهم إيصاله، أو سلّموا المدفوعات بأنفسهم. كانت التكاليف عالية؛ إن نقل الأموال النقدية، لا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أمر محفوف بالمخاطر، لا يمكن الاعتماد عليه، وبطيء.
تخيّل ماذا يمكن أن يحدث لو كان لدى الفقراء خيار أفضل. لقد وجدت دراسة حديثة جرت في كينيا أن الوصول إلى منتوج مالي للهاتف المحمول يسمى “أم-بيسا” (M-Pesa)، والذي يسمح للعملاء بتخزين المال في الهواتف المحمولة الخاصة بهم وإرسالها في لمسة زر واحدة، زاد حجم وكفاءة الشبكات التي تنقل وتحوّل المال. وهي جاءت في متناول اليدين عندما عانى المشاركون الأكثر فقراً من صدمات إقتصادية أثارتها أحداث غير متوقعة، مثل دخول المستشفى أو حريق المنزل. الأسر التي لديها إمكانية الوصول إلى “أم-بيسا” تلقى المزيد من الدعم المالي من شبكات أكبر وأكثر بعداً من الأهل والأصدقاء. ونتيجة لذلك، كانت أكثر قدرة على البقاء على قيد الحياة في الأوقات الصعبة، والحفاظ على وجباتها الغذائية العادية وإبقاء الأطفال في المدرسة.
بالنسبة إلى المستهلكين ، فإن فوائد “أم- بيسا” هي بديهية. اليوم، وفقاً لدراسة أجراها “صندوق تعميق القطاع المالي” (Financial Sector Deepening Trust,) في كينيا ، فإن 62 في المئة من البالغين في البلاد لديهم حسابات ناشطة. و قد بدأت دول أخرى منذ ذلك الحين إصدار وإطلاق منتجات مالية خاصة بها. في تنزانيا، أكثر من 47 في المئة من الأسر لديها أحد أفرادها مسجّل. في أوغندا، 26 في المئة من البالغين هم من المستخدمين. وكانت معدلات الإعتماد أو الإستخدام غير عادية؛ على النقيض من ذلك، نادراً ما يحصل مقترضو الإئتمان الأصغر على أكثر من عشرة في المئة من مناطق برنامجهم .
الواقع أن مال الهواتف النقالة يفيد أكثر من التحويلات الطارئة. إن المدفوعات المنتظمة التي يرسلها أفراد الأسرة الذين يعملون في أجزاء أخرى من البلاد، على سبيل المثال، تشكّل حصة كبيرة من الدخل للعديد من الأسر الفقيرة. فقد أشارت دراسة “غالوب” في جنوب آسيا أخيراً إلى أن 72 في المئة من الأسر المتلقية للمدفوعات كانت التحويلات النقدية “مهمة جدا” لحالاتها وأوضاعها المالية. وتظهر دراسات على أصحاب الأعمال الصغيرة بأن إعتمادهم على إستخدام الدفع عبر الهاتف النقال قد حسّن كفاءتهم ووسّع قواعد عملائهم.
يمكن لهذه التقنيات أيضاً تحويل طريقة تفاعل الناس مع المؤسسات الرسمية الكبيرة، وخصوصاً من خلال تحسين إمكانية حصول الناس على الخدمات الحكومية. وقد وجدت دراسة في النيجر أجراها باحث من جامعة “تافتس” انه خلال الجفاف، سمحت الهواتف النقالة للناس بطلب الدعم الحكومي للطوارئ في تأمين وجبات غذائية أفضل لهم، مقارنة مع أولئك الذين حصلوا على وجباتهم الغذائية من خلال الصدقات النقدية. وخلص الباحثون إلى أن النساء هن أكثر عرضة من الرجال للسيطرة على التحويلات الرقمية (على العكس من التحويلات النقدية)، وأنهن كنَّ أكثر عرضة لإنفاق المال على الغذاء العالي الجودة.
في الوقت عينه ستستفيد الحكومات أيضاً بقدر ما يستفيد المستهلكون. فقد وجدت دراسة لمؤسسة “ماكينزي” في الهند أن حكومة نيودلهي يمكنها ربح 22 مليار دولار سنوياً من “رقمنة” كل مدفوعاتها. ووجدت دراسة أخرى، من قبل “تحالف أفضل من النقد” (Better Than Cash Alliance)، وهي منظمة غير ربحية تساعد الدول على إعتماد أنظمة الدفع الإلكترونية، إن تحوّل الحكومة المكسيكية إلى المدفوعات الرقمية (التي بدأت في العام 1997) قلّصت إنفاقها على الأجور والمعاشات والرعاية الإجتماعية بنسبة 3.3 في المئة سنوياً ، أو ما يقرب من 1.3 مليار دولار.

الوفورات والهواتف

في العالم المتقدّم، عرف المصرفيون منذ مدة طويلة أن دفعة بسيطة نسبياً يمكن أن يكون لها تأثير كبير على السلوك على المدى الطويل. لذا تقوم البنوك بإنتظام بتشجيع العملاء على التوقيع على مساهمات تلقائية لخطط تقاعدهم، وإنشاء ودائع حسابات الإدخار التلقائي من رواتبهم، وفتح حسابات خاصة لغرض معين.
وتؤكّد دراسات في العالم النامي على أن الفقراء يحتاجون إلى إتخاذ مثل هذا القرار المساعد حتى أكثر من الأغنياء، وذلك بسبب الضغط المستمر عليهم لإنفاق المال على الإحتياجات الفورية. والهواتف المحمولة تجعل الدفع أسهل. على سبيل المثال، أظهرت سلسلة من الدراسات أنه عندما تلقّى العملاء رسائل نصية تحثهم على دفع ودائع إدّخار منتظم، كانت أرصدتهم تتحسّن مع مرور الوقت. وقد أثبتت ميزات أكثر هجومية أيضاً أنها فعّالة، مثل ما يسمى حسابات الإلتزام، التي تفرض الانضباط المالي مع عقوبة رسوم كبيرة.
أثبت كثير من الناس الفقراء بالفعل رغبتهم في الآليات المالية التي تشجّع على الإدّخار. في أفريقيا، تنضم النساء عادة إلى مجموعات تسمّى جمعيات دورية للإدّخار و الإئتمان، والتي تتطلّب منهن حضور إجتماعات أسبوعية وتلبية جداول إيداع وسحب جامدة. تشير الدراسات إلى أن في بلدان مثل الكاميرون، وغامبيا، ونيجيريا، وتوغو ، ما يقرب من نصف جميع النساء البالغات هن أعضاء في هذه الجمعيات الدورية، وفي مجموعة مماثلة من برامج الإدخار المنتشرة على نطاق واسع خارج أفريقيا كذلك. وتظهر الأبحاث بأن أعضاء يتم تشجيعهم على الإنضباط في المدفوعات العادية المطلوبة من طريق الضغط الإجتماعي في إجتماعات المجموعة.
التطبيقات المصرفية عبر الهاتف المحمول لديها القدرة على تشجيع الإنضباط المالي في طرق أكثر فعالية. هناك ميزات هامشية على ما يبدو مصمّمة لتحفيز الإنضباط المالي يمكن أن تفعل الكثير لوضع الناس على طريق الإزدهار المالي. في تجربة واحدة، سمح باحثون لبعض صغار المزارعين في “ملاوي” أن يودعوا حصيلة حصادهم مباشرة في حسابات الإلتزام. ماذا كانت النتيجة؟ المزارعون الذين عُرض عليهم هذا الخيار وإختاروا أن يشاركوا إنتهوا إلى إستثمار 30 في المئة في المساهمات الزراعية أكثر من أولئك الذين لم يُمنَحوا الخيار، مما أدى إلى زيادة بنسبة 22٪ في الإيرادات و زيادة 17 في المئة في إستهلاك الأسر بعد الحصاد.
إن الأسر الفقيرة، التي لا تختلف عن تلك الغنية، لا يتم خدمتها بشكل جيد من خلال قروض معزولة بسيطة؛ فهي تحتاج إلى مجموعة كاملة من الأدوات المالية التي تعمل في تناسق لتخفيف المخاطر، وتموِيل الإستثمار، وتنمية الإدخار، ونقل الأموال. على سبيل المثال، يمكن للتأمين أن يؤثر تأثيراً كبيراً في كيفية إستثمار المقترضين في أعمالهم. وقدمت دراسة ميدانية حديثة، جرت في غانا، مجموعات مختلفة من المنح النقدية للمزارعين لتمويل إستثمارات في مساهمات زراعية، وتأمين المحاصيل، أو كليهما. وقد إستثمر المزارعون الذين في حوزتهم التأمين أكثر في المحاصيل الزراعية، وخصوصاً في المواد الكيميائية، وإعداد الأرض، وإيجار العمل والعمال. وأنفقوا في المتوسط 266 دولاراً على الزراعة أكثر مما فعلوا على التأمين. لذا، لم يكن إفتقار المزارعين إلى الإئتمان أكبر عائق أمام توسيع أعمالهم، بل كان الخطر.
وتسمح تطبيقات النقّال للبنوك تقديم مثل هذه الخدمات لأعداد هائلة من العملاء في وقت قصير جداً. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، أطلق بنك أفريقيا التجاري وشركة الإتصالات السلكية واللاسلكية “سفاريكوم” منتوجاً يسمى “أم-شواري” (M-Shwari)، والذي سمح لمستخدمي “أم-بيسا” فتح حسابات إدّخار مع فائدة، وتقديم طلب للحصول على قروض قصيرة الأجل من خلال هواتفهم المحمولة. وقد ثبت أن الطلب على المنتوج ساحق. من خلال القضاء على نحو فعّال على عامل الوقت، الذي عادة ما يستغرقه المستخدمون للتسجيل أو تقديم الطلب شخصياً، أضاف “أم-شواري” تقريباً مليون حساب في الأشهر الثلاثة الأولى.
من خلال إستقطاب الكثير من الزبائن وتتبع سلوكهم في الوقت الحقيقي، تولّد منصات الهاتف النقال رزمة من البيانات المفيدة. يمكن لأنماط الدعوة والمعاملة لدى الناس أن تكشف عن رؤى قيّمة حول سلوك شرائح معينة من العملاء السكان، مبرهنة عن مدى الإختلافات في مستويات الدخل، والوضع الوظيفي، والترابط الإجتماعي، والحالة الإجتماعية، والجدارة الإئتمانية، أو غيرها من الصفات التي شكّلت النتائج. وقد أظهر العديد من الدراسات بالفعل كيف أن مزايا منتجات معيّنة يمكن أن تؤثر في بعض المجموعات بشكل مختلف عن الأخرى. في إحدى الدراسات الكينية، أعطى باحثون لعملاء بطاقات صرّاف آلي التي سمحت لهم بسحوبات نقدية بتكاليف منخفضة، وسمحت لهم أيضاً الوصول إلى حسابات مدخراتهم بعد ساعات وفي عطلة نهاية الأسبوع. وإنتهى التغيير مؤثراً إيجابياً في الرجال المتزوجين وسلبياً في النساء المتزوجات، اللواتي يمكن لأزواجهن بسهولة وضع أيديهم على الأموال المحفوظة في حساب مشترك. قبل بطاقات الصرّاف الآلي، كانت النساء المتزوجات يدفعن رسوم سحب عالية أو يواجهن ساعات محدودة من قبل البنك للحد من عمليات السحب. مع البطاقات، علاوة على ذلك، يمكن للأزواج الحصول على النقد من أجهزة الصراف الآلي بأنفسهم، في حين أن السحوبات في المكاتب الفرعية عادة ما يُطلب من الزوجات الذهاب شخصياً خلال الساعات التي يكون فيها أزواجهن في العمل.

الموقع ، الموقع، الموقع

إن إرتفاع تكلفة البنية التحتية المصرفية الأساسية قد تكون أكبر عائق أمام توفير الخدمات المالية للفقراء. تضع البنوك أجهزة الصرّاف الآلي والمكاتب الفرعية بشكل حصري تقريباً في المناطق الأكثر غنى وكثافة (وأكثر أمناً) في البلدان الفقيرة. وفي كثير من الأحيان تقزّم تكلفة هذه البنية التحتية الأرباح المحتملة التي يتعيّن الحصول عليها في المناطق الريفية الأكثر فقراً. في المقابل، الأعمال المصرفية عبر الهاتف المحمول تسمح للعملاء بتنفيذ معاملات في محلات تجارية موجودة وحتى في أكشاك السوق، خالقة شبكات أكثر كثافة من النقاط للعملية بتكلفة أقل بكثير.
ومع ذلك، لكي يستفيد العملاء بشكل كامل من الخدمات المالية للنقّال، يجب تسهيل الوصول إلى المكاتب التي تتعامل في النقد الذي لا يزال يشكل أمراً حرجاً. عندما قام الباحثون في كينيا بدراسة برنامج “أم- بيسا” المشار إليه عبر مواقع وكلاء “أم- بيسا” ومواقع الأسر في البرنامج، فقد وجدوا بأن كلّما كانت المنازل أقرب إلى كشك “أم- بيسا”، حيث هناك خدمات نقدية متاحة للعملاء، إستفادت أكثر من هذه الخدمة. ويصبح من غير المجدي للعملاء إستخدام خدمة مالية معينة مهما كانوا في حاجة إليها إذا كانت المسافة أبعد من ذلك.
في الوقت عينه، أظهر عدد من الدراسات أن زيادة نقاط الوصول المادي الفعلي إلى النظام المالي يمكن أن تساعد في رفع الإقتصاد المحلي. وقد وثّق باحثون في الهند آثار تنظيم تطلّب من البنوك فتح فروع في المناطق الريفية في مقابل الحصول على تراخيص للعمل في مناطق حضرية أكثر ربحية. أظهرت البيانات زيادة كبيرة في الإقراض والإنتاج الزراعي في المناطق التي فتحت فيها فروع بسبب البرنامج، فضلاً عن تخفيضات 4-5 في المئة في عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر. ووجدت دراسة مشابهة في المكسيك أنه في المناطق التي أدخلت إليها فروع بنكية، زاد عدد الأشخاص الذين يمتلكون شركات غير رسمية بنسبة 7.6 في المئة. كانت هناك أيضا آثار تموج: زيادة طفيفة في التوظيف و إرتفاع سبعة في المئة في الدخل.
مع ذلك، بخطوات صحيحة، فإن الوصول إلى أدوات مالية يمكن أن يحفز الإقتصادات المحرومة و، في الأوقات الحرجة، يحدّد ما إذا كانت الأسرة الفقيرة هي قادرة على إلتقاط فرصة للخروج من الفقر أو خلاف ذلك تجاوز صدمة مالية منهكة. بفضل الأبحاث الجديدة، صار معروفاً أكثر ما هي أنواع الميزات التي يمكن أن تفعل أكثر لتحسين حياة المستهلكين. وبسبب الإنتشار السريع للهواتف المحمولة، أصبح من الممكن الآن تقديم مثل هذه الخدمات لعدد أكبر من الناس أكثر من أي وقت مضى. لقد وضع كل من هذه الإتجاهات المسرح لمزيد من الإبتكارات من قبل البنوك، وشركات الهاتف الخلوي، ومؤسسات الإقراض الأصغر، ورجال الأعمال – وهناك دور يلعبه جميعهم في تقديم الخدمات المالية المغيّرة للحياة لأولئك الذين هم في أشد الحاجة إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى