روسيا تتوسّط في اليمن لضمان بناء قاعدة بحرية وتوسيع نفوذها في منطقة البحر الأحمر
تأمل روسيا، التي تسعى إلى توسيع نفوذها في منطقة البحر الأحمر، بأن يساهم التوسط في النزاعات الداخلية في اليمن، في جعل المنطقة أكثر أماناً ويضمن لها بناء قاعدة بحرية كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بها.
بقلم سامويل راماني*
في السابع من أيلول (سبتمبر) الفائت، قال السفير الروسي في اليمن، فلاديمير ديدوشكين، للمراسلين إن جنوب اليمن هو منطقة مهمة في البلاد ينبغي تمثيلها كما يجب في تسوية سلمية محتملة. وقد لاقت تصريحات ديدوشكين أصداء إيجابية لدى أعضاء المجلس الإنتقالي الجنوبي، وهو حركة إنفصالية إستُبعدت من المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة حول اليمن. وتعكس درجة الإهتمام الذي توليه روسيا لجنوب اليمن أهداف موسكو الجيوسياسية، واهتمامها التاريخي بالمنطقة، وتطلعاتها إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، حيث تعتبر أن بسط الإستقرار في جنوب اليمن شرطٌ مُسبَق أساسييٌّ لتحقيق هدفها المُتمثّل بالحصول على دائرة نفوذ في منطقة البحر الأحمر.
يُعبّر تركيز فلاديمير ديدوشكين في كلامه على الهواجس الفريدة في جنوب اليمن، عن نزعة أوسع نطاقاً في التعامل الروسي مع النزاع اليمني. في كانون الثاني (يناير) 2018، أبدت وزارة الخارجية الروسية رسمياً إهتمامها بالتوسّط من أجل وقف المواجهة بين الإنفصاليين في جنوب اليمن وأنصار الرئيس اليمني الموجود في المنفى، عبد ربه منصور هادي. وقد جاء عرض الوساطة الروسي بمثابة رد مباشر على الهجوم العسكري الذي شنّته القوات الموالية لهادي ضد إحتلال المجلس الإنتقالي الجنوبي لمدينة عدن، عاصمة الحكومة اليمنية المُعترَف بها دولياً.
منذ أيلول (سبتمبر) 2017، تقوم الحكومة الروسية أيضاً، بموجب عقدٍ مُبرَم مع حكومة هادي، بطبع الأوراق النقدية ونقلها بأمان من موسكو إلى عدن. لقد ساعد هذا العقد الحكومة اليمنية على تسديد رواتب موظفيها العسكريين وعناصرها الأمنيين في جنوب اليمن، ما حال دون حدوث إنشقاقات للإلتحاق بصفوف الميليشيات الإنفصالية، وساهم في التخفيف من وطأة أزمة السيولة في المنطقة التي تُمزّقها الحرب.
كانت التطلعات الروسية في البحر الأحمر موضوع نقاش علني لأول مرة في كانون الثاني (يناير) 2009، عندما أعرب مسؤول عسكري روسي عن إهتمام بلاده بإنشاء قاعدة عسكرية على مقربة من مضيق باب المندب ذي الأهمية الإستراتيجية، والذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن. ويتجدّد الحديث عن بناء هذه القاعدة بصورة دورية باعتبارها هدفاً إستراتيجياً روسياً بعيد المدى في اليمن. وقد دعا القائد السابق لسلاح البحرية الروسي فليكس غروموف إلى إنشاء قاعدة بحرية روسية على مقربة من الطرقات التجارية في خليج عدن في آب (أغسطس) 2017، ووصفَ معهد الدراسات الشرقية في موسكو جزيرة سقطرى بأنها المكان المثالي لبناء قاعدة روسية في اليمن.
على ضوء هذه التطلعات، تمكّن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح من كسب رضا واسع في موسكو بعدما تعهّد في آب (أغسطس) 2016 بالسماح لروسيا ببناء قاعدة بحرية في البحر الأحمر. وفي بادرة تقدير للعرض الذي قدّمه صالح، عمد ديبلوماسيون روس إلى تيسير الحوار بين صالح والسعودية على امتداد العام 2017، وقد أرسلت روسيا فريقاً من المُسعِفين الطبيين لمعالجة صالح خلال إصابته بوعكة صحية في تشرين الأول (أكتوبر) 2017. كما أن تعهّد صالح ببناء القاعدة هو أحد الأسباب الذي دفع بروسيا إلى الإحتفاظ بسفارة لها في العاصمة صنعاء التي يحتلها الحوثيون، إلى حين حدوث القطيعة بين صالح والحوثيين في أواخر العام 2017.
فيما تحتفظ موسكو بعلاقات إيجابية مع مجموعة واسعة من الفصائل في جنوب اليمن – مثل الحزب الإشتراكي اليمني الذي يُشكّل الجناح السياسي للمجلس الإنتقالي الجنوبي، والحراك الجنوبي – تبقى موسكو على يقين من أن أحد هذه الفصائل في جنوب اليمن سوف يُعيد إحياء إقتراح صالح عن إنشاء القاعدة. وتكتسب القاعدة المُحتملة أهمية متزايدة بالنسبة إلى المصالح الجيوسياسية الروسية، لأن موسكو تعتبر جنوب اليمن بوّابة لممارسة نفوذ واسع في القرن الأفريقي.
تقوم الخطة الروسية لتوسيع النفوذ الروسي شرق أفريقيا، على عروض لإقامة منشآت عسكرية، وزيادة روابط التجارة الثنائية مع بلدان المنطقة. وبغية تسليط الضوء على الإلتزام الروسي المُتنامي حيال القرن الأفريقي، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في الثالث من أيلول (سبتمبر) الفائت، عن نية بلاده إنشاء مركز لوجيستي على مقربة من مرفأ روسي أساسي في إريتريا. والهدف من هذا المركز هو زيادة حجم التجارة الروسية بالمنتجات الزراعية والمعادن في منطقة البحر الأحمر. كذلك تستكشف روسيا إمكانية إنشاء قاعدة بحرية في أرض الصومال، الأمر الذي من شأنه أن يعزّز وصول موسكو إلى ميناء بربرة الاستراتيجي في أثيوبيا. وعلى ضوء هذه المشاريع، تعطي روسيا قيمة كبيرة لإنشاء قاعدة عسكرية في جنوب اليمن، لأنه من شأنها أن تربط هذه المنشآت بشبه الجزيرة العربية.
المنافع الإستراتيجية التي يُحتمَل أن تُحققها روسيا من توسيع نفوذها في جنوب اليمن هي التي تدفع بها إلى ممارسة جهود ديبلوماسية تصبّ في هذا الإتجاه. وتحاول موسكو ردم الهوة بين دعم حكومة هادي لدولة وحدوية وبين رغبات حلفائه في الإئتلاف، مثل الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني عبد الرحمن السقاف ورئيس وزراء جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية سابقاً، حيدر أبو بكر العطاس، بتوسيع مشاركة جنوب اليمن في عملية تسوية النزاع.
من جهتها، تُقدّم روسيا نفسها في صورة الوسيط الذي يتمتع بالصدقية في هذا النزاع، فيما تُبقي على علاقات وثيقة مع المسؤولين في حكومة هادي، وتحتفظ بالروابط غير النظامية التي بنتها خلال الحرب الباردة مع السياسيين اليساريين في جنوب اليمن. لقد تمكّنت موسكو من نزع فتيل التشنجات بين حكومة هادي وشركائها في جنوب اليمن، وركّزت جهودها على التواصل مع المسؤولين المصطفّين إلى جانب السقاف في حضرموت، المحافظة الأكبر في اليمن. فيما يتخوّف أبناء حضرموت المُناصرون لقيام حكم ذاتي في اليمن من عداء المجلس الإنتقالي الجنوبي تجاه الحزب الاشتراكي اليمني، فقد شجّعت روسيا هؤلاء المسؤولين على العمل ضمن المؤسسات اليمنية والمتعددة الأطراف لتعزيز قدرتهم التفاوضية. وتنظر موسكو إلى القرار الذي إتخذه أخيراً القوميون اليمنيون الجنوبيون في حضرموت برفض مفهوم المجلس الإنتقالي الجنوبي عن تشكيل “العربية الجنوبية” أو “جنوب الجزيرة العربية”، بأنه نجاحٌ ملموس قادت إليه هذه المحادثات غير الرسمية.
على الرغم من أن هذه الإنتكاسة لم تدفع بالمجلس الإنتقالي الجنوبي إلى التخلّي عن سياساته العسكريتارية، إلا أن روسيا تعتقد أنه بإمكانها فصل مقاتلي المجلس الإنتقالي الجنوبي عن جناحه السياسي. وسوف يُتيح هذا التمييز لموسكو منح إندفاعة لأعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي الذين يسعون إلى تعزيز الحكم الذاتي لمنطقة جنوب اليمن ضمن حكومة هادي، وإضعاف الإنفصاليين المُتشدّدين الذين يريدون إنشاء دولة مستقلة في جنوب اليمن من شأنها أن تعزل الفصائل الموالية للروس من أروقة السلطة. ومن أجل تسهيل هذا التقسيم، تواصلت موسكو مع المسؤولين في المجلس الإنتقالي الجنوبي المُهتمين بالتوصل إلى تسوية سياسية، مثل فؤاد راشد، نائب الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحراك، والشيخ حسين بن شعيب، رئيس الهيئة الشرعية الجنوبية.
وقد فسّرت موسكو قرار المسؤولين بالقبول بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي 2216 – الذي يُكرّس مبدأ عدم تقسيم اليمن والموافقة على العمل من أجل نبذ العنف السياسي – بأنه نصرٌ كبير لاستراتيجيتها الديبلوماسية. تعتقد روسيا أن التآزر المُتنامي في وجهات النظر بين الأعضاء المُعتدلين في المجلس الإنتقالي الجنوبي وبين الحزب الاشتراكي اليمني سوف يؤدّي إلى عزل العناصر الأكثر تشدداً في المجلس الإنتقالي الجنوبي، ويُتوَّج بتسويةٍ للنزاع بعيداً من تقسيم اليمن وفق ما كان سائداً قبل العام 1990.
يُساهم تمكين روسيا للمعتدلين في المنظمات القومية في جنوب اليمن ودعمها لتوحيد الأراضي اليمنية، في تعزيز هيبتها الإقليمية، إذ يُتيح لموسكو أن تحافظ على مصالحها في جنوب اليمن، فيما تُبقي على علاقات جيدة متوازنة مع كلٍّ من السعودية وإيران. ومع تعبير السعودية ضمناً عن غضبها من الجهوزية الإماراتية لتحدّي شرعية هادي وتأليب المجلس الإنتقالي الجنوبي على مقاتلي حزب الإصلاح في جنوب اليمن، من شأن الجهود التي تبذلها موسكو لكبح الإندفاعات العسكريتارية للمجلس الإنتقالي الجنوبي أن تلقى إستحساناً في الرياض.
قد تؤدّي هذه السياسة إلى زيادة الإحتكاك مع الإمارات التي تدعم مقاتلي المجلس الإنتقالي الجنوبي، وتعتبر أنه من شأن قيام دولة مستقلة في جنوب اليمن أن يسمح لها بالحصول على قاعدة لبسط نفوذها في القرن الأفريقي. بيد أن روسيا تعتقد أن الإمارات ستعتبر أن تعزيز تمثيل اليمن الجنوبي في حكومة هادي هو تسوية مقبولة تصون المصالح الجوهرية لأبو ظبي. كذلك تُشكّل الجهود الروسية لتحويل المجلس الانتقالي الجنوبي من لاعب عسكري إلى لاعب سياسي، إقراراً بالمصالح الإيرانية، نظراً إلى أن مقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي رفعوا التحدّي في وجه الإحتلال الحوثي لمدينة الحديدة المرفئية المحورية. بما أن الحفاظ على علاقات إيجابية مع كل من الرياض وطهران سوف يساعد روسيا كي تصبح “وسيطاً نزيهاً” في نزاعات الشرق الأوسط التي تتدّخل فيها القوتان الإقليميتان “العظميان”، أي السعودية وإيران، فإن تدخل موسكو بصورة أكبر في جنوب اليمن يندرج تماماً في إطار إستراتيجيتها الإقليمية الأوسع نطاقاً.
على الرغم من أنه لا يزال على الجهود الروسية لتسهيل بسط الاستقرار في جنوب اليمن أن تتجاوز إطار التصريحات البلاغية ومبادرات التحكيم غير الرسمية، إلا أن إهتمام الكرملين المتزايد بهذه المنطقة واضح للعيان. إذا تمكّنت روسيا من تيسير الحوار في جنوب اليمن وتشجيع الأمم المتحدة على منح الجناح السياسي للمجلس الإنتقالي الجنوبي مقعداً إلى طاولة المفاوضات، فسوف تنجح في التحوّل إلى لاعب مهم في نزاع إقليمي أساسي إضافي.
• سامويل راماني طالب دكتوراه في كلية سانت أنطوني في جامعة أكسفورد البريطانية، يتخصص في العلاقات الروسية مع الشرق الأوسط. لمتابعته على تويتر: @samramani2
• عُرِّب هذا المقال من الإنكليزية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.