نعمة طعمة: لا خوف على الإستثمارات اللبنانية في دول الخليج وإقليم كردستان

اللبنانيون بين مطرقة الوضع الأمني داخلياً المانع للإستثمار الأجنبي وبين سندان معاناة الإستثمار اللبناني في الخارج، فالخوف بات يلف حركة المستثمرين اللبنانين في مختلف الأنحاء العربية تأثراً بأوضاع المنطقة الملتهبة (سوريا، العراق، مصر، ليبيا…) وسط حذر خليجي من الإستثمار في لبنان.
وفي ظل غياب الإحصاءات الدقيقة لحركة الإستثمار اللبناني في الخارج، تشير إحصاءات العام 2009 إلى أنها بلغت نحو خمسة مليارات دولار في دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة. في مقابل تحويلات من أرباح اللبنانيين قاربت 65 في المئة.
أحد أبرز الذين فتحوا باب الإستثمار اللبناني في الخارج النائب نعمة طعمة رئيس مجلس ادارة شركة المباني للمقاولات التي تعتبر من اكبر الشركات التي نفذت مشاريع عملاقة من مطارات وطرق ومبانٍ وتضم الآف العمال، شرح القضية ل”اسواق العرب”.

بيروت- غادة العريضي

* كيف تقرأ حركة الإستثمارات والإقتصاد بشكل عام على ضوء التطورات الأمنية الملتهبة في المنطقة؟

– من الطبيعي علميًّا وعمليًّا أنّه لا يمكن فصل المسار السياسي عن الإقتصادي أو عامل الإستثمار، بإعتبار هذه العناوين تحتاج إلى مناخات أمنية هادئة وإستقرار على مختلف المستويات السياسية والأمنية، بمعنى وجود أرضية صلبة تُعزّز عامل الإقتصاد والإستثمار. من دون أمن وإطمئنان فلا مجال لأي إستثمارات أو مشاريع كبيرة وعملاقة في أي دولة. إن الإستثمار يحتاج إلى أجواء أمنية هادئة تعزّز فرصه في مختلف المجالات من العقارات إلى المشاريع الفندقية والصحية والتربوية وعلى مختلف المستويات والصعد، ولهذه الغاية ينظر المستثمر قبل توظيف أمواله وفي أية دولة إلى وجود ما يطمئنه وتحديدًا على المستوى الأمني والإستقرار إضافة إلى أهمية وجود القضاء العادل والنزيه، وهذه حقيقة راسخة وواضحة، بمعنى لا إستثمار وإقتصاد من دون أمن مستتب وعدالة نزيهة.

* من المفارقة أنّ المخاوف أضحت على إستثمارات اللبنانيين في الخارج كأربيل وليس في الداخل على خلفية ما يجري في دول المنطقة من حروب متنقِّلة، كيف تفسِّر ذلك؟

– إنّها مفارقة حقيقية وملموسة ومضحكة ومبكية في آن، بإعتبار أن المواطن اللبناني، أو المستثمر ورجل الأعمال، تهجّر مع أعماله إلى دول تؤمّن له عامل الإستثمار ضمن مناخات هادئة وأجواء أمنية مستقرّة في ظلّ ما يعانيه لبنان منذ بداية حرب السنتين، أي في العام 1975، حيث إنطلقت آنذاك هجرة اللبنانيين إلى دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية وأوستراليا وكندا وأفريقيا وأوروبا. ولكن بعض رجال الأعمال وأصحاب الاستثمارات وجد ضالّته في معظم هذه الدول حيث بنى إمبراطوريات إستثمارية وشركات وأعمالاً في مختلف الميادين، ولاقى نجاحًا كبيرًا نظرًا إلى قدرة اللبناني وعقله وتفكيره وعلمه، ولكنّ الآن هناك مخاوف وقلق ينتاب البعض في دول تشهد نزاعات أمنية وأعمالاً عسكرية، ولاسيما في سوريا والعراق، وتحديدًا في أربيل حيث في الآونة الأخيرة سجّل إقليم الأكراد العراقي حركة نهوض إقتصادي وإستثماري متقدّمة فاقت التوقّعات وكانت لرجال الأعمال اللبنانيين حصّة أساسية عبر الإستثمارات التي وظّفوها في ذاك البلد، وتحديدًا على مستويات المقاولات والقطاع الفندقي والمطاعم إلى شركات في مجالات متنوّعة، وهذا ما خلق فرص عمل للبنانيين باعتبار أنّ أصحاب الاستثمارات في أربيل معظم موظّفيهم وعمّالهم من اللبنانيين وتحديدًا في قطاع الهندسة والمقاولات والفنادق والمطاعم وسائر المهن التي يُتقنها اللبناني والمشهود له بذلك. من هذا المنطلق، ثمّة مخاوف وقلق جراء ما يجري في العراق، خصوصًا وأنّ المعارك العسكرية غير بعيدة من أربيل، إذ يكفي اللبنانيون شظف التهجير الإنساني إلى أعمالهم ومصانعهم وإستثماراتهم التي في معظمها تحوّلت إلى الخارج، ولكنّني أرى أنّ إستثمارات وأعمال اللبنانيين في أربيل بخير وهذا ما تبدّى لنا من خلال المتابعات السياسية وتطمينات الغرب، على أساس أن هناك أيضًا إستثمارات لا يُستهان بها للأميركيين والبريطانيين والأوروبيين بشكل عام ممّا يعني أنّ قرارًا دوليًّا يقضي بحماية هذه الاستثمارات والإنجازات والأعمال التي حصلت في الآونة الأخيرة، وهذا ما يُطمئن اللبنانيين الذين لهم استثمارات كبيرة ومتعدّدة الاتجاهات في أربيل وسواها.

* كونك من الذين لديهم استثمارات في الخارج حتى أنّ لبنانيين كثراً يعملون في شركتك في المملكة العربية السعودية وسواها، فهل لديك أي قلق ربطًا بحروب المنطقة وما تأثيرها على المملكة وإستثمارات اللبنانيين هناك؟

– لا شكّ أنّ أي حرب وفي أية دولة في الشرق الأوسط تترك تأثيرات سلبية في الإقتصاد والإستثمار والإعمار والإنماء، وفي كافّة القطاعات في المنطقة برمّتها، وحتى على المستوى الدولي، لأنّ في الحروب تداخلات ومصالح سياسية وعسكرية وسوى ذلك، إنّما يُمكنني الجزم بأنّ الإستثمارات في المملكة العربية السعودية وكل الحركة الإعمارية والتنمية بخير وأمان واطمئنان لجملة ظروف وعوامل، بدايةً أنّ المملكة تنعم بالأمان والإستقرار؛ تاليًا معاملتها للمقيمين على أرضها ضمن الأطر القانونية والمتعارَف عليها، وتأمين كل مستلزمات الراحة والاطمئنان لأي مقيم في المملكة، وهذا ما نلمسه كلبنانيين حيث تبقى السعودية الداعم الأساسي للبنان ومن وقف إلى جانبه في السراء والضراء. كذلك هناك جالية لبنانية منتشرة في كل أرجاء دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما في السعودية حيث تحظى بأفضل معاملة، وقد احتصنت أبناءها منذ بدايات الحرب الأهلية، ومدّت لهم يد العون ووفّرت لهم كل الحاجات والمستلزمات، ولم تُميِّز بين لبناني وآخر، فكانت لهم خير نصير وداعم ولم تزل. ومن هذا المنطلق، الإستثمار والأعمال في السعودية بخير، وهناك حركة ملفتة وبشكل طبيعي، وهذا ما نشعر به من خلال القطاع الذي نعمل فيه في ظلّ مناخات أمنية هادئة ومستقرّة جداً، بالإضافة إلى أن الإستثمارات في كل القطاعات تجري بشكل أيجابي وعلى أفضل ما يُرام.

* ماذا عن الذين يعملون معكم ومن أية جنسيات؟ وهل هنالك من تأثير على اللبنانيين في ظلّ المتغيّرات الحاصلة في المنطقة؟

– بدايةً، في المملكة شركات ومؤسسات كثيرة للبنانيين وثمّة جالية لبنانية كبيرة أبناؤها يعملون في معظم القطاعات العلمية والعملية وشركات ومؤسسات ومصانع ومعامل وفنادق ومطاعم، وإذا صحّ التعبير في كلّ المؤسسات والقطاعات حيث يعمل لبنانيون فإن أوضاعهم تسير بشكل طبيعي جدًّا وأعمالهم على خير ما يرام، ولم نلمس أي تأثيرات حيال ما يجري في المنطقة، أمّا بالنسبة إلينا فالعمال هم من جنسيات مختلفة آسيوية وسواها، ومن الطبيعي للبنانيين حصّة كبيرة ووازنة، وتحديدًا في قطاع الهندسة والمقاولات ومن أصحاب الخبرات ممّن لهم باع طويل في هذا القطاع، ولهذه الغاية أؤكّد على أنه ليس من أيّ معوقات وتأثيرات إزاء الحروب الدائرة في سوريا والعراق أو الأجواء غير المستقّرة في لبنان، فالأعمال في المملكة ممتازة، والقيادة السعودية، وهنا بيت القصيد، تعمل بدايةً على استقرار أبنائها وأمنهم بكل أشكاله ولاسيما العامل الاجتماعي، وهذا ما لمسناه خلال الموازنة التي أُقرّت العام المنصرم في مجلس الوزراء السعودي، بحيث هناك إهتمام من القيادة السعودية بالمواطن السعودي وتأمين كل مستلزمات العيش الكريم، وتحديدًا على مسار الإسكان والرعاية الصحية والتربوية والإنمائية والمنشآت الرياضية وكل ما يتّصل بالمواطن بصلة وهذه أمور تعزّز الإستقرار وتفتح الآفاق أمام المستثمرين.

* يعني أنت مرتاح لمسار الأوضاع ولا خوف على إستثمارات اللبنانيين في الخارج؟

– هذا يتفاوت بين بلد وآخر، إذ كلّنا يذكر ما حلّ باللبنانيين في بعض الدول الإفريقية حيث تعرّضت إستثماراتهم للأذى نتيجة إنقلابات وأعمال شغب، وهذا ما تعرّضوا له في أكثر من دولة، لكنّهم ومن خلال الدينامية التي يتميّزون بها، ومع عودة الإستقرار، سرعان عادوا إلى سابق عهدهم وبدأوا من جديد. لكن في دول الخليج قاطبةً الإستقرار الإستثماري طبيعي، ولا خوف على أعمال اللبنانيين وإستثماراتهم، وهذا ليس كلاماً للإطمئنان وحسب بل إنه واقع نلمسه على الأرض من خلال أعمالنا، وكذلك جرّاء سياسات حكام الخليج المبنيّة على السعي إلى ترسيخ الأمن والإستقرار في دولهم، وبالتالي حماية الإستثمارات عبر التعاطي الإيجابي بعيدًا من البيروقراطية والتعقيدات والمعوّقات.

* وماذا عن لبنان والإستثمارات والإقتصاد في هذه الظروف؟

– من الطبيعي أن تكون تمنّياتنا بعودة الجميع إلى وطنهم وبلدهم، وأن يزداد حجم الإستثمارات في لبنان ويتعافى إقتصاده. كما من أهم أمنياتنا أن ينعمَ البلد بالأمن والإستقرار. وهذ الكلام يبقى مت باب التمنيات، ولكن نحن بحاجة إلى رؤية واضحة ومدروسة مبنيّة على الثقة والعلم والاستعانة بالقطاع الخاص من أجل النهوض بالبلد، فاللبناني ينجح في الخارج، وإذا صحّ التعبير، يفشل في بلده، لذا إن الأمر يحتاج إلى إدارة سليمة وحكم عادل ورؤية سديدة حول كل ما يحتاجه البلد وفي كل المجالات والميادين، وبالمحصلة الأهمّ يبقى الأمن والإستقرار النقطة المركزية لأنهما يعيدان الثقة إلى رجال الأعمال والمستثمرين، ويعيدان الإنتعاش والإزدهار إلى إقتصاده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى