لبنان: الاجراءات الخليجية بين الواقع وتكهّنات المحلّلين

بقلم غسان حاصباني*

ترتفع الأصوات وتكثر التكهنات عن إجراءات ضد اللبنانيين في دول الخليج من دون النظر في التفاصيل مما قد يخلق أزمة جديدة حول موضوع ليس جديداً. فمنذ 2013، وبالتحديد حزيران (يونيو)، هناك أحاديث وأمثلة عن إجراءات إتُّخذت بحق بعض اللبنانيين في دول خليجية متعددة. وكانت هذه الإجراءات مُوجَّهة نحو مجموعات وأفراد معينين ذات علاقة مشتبهة أو مؤكدة ب”حزب الله” أو أعمال خارجة عن القانون وليست خطوات عشوائية مُعمّمة.
تتفاوت تقديرات أعداد اللبنانيين الذين يعملون في دول الخليج بين 400 و500 ألف، وتبلغ تحويلاتهم المالية السنوية – أي الأموال التي يجنونها في الخليج ويعيدون إرسالها الى لبنان- نسبة 18 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، بحسب تقدير البنك الدولي. فأية إجراءات بحقهم إذا إتخذت، ستؤثّرحتماً وبشكل سلبي في الإقتصاد والإستقرار الإجتماعي اللبناني. لكن السؤال يبقى عن نوع وحجم الإجراءات وإحتمال حصولها، لوضع الموضوع في إطاره الصحيح.
الكثير من هذه الإجراءات بحق البعض طبيعي إذا ما كانوا يقومون بأعمال لا ترضى عنها الدول التي يقيمون فيها أو المؤسسات التي يعملون لديها. أما الصرف والترحيل الجماعي فهو موضوع آخر، ويبقى تحت خانة التكهنات من قبل البعض، وليس مرتبطاً بنية مُعلَنة رسمية من قبل أية دولة خليجية حتى الآن. ويبقى من المُستبعَد أن يحصل ذلك لأسباب عدة أولها الحكمة والموضوعية اللتان يتحلّى بهما القادة والمسؤولون الخليجيون، والمودّة والأخوة اللتان يكنّونهما للشعب اللبناني، ومعرفتهم بأن الدولة اللبنانية لا تتمتع بالسيادة الكاملة على جميع قراراتها، وقدرتها لتغيير الأمر الواقع محدودة جداً. ويدين اللبنانيون بولاء كبير لأرباب عملهم وشركائهم وبإحترام القوانين وإلتزام الأعراف في بلدان الخليج. إضافة الى ذلك، إن الترحيل الجماعي، قد يؤثر سلباً على سمعة الدولة المُتّخذة للإجراء والتي لديها شركات عالمية تعمل فيها وتوظّف من الجنسيات المختلفة. كما أن عقاباً بهذا الحجم قد تصدر عنه ردة فعل أولية ضد المُسبّب، وهو في هذه الحالة “حزب الله” مباشرة وإيران بطريقة غير مباشرة، لكن في المدى البعيد، سرعان ما يتحوّل هذا الغضب والعداء الى مُنفّذ العقوبة، فتكون نتائجه عكسية، حيث ترمي عدداً كبيراً من المتضررين في أحضان الفريق الآخر. لهذه الأسباب، قد تستمر عملية الترحيل أو عدم تجديد الإقامات للبعض، لكنها ستكون محصورة بحالات مُحدَّدة وليست جماعية، وليس الهدف منها معاقبة الشعب اللبناني كما يروّج البعض، بل تحديداً عزل “حزب الله” عن مصادر دعمه. علماً أن هناك إجراءات إتخذت بحق شركات وأفراد من قبل الولايات المتحدة ودول غربية، وليس الأمر محصوراً فقط بدول الخليج.
أما العقوبات الأخرى التي يتم الحديث عنها فهي مرتبطة بالصادرات اللبنانية الى دول مجلس التعاون والتي تقدر بنحو 30% من الصادرات الإجمالية اللبنانية، وهي قد تأثرت بشكل كبير باقفال خط النقل البري عبر سوريا بسبب الأحداث. فأية إجراءات إضافية في هذا المجال قد تؤدي الى تراجع إقتصادي أكبر في لبنان، ولكن أثرها ليس مُدمّراً لأن بلد الأرز قد سبق وخسر الكثير بسبب الحرب السورية، وقد يؤدي إجراء كهذا الى ردة فعل معاكسة ايضاً في المدى البعيد، إضافة الى إحتمال فتح إيران أسواقها للبنانيين في محاولة للإستفادة من الوضع القائم. لكن دول الخليج لم تتحدث رسميا عن عقوبات كهذه، ومن المُستبعد أن تقوم بعمل يضر بالشعب اللبناني.
علاوة على ذلك، فقد تأثر القطاع السياحي بشكل كبير حيث كانت نسبة السياح الخليجيين تقارب 65% من إجمالي عدد السياح الوافدين إلى لبنان، والآن تقلصت هذه النسبة بشكل دراماتيكي، وقرارات الدول الخليجية بسحب رعاياها من لبنان ترتبط بغالبيتها بالوضع الأمني والمخاطر المتزايدة والتي تشمل اللبنانيين أيضاً، وجاء مقتل مواطنين كويتيين في لبنان أخيراً لتأكيد هذه المخاوف.
أما عن سحب الودائع الخليجية من المصارف اللبنانية فهذا أمر يعود الى المُودِعين ونظرتهم الى الوضع الإستثماري في لبنان، وإستقرار القطاع المصرفي، وأسباب تتعلق بالنية الإستثمارية في لبنان او خارجه. والخطر الأساسي على هذه الودائع هو عامل عدم الإستقرار وتقلّص جاذبية السوق اللبنانية للإستثمار، وبالتالي عدم الحاجة إلى ايداع الأموال في المصارف اللبنانية، علماً أن نسبتها تقدر بنحو 4 مليارات دولار وهي نسبة صغيرة مقارنة بحجم إجمالي الودائع. لكن، وفي حال خروج رؤوس الأموال لاي سبب كان، يبقى الوضع المالي مستقراً بسبب الإحتياط النقدي لمصرف لبنان، والذي يُقدر بأربعين مليار دولار، إضافة الى ما يوازي 12 مليار دولار من الذهب. فسحب الودائع لا يُعد وسيلة فعّالة للضغط على الحكومة اللبنانية رغم انه يُضعف الثقة بالوضع المالي للبنان. لكن من غير المُحتمل ان يحصل هذا الأمر للأسباب المذكورة أعلاه، إضافة الى عدم وجود النية الخليجية بزعزعة الإستقرار المالي اللبناني.
وتبقى هبة الجيش هي الموضوع الأكثر وضوحاً. فتعليقها من قبل المملكة العربية السعودية هو شأن إستراتيجي، ولا حيثية إقتصادية له وقد اوضحت الرياض أسبابه بشكل رسمي، والتي تعود الى مخاوف المملكة حول نسبة تأثير “حزب الله” المتواجد داخل الحكومة على الجيش اللبناني.

• خبير إقتصادي لبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى