لماذا لن تتغيّر خريطة الشرق الأوسط

سالت أقلام الخبراء والمحللين على مدى الثلاث سنوات الأخيرة محبّرة جبلاً من المقالات والتحليلات مدّعية بأن خريطة الشرق الأوسط ستتغيّر، وأعلنت على هذا الأساس وفاة إتفاقية “سايكس-بيكو” التي رسمت حدود المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى وشيعتها إلى مثواها الأخير. فإلى أي مدى يصح هذا الكلام؟

إجتماع الحلف الأطلسي في ويلز البريطانية: هل يستطيع فعل شيء؟
إجتماع الحلف الأطلسي في ويلز البريطانية: هل يستطيع فعل شيء؟

لندن – ميشال مظلوم

فيما الهستيريا حول زوال حدود إتفاقية “سايكس بيكو” بدأت تهدأ، جاء تنظيم “الدولة الإسلامية” ليعيد إنعاشها من خلال الإعلان عن نيته إحياء “الخلافة الإسلامية”، على الأقل الآن، على الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا. فقد عمّم “داعش” الخبر عبر شريطي فيديو منفصلين، واحدٌ يضم متشدّداً من الشيشان في موقع عسكري سابق لجيش النظام السوري على الحدود السورية العراقية، والآخر يعرض جهادياً من التشيلي ينطق بالإنكليزية.
في ظل القلق الكبير حول تغيّر كل شيء الذي حمله تردّي الأوضاع في الشرق الأوسط بعد إنتفاضات “الربيع العربي”، إستشرت الخشية من أن تفكّك سوريا سيؤدي إلى تفكيك كل العمل الشاق الذي قام به الديبلوماسي – العسكري البريطاني سير مارك سايكس والديبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو بمباركة روسية قيصرية في 1915- 1917. لقد بدت الحرب الأهلية في بلاد الشام بأنها تُنذر بتفكك الدولة وتهدّد بإعادة رسم حدودها لخدمة أغراض السنّة في العراق، وأهداف إسرائيلية، ولبنانية، وكردية، وتركية. فقد هدّدت أنقرة، على سبيل المثال، بالإستيلاء على مدينة إدلب السورية إذا تجاوز تدفق اللاجئين خارج البلاد عتبة منخفضة جداً والتي قد عُبِرت منذ ذلك الحين. في الوقت عينه كان من المتوقع أن يعزل الأكراد منطقتهم في سوريا عن بقية البلاد ومن ثم الإنضمام إلى كردستان العراق لإعلان الإستقلال. وعلى طول الحدود اللبنانية -السورية، كان من المتوقع أن يوسّع “حزب الله” رقعة أراضيه على حساب سوريا للحفاظ على خطوط الإتصال مع الجيب العلوي الساحلي إذا خسر الرئيس بشار الأسد السيطرة على بقية البلاد. وأفادت معلومات على أنه إذا شعرت إسرائيل بالتهديد من قبل السنّة المتطرفين في سوريا، فقد وصل التفكير في تل أبيب إلى العمل على دفع الحدود القائمة في مرتفعات الجولان شرقاً لإقامة نوع من المنطقة العازلة بين المدن الداخلية والإسرائيلية على المنحدر. قبل كل شيء، كان هناك خوف من أن الحدود العراقية السورية سوف تنهار، كما حدث في نهاية المطاف. في الواقع، يبدو أن القلق حول حدود “سايكس بيكو” قد رفع مخاطر ومحاذير الحرب الأهلية في سوريا، وكثّف الفزع والقلق حول إنهيار الشرق الأوسط الكبير.
حتى الآن، مع ذلك، إذا إستُعرِضت الأهوال المنبثقة من أحداث سوريا فإنها لا تتضمن زوال حدود “سايكس – بيكو”. لم يأخذ الأتراك شبراً من سوريا، علماً أنهم ساعدوا على تقويض إعادة تخطيط الحدود من قبل “داعش”. ولم يقترح الأكراد السوريون – أو ينفذوا – حدوداً جديدة، وإمتنع نظراؤهم العراقيون من الإنفصال أو إضفاء الطابع الرسمي على الإستقلال القائم بحكم الأمر الواقع. وبدوره لم يسيطر “حزب الله” على أي إقليم جديد، حتى فيما النظام السوري يتفكك ويهدّد بقطع شريان الحياة ل”حزب الله” من إيران. من جهتها إستغنمت إسرائيل بالتأكيد الوضع للإستفادة من الظروف الفوضوية في سوريا لضرب أهداف من الفرص، لكنها لم تتخذ أي محاولة حاسمة لإقامة حاجز وقائي. وقبل إختراقها من قبل “داعش”، كانت الحدود العراقية السورية قائمة منذ أجيال بسبب طبيعة التضاريس والإتحادات القبلية الكبيرة القائمة في كل جانب، والتي تتطلب مصالحها الإقتصادية بأن لا تعيق الحدود تحركاتها.
بإختصار، على الرغم من الهرج الإقليمي، تبدو إتفاقية “سايكس بيكو” بأنها ما زالت بخير وعلى قيد الحياة. إضافة إلى ذلك، قد تكون الحدود بين العراق وسوريا تقترب من نقطة التلاشي ولكن لن يكون ذلك نهائياً، كما أن هناك حدوداً لا تزال تعني شيئاً.
الواقع لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً. إن الحدود البرية تستقر عبر التفاوض، خصوصاً عندما تُرسم بواسطة معاهدة، وتميل عندها إلى أن تكون مستقرة ودائمة، حتى لو بقيت العلاقات بين الدول المجاورة متقلّبة أو حتى معادية. السبب؟ إن المساءلة حول حدود مستقرة وطلب تعديلها تثير حتماً دعوات مضادة مزعجة، خصوصاً في المناطق حيث تقيم جماعات عرقية أو قبلية وأقليات إنتهت خلف خطوط الحدود عندما تم الإنتهاء من وضع الخرائط.
لحسن حظ منطقة الشرق الأوسط، فإن غالبية حدود دولها وُضعت ورُسمت بموجب معاهدة. ولكن بإعتراف الجميع، هناك بعض الإستثناءات الرئيسية. لا تزال حدود إسرائيل في تغيّر مستمر. ليست هناك دولة فلسطينية بعد أو إتفاق على الوضع النهائي، لذا ليس من الممكن رسم الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، حتى لو كان بعض المراقبين واثقاً إلى حد ما من الشكل الذي سوف تأخذه الحدود في نهاية المطاف. على الجانب اللبناني، تحتل إسرائيل رقعة من جنوب لبنان منذ فترة طويلة من دون إقتراح تعديلات حدودية، حتى عندما فكّر رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون الإقدام على ذلك في العام 1950، وفقاً لوزير خارجيته موشيه شاريت. وسوريا إحتلت بالمثل أجزاء كبيرة من لبنان حتى نيسان (إبريل) 2005 من دون العبث بحدود الأمر الواقع التي حددها الإنتداب الفرنسي في 1920، علماً أن ليس هناك بعد تحديد نهائي للحدود البرية والبحرية بين لبنان وسوريا. كما لم يسفر ضمّ إسرائيل الرسمي لمرتفعات الجولان في كانون الأول (ديسمبر) 1981 عن إقامة حدود دولية جديدة، ولم يمنع من إجراء محاولات إسرائيلية مستقبلية للتفاوض على عودة الجولان إلى سوريا مقابل مجموعة متنوعة من التنازلات، بما في ذلك على ما يبدو، أخيراً، وضع حدّ لعلاقة سوريا الإستراتيجية مع إيران. على النقيض من ذلك، تمت تسوية حدود إسرائيل مع كل من مصر والأردن بمعاهدة مع كل منهما، وليس هناك ما يشير إلى أن الأطراف يعتبرونها أي شيء أكثر من أنها تؤدي إلى عدم إنتهاك حرمتها.
هناك، بالطبع، إستثناءات رئيسية أخرى التي تٌثبِّت القاعدة العامة لإستقرار وديمومة الحدود. لقد أزيلت الحدود بين الجمهورية العربية اليمنية والجمهورية الديموقراطية الشعبية اليمنية بعد توحيد البلاد في العام 1990. لكن هذا كان مجرد تصحيح الشذوذ التاريخي حيث تم منح جزء واحد من البلاد إستقلاله بعد الحرب العالمية الأولى في حين أن الآخر بقي مستعمرة بريطانية حتى 1967. والإستثناء الأكثر دراماتيكية كان في الغزو العراقي لإيران في 1980، والذي هدف إلى الإستيلاء على أراض إيرانية. ولكن حتى هذا كان تتويجاً لسلسلة من النزاعات الحدودية، وبالتالي فهو ليس مستغرباً أو مفاجئاً. وبالمثل، إستند غزو صدام حسين للكويت في العام 1990، في جزء منه، على دور معاد يزعم أن بريطانيا العظمى لعبته في تحديد الحدود بين الكويت والعراق في عشرينات القرن الفائت. الواقع أنه حتى وصول البريطانيين إلى المنطقة، كان الخط غير محدَّد وغير واضح بين الدولتين لأن الحكومة العثمانية لم تكن مهتمة بأين تنتهي حدود البصرة وأين تبدأ حدود الكويت.
من الواضح، أن الأمر يأخذ أكثر من حرب أهلية مدمّرة في سوريا – أو حتى قبل ذلك، تحرير الأكراد نتيجة الغزو الأميركي للعراق في 2003- لإعلان وفاة إتفاقية “سايكس – بيكو” ونقل رفاتها بعيداً. مع ذلك، حدّد المتشائمون الآن تهديداً جديداً لخريطة قديمة: الجهادية التي يجسدها تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “داعش”.
لا يمكن الإنكار على أن الحركات الإسلامية الجهادية العابرة للحدود تشكّل حالياً الحركة السياسية الأكثر ديناميكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي شكلٌ سياسي دائم للتعبير عن الذات الذي يمكن ان يقال أنه خرج من الإنتفاضات العربية في 2010 و2011. وهذه الحركات ليست قوة متجانسة، بالطبع، ولكن عودة “داعش” المرعبة الى العراق من ساحات القتال في سوريا يمكن أن يذكّر بالقبائل العربية المتأسلمة حديثاً من الصحراء العربية التي هاجمت بلاد الشام في منتصف القرن السابع وهزمت جيوش البيزنطيين وأعادت رسم الخريطة الإقليمية. ولكن الفكرة أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يمكنه محو وإزالة كل الحدود الإقليمية ليست معقولة أو واقعية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المجموعة حبيسة ومحجوزة في مربع بنته إتفاقية “سايكس – بيكو”.
على الرغم من أن الحدود بين العراق وسوريا قد تكون قريبة من نقطة التلاشي مؤقتاً، هناك حدود لا تزال تعني شيئاً. بعد كل شيء، إلى أين من المفترض أن يذهب تنظيم “الدولة الإسلامية” بعد ذلك؟ أنقرة، التي إزدهر “داعش” من خيراتها ولطفها حتى الآن، هي قادرة تماماً على إبعاده ومنعه من الإقتراب من الأناضول. في الواقع، يبدو أنها قد بدأت بالفعل إغلاق هذه البوابات الحدودية. وكردستان، أيضاً، هي خارج حدود “الخلافة الإسلامية” بفضل المساعدة التي وفّرتها الولايات المتحدة وفرنسا، وربما غيرها، للقوات المسلحة الكردية. والسعوديون، بمساعدة أميركا، يمكنهم بالتأكيد سحق “داعش” وعدم السماح له بدخول المملكة. الكويت، التي لا تزال قاعدة إنطلاق للجيش الأميركي، هي أيضاً هدف صعب. حتى للوصول الى أي جهة، فإن على “داعش” أن يقاتل عبر بغداد ومعقل الشيعة. وهذا أيضاً يبدو غير قابل للتصديق. قد يحاول “داعش” غزو الأردن، لكن الجيش الأردني هو أكثر قدرة من معظم الجيوش في الشرق الأوسط، ويمكن أن يعتمد على دعم الولايات المتحدة (في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، نشرت الولايات المتحدة 6،000 جندي في المملكة للإشتراك في مناورات مشتركة كبرى مع القوات الأردنية)، كما عند الضرورة القصوى تستطيع عمان طلب المساعدة العسكرية الإسرائيلية لمواجهة بربرية “داعش”. أمّا لبنان، في ضوء سياسته المتقلبة على الدوام، فهو عرضة لإحتمال الهجوم والتخريب من قبل “داعش”، لكنه بلد صغير وجهاز أمنه الداخلي والعسكري منتشر – شرطان يقيّدان المهاجمين المحتملين (ومعركة “عرسال” مثال على ذلك). والبحث شرقاً… يبدو من السذاجة الإعتقاد بأن إيران، التي تحمّلت مئات الآلاف من الضحايا في صد القوة الماحقة العراقية في ثمانينات القرن الفائت، سوف تذوب من خلال الارهاب في مواجهة آلاف عدة من متطرفي “داعش”. كواقع جيوسياسي، من الصعب التصور أن يكون تنظيم “الدولة الإسلامية” قادراً على إجتياح جميع أنحاء المنطقة على طريقة الجيوش النازية عندما إجتاحت أوروبا.
هناك أيضاً مسألة القدرات. لقد راكم “داعش” الخبرة القتالية في ساحة المعركة وهذا يظهر في عملياته. بعد إستعراض مؤهلاته وما أنجز حتى الآن، يمكن القول بأن التنظيم قادر على إدارة وتشغيل وصيانة الأسلحة الثقيلة التي إستولى عليها من المخزونات السورية، لكنه ربما لن يكون قادراً على أن يفعل الشيء عينه مع العتاد الأميركي الأكثر تعقيداً الذي تم الإستيلاء عليه من القوات العراقية. إن وحشية أفراده وأعمالهم البربرية كانت فعّالة في إرهاب المدنيين وتحطيم معنويات الجيش العراقي المنهك والعديم الخبرة. لكنهم لا يستطيعون التجمع والتكتل من دون تعريض أنفسهم لهجوم جوي، والدفاعات الجوية ل”داعش” ضئيلة. وكما يفيد ويوضّح التراجع السريع ل”داعش” من سد الموصل، فإن الطائرات الأميركية تستطيع تمزيق وسحق “داعش” عندما يخرج مقاتلوه بأعداد للهجوم أو التوقف لنصب مواقع لمدافع الهاون أو المدفعية الأخرى.
من وجهة نظر خصوم “الدولة الإسلامية”، إن القوة الجوية ليست حلاً عسكرياً مثالياً، لأنها لا تؤدّي إلى نصر واضح ما لم تؤازرها جنباً إلى جنب العمليات البرية التي إستبعدتها الولايات المتحدة في هذه المرحلة، كما أن القوات العراقية ليست مستعدة للتنفيذ والقيام بالمهمة. من الناحية العسكرية، مع ذلك، لا يزال لدى “داعش” بعض الأمكنة للمناورة ضمن الحدود الجيوسياسية الكبيرة التي تحاصره. إن تقدم المجموعة التكفيرية في الرقّة في سوريا يؤكّد كل هذا بشكل واضح جداً. ومع ذلك، فإن قدراته هي أيضاً مسألة أرقام وعدد. في سوريا، لدى “داعش” ميزة بسبب كثرة أهل السنّة في العدد الكلي للسكان، ولكن أثبت النظام نفسه في دمشق على أنه قادر على مواجهة ومكافحة التمرد. في العراق، يبدو “داعش” بأن وضعه هناك غير مؤات عرقياً، والذي على المدى الطويل سوف يعوّض أوجه القصور الحالي للجيش العراقي.
علاوة على ذلك، تتجاوز مهارة “داعش” التكتيكية دهاءه الإستراتيجي. على الرغم من ذلك فإن المكاسب التي حققها التنظيم التكفيري في أرض المعركة، إضافة إلى الثقة بالنفس، والإحساس بالمهمة والهدف، والحماس الجهادي … كلّها قد قادته إلى تجاوز الحدود. وقد رفعت نجاحاته من مستوى القلق في أنقرة وبغداد وأربيل والرياض وطهران، التي اقامت تحالفاً ضمنياً لمكافحة هذا التنظيم. إن التوافق المتزامن السعودي والإيراني على إختيار بديل من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو مثال واحد. والإنفتاح الإيراني الأخير على كردستان هو مثال آخر. وليس القصد هنا أن أياً من هذه تشير إلى أن أيام “داعش” باتت معدودة – لكن هذا يعني أن آفاقه صارت محدودة.
يتمتّع تنظيم “الدولة الإسلامية” بنداء إيديولوجي قوي وجذّاب عبر الحدود. فهو، بعد كل شيء، يقاتل نظام الأسد العلوي في سوريا، وسجّل بعض الإنتصارات اللافتة ضد الشيعة العراقيين. إن الإنتشار ا”لفيروسي” السريع لشريطي الفيديو اللذين يظهران قطع رأس الصحافي الأميركي جيمس فولي، وذبح زميله البهودي الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية ستيفن سوتلوف، لا شك أنهما سيضيفان إلى تلميع هذه السمعة. إن التطلع إلى “جيش شعبي إسلامي عربي” ناجح، وخصوصاً واحدٌ يُنظَر إليه على أنه أذلَّ الولايات المتحدة، يجب أن يكون مصدراً يثير ويشحذ همّة وعقول الشبان المسلمين السنّة في المنطقة الذين ليست لديهم الموارد ومستقبلهم يبدو قاتماً. لذا فإن الإضطرابات التي عجّلت بها “مآثر” “داعش” في المدن الإقليمية يمكن حقاً التعامل معها من طريق الحكم الرشيد الذي يولّد فرص عمل ويحسّن الظروف المعيشية في المدن المزدحمة القذرة التي يطغى عليها تدهور وتهالك البنى التحتية. إن قدرة الدولة على القيام بذلك محدودة، ولكن الحكومات الإقليمية، بعدما واجهت تحدّي تنظيم “القاعدة” لسنوات، هي على بيّنة من الديناميات السياسية والحاجة إلى الإستجابة بأكبر قدر من الفعالية. في البلدان الضعيفة، وخصوصاً في الأردن، فإن الأحزاب الدينية – بما في ذلك السلفيين و”الإخوان المسلمين” – تحاول مواجهة جاذبية أنشطة مماثلة لأنشطة “داعش” بنعت التنظيم بالهرطقة، مستدعية الوطنية، ومصوّرة “داعش” بأنه معاد للإسلام، ومدَّعية بأنه يشكل تهديداً وجودياً.
من جهة أخرى إن صعود “الدولة الإسلامية” هو أيضاً أمر مثير بوضوح لآلاف الأوروبيين والأميركيين والمقاتلين الأجانب الآخرين الذين توافدوا لينضموا إلى صفوفه. لدى عودتهم إلى بلدانهم الأصلية، قد يشنّ البعض منهم عمليات إرهابية بإسم “داعش”. ولكن في هذا السياق يشكّل “داعش” مشكلة لمكافحي الإرهاب والأمن الوطني، ولكنه لا يشكّل تهديداً كتنظيم “القاعدة” في “غزوته” الأميركية في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، والذي خلافا ل”داعش” قام بتدريب وإعداد أفراده للعمليات السرية لسنوات. في أي حال، إن تهديد “الدولة الإسلامية” خارج حدود المنطقة ليس من المرجح أن يؤثر في الحدود داخلها أكثر مما فعل تنظيم “القاعدة” على مدى السنوات العشرين الماضية.
يبقى القول بأن ظهور “داعش” كقوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط هو أمر مؤسف بشكل كبير، وهناك القليل نسبياً تستطيع الولايات المتحدة وحدها القيام به حياله. وحتى مع ذلك، فإنه من غير المحتمل أن يكون بإستطاعة هذه المجموعة المتطرفة تحديد إرث “سايكس بيكو” ناهيك عن المستقبل البعيد المدى للشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى