للعمالة من يرعاها

بقلم راشد فايد*

هل يعقل أن عامر الياس الفاخوري، جزّار مُعتقل الخيام، إبان الإحتلال الإسرائيلي للجنوب، قد عاد الى لبنان، في لحظة تخلٍ، غاب عنها تقديره لعواقب عودته؟

لم يُلمِّح أيٌّ من التعليقات على عودته، الى سذاجته، ولا ضعف حيلته، ولا قِلّة وعيه بما ارتكب زمن الإحتلال، أي أنه لم يستيقظ مطلع الأسبوع الفائت، في إحدى الولايات الأميركية، ليقرر فجأة زيارة لبنان، من دون تقدير المخاطر الناجمة عن ماضيه.

تُشير وقائع وصوله الى مطار رفيق الحريري الدولي، واستقباله من جانب عميد ركن في الجيش، إلى أن الأمر مُخَطَّطٌ له، ومعروفة محاذيره لديه، فأي مواطن في أي دولة، يعرف أن فعل التخابر والتعامل مع العدو جرم خيانة، وأن حمله جنسية دولة أخرى، لا يُحصّنه ضد العقوبة المستحقة. ومن يتابع روايات عودته يقتنع بأنه ما عاد لولا تطمينات مسؤولين ومراجع الى أنه لن يُعتَقل.

قد ينتهي الأمر بحلٍّ على الطريقة اللبنانية. والسوابق المشابهة لم تدفنها الذاكرة العامة بعد، كمشهد العميد فايز كرم، الذي بدأت علاقته مع الإسرائيليين في الولايات المتحدة الأميركية في ثمانينات القرن السابق، وتعمّقت في مرحلة التحضير لعودة العماد ميشال عون الى بيروت في العام 2005. فقبل أيام من عودة الأخير، سبقه كرم الى بيروت، فأوقفته الأجهزة الأمنية لمدة نصف ساعة جرى خلالها تنظيف سجله القانوني ليعود في 7 أيار (مايو)، على طائرة عون الذي رشّحه لاحقاً لمقعد نيابي في بلدته زغرتا.

وحين حُوكم في أيلول (سبتمبر) 2011 بتهمة العمالة لإسرائيل، بعدما ثبتت، حُكِم لسنتين أشغالاً شاقّة، حُوِّلت تخفيفاً الى الحبس، وعدم تجريده من حقوقه المدنية، ولحق ذلك قانون عام خفّض السنة السجنية الى 9 أشهر، فاستفاد منه، وخرج في نيسان (إبريل) 2012.

قد لا تكون نهاية الفاخوري بعيدة عما انتهى إليه حال كرم، (مُعزَّزاً بجنسيته الأميركية)، طالما أن الوطنية، كما تُوحي قضية الثاني، وجهة نظر، وطالما ان سلّم القِيم العامة ليس هو نفسه لدى البيئات اللبنانية جميعاً، بدليل أن زعيم ميليشيا ذات دور إقليمي يُجاهر بأنه يتبع زعيماً دينياً سياسياً يقود دولة ذات أطماع إقليمية، ولا يرفع أحدٌ بطاقة حمراء في وجهه إعتراضاً، فيما هو يرمي بتهم الخيانة كل من لا يلاقيه في ما يذهب إليه. أي أن لا مقياس قيمياً مُوحَّداً لدى اللبنانيين، على الأقل في القضايا المصيرية. فاللبنانيون لا يُسلّمون بأن القانون هو ناظم الحياة العامة، وأنه الفاصل بين الصح والخطأ، وأن تصوير العدالة على أنها امرأة عمياء، هو للقول أن العدالة هي الرحمة، بما تُمثّله الأنثى عامة، وأن غطاء عينيها يُفيد بانها لا تُراعي إلّا الحق، بصرف النظر عمَّن يُفيد، أو بمَن يضرّ. لكن ذلك يحتاج الى دولة لا تحكمها دويلة، ولا تواطؤات تؤطّرها.

  • راشد فايد هو كاتب وصحافي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb أو متابعته على: www.rachedfayed.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى