الطريق الكهربائي يفتح الأفق أمام عالم جديد من السيارات

المعركة محتدمة حالياً في أميركا بين شركات السيارات التي تسير على وقود الطاقة البديلة الذي يخفف من إنبعاثات الكربون وشركات السيارات التي تسير على البنزين الذي يبعث بثاني أوكسيد الكربون ويزيد تلوث البيئة. والسؤال المطروح الآن لمن ستكون الغلبة؟

"هوندا فيت إي في": واعدة
“هوندا فيت إي في”: واعدة

واشنطن – محمد زين الدين
في العام 1896، سافر مهندس أميركي يبلغ من العمر 33 عاماً، يعمل في فرع مدينة “ديترويت” ل”شركة توماس أديسون للإضاءة”، إلى نيويورك للإشتراك في إجتماع الشركة السنوي. كانت السيارة هي التكنولوجيا المعروفة والواضحة للمستقبل في ذلك الحين، ولكن لم يتّضح يومها بعد ما الذي سيدفع محرّكها: البخار أو الكهرباء أو البنزين. توماس أديسون، الذي ترأس الإجتماع يومها، كان يعبث ببطارية يمكنها تزويد السيارة بالطاقة، كما كان مهتماً بسماع ما يقوله ذلك المهندس الآتي من ديترويت، الذي إخترع سيارة تسير بالبنزين بواسطة إسطوانتين، قبل أن يعطي كلمته. بعد سماعه وصف الأخير للسيارة التي إخترعها، إعترف أديسون على الفور بتفوّقها.
“أيها الشاب، إن الإكتشاف الذي نبحث عنه موجود لديك” قال أديسون للمخترع. “حافظ عليه وإعمل على تطويره! فالسيارات الكهربائية يجب وضعها بالقرب من محطات الطاقة، ذلك أن بطارية التخزين فيها ثقيلة جداً ولا تدوم كثيراً. كما أن السيارة التي تسير على البخار ليست هي المطلوبة، لأنها يجب أن تحتوي على مرجل ونار. إن سيارتك هي متكاملة بحد ذاتها – فهي تحمل مصنع الطاقة الخاص بها – لا نار، لا مرجل، لا دخان، ولا بخار. لديك الإختراع المطلوب فحافظ عليه”.
كان إسم المهندس هنري فورد، وهو الذي حافظ على هذا الإختراع وطوّره. بحلول العام 1908، كانت سيارة شركة “فورد” من طراز “تي” (T) السيارة الأكثر مبيعاً في أميركا. ولقرن آتٍ، أبقت القيود التي تلاها أديسون، الى حد كبير، السيارة الكهربائية خارج الطرقات.
مع ذلك تتمتّع السيارة الكهربائية بميزة كبرى متأصّلة أكثر من تلك التي تعمل بالبنزين: فمحرّكها يستخدم طاقة أقلّ لدفعها إلى مسافة معيَّنة من الأميال. إن محرك الإحتراق الداخلي للسيارة الثانية يهدر نحو 70 في المئة من الوقود على توليد الحرارة بدلاً من دفعها، في حين أن المحرّك الكهربائي يمكنه هدر عشرة في المئة فقط (على الرغم من أنه يهدر أكثر من ذلك عند شمل توليد الكهرباء مرة أخرى في محطة توليد الكهرباء ونقلها). علاوة على ذلك، لأنه يمكن تعليقها على الشبكة، تستطيع السيارة الكهربائية التعبئة من مصادر متعددة للطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجدّدة. إن التحوّل من البنزين الى الكهرباء في قطاع النقل يوفّر القدرة على الحد بشكل كبير من إنبعاثات الكربون، وبخاصة إذا كان مصدر الطاقة الأصلي نظيفاً.
والآن، بعد أكثر من قرن على فوز محرّك الإحتراق الداخلي بمعركة دفع وسائل النقل، فإن الصراع عاد لينطلق من جديد بشكل جدي مرة أخرى. مع بداية العقد الفائت، وجدت السيارات الهجينة الكهربائية طريقها إلى السوق حيث فازت بعدد قليل من التابعين المخلصين. ولأنها تعتمد على محرّك إحتراق داخلي وبطارية معاً، فقد تغلّبت هذه السيارات على المشكلة الكبيرة التي واجهت السيارات المدعومة بالكهرباء فقط. هذه السيارات، مثل “هوندا إنسايت” و”تويوتا بريوس” اللتان أُطلقتا في الولايات المتحدة في العام 2000، داعبت رغبة المستهلكين بإعلانها عن إهتمامها بالبيئة أو تقدمها التكنولوجي. بعض الولايات الأميركية كافأ أصحاب السيارات الهجينة بمنحهم ممرّات خاصة على خطوط الإشغال العالية للسيارات، كما قدمت الحكومة الأميركية الإتحادية إعفاء ضريبياً يصل إلى 3400 دولار.
وسرعان ما بدأت الشركات تتسابق وتتنافس على صناعة وبيع السيارات التي تحرق كمية أقل من البنزين. في العام 2010، دخلت “جنرال موتورز” من جديد سوق السيارات الكهربائية مع سيارة هجينة كهربائية تدعى “تشيفي فولت” (الشركة كانت أوقفت محاولتها الأولى، “EV1″، في تسعينات القرن الفائت). و”فولت” هي سيارة كهربائية هجينة في مكوّناتها، وهذا يعني أنها تحصل على معظم طاقتها من الكهرباء، وليس الغاز أو البنزين. على عكس السيارات الهجينة الكهربائية البسيطة، حيث محرّك الإحتراق الداخلي يشحن البطارية، فإن مكوّنات السيارات الكهربائية تشحن بطارياتها من شبكة الكهرباء.
في الوقت عينه، وصلت “نيسان ليف” و”هوندا فيت إي في”، وكلاهما كهربائية بالكامل، إلى السوق. وتتمتع جميع السيارات الكهربائية بفاعلية وكفاءة ملحوظتين. و”هوندا فيت إي في”، على سبيل المثال، تستخدم فقط 18 كيلووات لكل 100 كيلومتر من القيادة – أي ما يعادل 118 ميلاً للغالون الواحد، وفقاً لوكالة حماية البيئة في أميركا. ويمكن السفر مسافة 82 ميلاً على شحنة واحدة من الكهرباء. من جهة أخرى تبني أحدث الشركات، في الوقت عينه، سيارات كهربائية راقية. في العام 2012، باعت شركة “تيسلا موتورز”، التي أسسها رجل الأعمال إيلون ماسك، أكثر من 2500 من سياراتها من طراز “أس” (S). وتبدأ أسعار هذه السيارات ب70 ألف دولار والمسافة التي تستطيع إجتيازها بشحنة كهربائية واحدة تصل الى 265 ميلاً.
مع ذلك، إشترى الأميركيون في العام الفائت فقط حوالي 490،000 سيارة هجينة تقليدية، و49،000 كهربائية هجينة، و48،000 سيارة تعمل بالكهرباء – وهي نسبة ضئيلة من نحو 14 مليون سيارة وشاحنة تباع في البلاد كل عام. وتشكل السيارات الكهربائية في معظمها رموزاً لحالة. من أجل وصولها إلى حجم في السوق يمكنه أن يحدث فرقاً حقيقياً وتأثيراً في مجموع إنبعاثات الكربون، ينبغي عليها أن لا تشدّ وتجذب إهتمام السائقين الذين يهتمون بالبيئة أو بالتكنولوجيا الحديثة فحسب؛ بل تحتاج إلى أن تثير إهتمام المواطن العادي من الناحية الإقتصادية أيضاً.
الخبر السار هو أن التقدم في صناعة البطاريات وخلايا الوقود والسيارات الخفيفة الوزن وشبكات الشحن بدأ يعطي السيارات الكهربائية صورة واعدة أكثر من أي وقت مضى. لتسريع وفورات الحجم اللازم لإعتماد واسع النطاق للسيارات الكهربائية، فإن الحكومة الأميركية من جهتها تدعم حالياً إنتاج وإستهلاك هذه السيارات. ولكن في غياب تحسينات تكنولوجية كبرى، فقد أثبتت هذه السياسات بانها غير كافية. إذا أقدم صناع القرار على إتخاذ الخطوة التي لا تحظى بشعبية من الناحية السياسية التي تكمن بفرض ضرائب على إنبعاث الكربون من السيارات، فإن السيارة الكهربائية سوف تستحوذ على حصة أكبر من السوق.

مسافة ومجال القيادة

التحدّي الرئيسي بالنسبة إلى السيارات الكهربائية يكمن في معرفة كيفية تخزين المزيد من الطاقة في جسم أصغر – بعبارة أخرى، زيادة ما يُعرف بإسم كثافة الطاقة – وكيفية بيع هذه البطارية بأسعار معقولة. على الرغم من أنه من الممكن أن يؤدي بعض الإختراقات والإكتشافات إلى تغيير كل شيء، فإن تحسن المعدلات الحالية في سوق البطارية يلزمه بعض الوقت. ومن المرجح أن يستغرق الأمر عقداً آخر أو إثنين قبل أن تتمكن السيارات الكهربائية من أن تتطابق كلفة إستهلاكها مع مجموعة تكلفة المسافة التي تتكبدها السيارات التي تعمل بالبنزين. علماً أن “قانون مور” (Moore’s law)، الذي يتوقّع مضاعفة القدرة الحاسوبية كل سنتين أو نحو ذلك، لا ينطبق على البطاريات.
مع ذلك، فإن كثافة الطاقة في البطاريات صارت أفضل، حيث تضاعفت كل عشر سنين أو نحو ذلك. على مدى العقود الستة الماضية، زادت كثافة الطاقة القصوى في البطاريات القابلة لإعادة الشحن من 25 واط ساعة لكل كيلوغرام إلى 210. بناء على هذا المعدّل، بحلول العام 2030، ينبغي على الرقم أن يصل إلى 500 واط ساعة لكل كيلوغرام – وهي النقطة التي تكون فيها السيارات التي تعمل بالبطارية مماثلة للسيارات التي تعمل بالبنزين.
البطاريات هي إحدى الوسائل التكنولوجية الحالية لتوفير الطاقة للسيارات الكهربائية. إن المكثّفات الفائقة، التي تخزّن الطاقة في المجالات الكهربائية، تُشحَن وتَفرَغ بسرعة، وبالتالي تمكّن السيارات من السرعة أكثر وإلتقاط وتخزين المزيد من الطاقة عند التوقف. مع ذلك، إن عمر المكثّفات الفائقة هو أقصر من البطاريات كما أنها لا تستطيع تخزين القدر عينه من الطاقة. ولكن بعض المواد الجديدة قد يستطيع التغلّب على هذه القيود. الى جانب ذلك، يمكن للسيارات إستخدام البطاريات والمكثّفات الفائقة معاً، وهو مزيج قد يثبت على أنه أفضل من إستخدام كل واحدة منهما على حدة.
إن خلايا الوقود، التي تحوّل مثل هذه المواد الكيميائية الهيدروجينية إلى كهرباء، يمكنها أيضاً دفع محرّك السيارات. في أواخر تسعينات القرن الفائت، بلغت الإثارة المحيطة بخلايا وقود الهيدروجين ذروتها. ولكن على الرغم من تراجع تكلفتها، فإنه ينبغي على خلايا الوقود أن تُثبت على أنها فعّالة من حيث التكلفة بالمقارنة مع البطاريات، ناهيك عن محركات الإحتراق الداخلي.
في كثير من الأماكن، يستخدم الوقود الحيوي (biofuels) السائل المتولّد من الكتل الحيوية –مثل الذرة وقصب السكر والطحالب والتين والخشب– فعلياً في مجال النقل. في ولاية مينيسوتا الأميركية، على سبيل المثال، يُعتبر “إي 10” (E10)، وهو الوقود الذي يتشكل من عشرة في المئة من “الإيثانول” المستخرج من الذرة و 90 في المئة من البنزين، هو المعيار، و”إي 22″ (E22)، الذي يتألّف من قصب السكر بنسبة 22 في المئة، هو وقود شائع في البرازيل. عندما تمتلئ ب100٪ من “الإيثانول”، فإن سيارات الوقود المرن، التي يمكنها إستخدام مجموعة واسعة من خلطات “الإيثانول” والبنزين، هي عادة ما تكون 20 في المئة أقل كفاءة في إستهلاك الوقود مما كانت عليه عندما كانت مملوءة بالبنزين. ولكن على المدى الطويل، فإن السيارات التي تستخدم منحى “الإيثانول” فقط قد تقترب من نقطة التحرر من الكربون، إذ أن الكربون المنبعث من حرق الوقود الحيوي يتم إستيعابه من النباتات، التي يمكنها أن تتحول مرة أخرى إلى وقود. مع ذلك، إن مثل هذا الوقود تستتبعه تكاليف لا يستهان بها من زراعة ورعاية وحصاد ونقل بحري.
فيما تأخذ طفرة الصخر الزيتي مكانتها، فإن الشاحنات تعمل بشكل متزايد على الغاز الطبيعي، الذي تنبعث منه كمية من التلوث وثاني أوكسيد الكربون أقل من البنزين التقليدي. وإستعداداً لإمكانية نقل الغاز المسال أو المضغوط، بسهولة، بدأت الشركات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بناء شبكات من محطات التزوّد بوقود الغاز الطبيعي المسال لتزويد شاحنات النقل للمسافات الطويلة. حتى الآن، نظراً إلى عدم وجود نقاط توزيع، فإن الغاز الطبيعي المسال هو أكثر منطقية لأسطول من السيارات، التي تعود الى قواعدها في كل يوم، حيث يتوفر لها مكان مريح للتعبئة. ويمكن أن يُنتَج الغاز الطبيعي أيضاً من الكتل الحيوية (biomass)، مثل مخلفات السماد والمحاصيل، التي عندما يتم تنقيتها الى غاز يسمى “غاز الميثان الحيوي”، فإن له تأثيراً أقل على إنبعاث الكربون.
في الواقع، هناك حلٌّ واحد لمشكلة السيارات الكهربائية يكمن في تخفيف وزنها. عليها أن تكون غير ثقيلة وتنقل حمولة أقل وبالتالي تستهلك طاقة أقل. فإنه لا معنى لإستهلاك طاقة أكثر لدفع طنين من المعادن والبلاستيك لنقل شخص أو شخصين فقط، لذا عمد بعض شركات صناعة السيارات إلى تصغير منتوجه. فسيارة “سمارت فورتو”، التي لا يتعدى وزنها 1600 باوند (725 كيلوغراماً) ، هي واحدة من أصغر السيارات التي تُنتج بشكل ضخم في السوق. على الرغم من أن هذه السيارة لم تعرف نجاحاً كبيراً في الولايات المتحدة، حيث بلغت مبيعاتها أقل من ألف سيارة شهرياً، فقد عرفت نجاحاً في أوروبا، حيث الفضاء يشكّل فرصة مؤاتية لها وسياسة الحكومات لا تشجّع إستخدام السيارات التي تضر بالبيئة.
من جهة أخرى، إن المركبات (الدراجات) الكهربائية التي تسير على عجلتين، وتزن أقل من ذلك، تحظى بشعبية هائلة في البلدان النامية، حيث تملأ الفجوة بين الدراجات والسيارات. لكنها لم تكتسب بعد إقبالاً كبيراً في العالم المتقدّم، حيث أن البنية التحتية عينها هناك التي تدعم الدراجات – الممرات الخاصة للدراجة، وشبكات تبادل الدراجة، وهلم جراً – يمكن تكييفها للمركبات الكهربائية. من غير المرجح للدراجات (المركبات) الكهربائية أن تعرف إقبالاً في الولايات المتحدة في أي وقت قريب. إن أنماط إستخدام الأراضي هناك لا تساعد على ركوب الدراجات، وربما يتردد السائقون ويرفضون تقليصها كثيراّ، ويرجع ذلك جزئياً إلى مخاوف بشأن السلامة. لذا، إلى أن تستطيع القيادة الذاتية للسيارات التخفيف أكثر من مخاطر السلامة، فإن السيارات الأميركية سوف تبقى كبيرة.
على الرغم من أن مشكلة النطاق أو المسافات للسيارات الكهربائية يمكن حلها من خلال بناء شبكة شاملة من محطات الشحن، فإن صناعة السيارات، مع ذلك، تحتاج إلى الإتفاق على معيار، تماماً كما فعلت بالنسبة إلى حجم فتحات مضخة الوقود. حالياً، تستخدم مكوّنات مختلفة في السيارة أجهزة شحن مختلفة، على الرغم من أن الصناعة تحقق تقدماً بالنسبة إلى التوحيد القياسي أو التقييس. إنها تعمل أيضاً على التكنولوجيا التي تشحن البطاريات بسرعة، ولكن ما يسمى محطات الشحن السريع هي سريعة فقط مقارنة مع الشحن التقليدي. إنها لا تزال تستغرق 30 دقيقة للحصول على شحن 80 في المئة، وهو وقت أطول مما يستغرقه ملء خزان وقود السيارة في محطة ضخ البنزين.
إن التصاميم التي تسمح بإستبدال البطاريات الفارغة بسرعة بتلك المشحونة منها قد يساعد أيضاً. يعود تاريخ الفكرة إلى العام 1900، وأُعيد إحياؤها في العام 2007 من قبل رجل الأعمال الإسرائيلي شاي أغاسي، الذي أملت شركته بتطوير شبكة مراكز لتبادل البطاريات قبل أن تعلن إفلاسها في العام 2013. من أجل أن تأخذ البطاريات السريعة المتبادلة مكانتها، يجب على البطاريات أن تكون موحّدة بحيث يبدأ إنتاجها بكميات ضخمة. إلى أن تتلاقى شركات صناعة السيارات على مستوى تبادل للبطاريات أو أن تصبح شركة واحدة مسيطرة على هذه الصناعة، فإن السائقين الآتين الى مراكز التبادل سيواحهون مخاطرة عدم وجود نوع بطاريتهم مخزن في المركز. على الرغم من أن ذلك يحدث بالنسبة إلى العثور على أجزاء أخرى من السيارة، مثل الإطارات، فإن الفرق هو أن المرائب لا تعد بإستبدال الإطارات في غضون دقائق.
طريقة أخرى لجعل السيارات الكهربائية عملية ومنافسة أكثر: خدمة تأجير سيارات ذاتية القيادة التي يمكن أن تُحجز على الطلب. في مثل هذا المخطط، يتلقى المسافرون سيارات كهربائية مشحونة بالكامل لرحلاتهم القصيرة، أما لرحلاتهم الطويلة فسوف تُعطى لهم سيارة بديلة على طول الطريق. فإن هذا المخطط سوف يعمل مثل “بوني إكسبرس”، وهي خدمة البريد التي كانت سائدة في منتصف القرن التاسع عشر بين ولاية ميسوري وولاية كاليفورنيا في أميركا، التي كانت تقوم على تبادل عربات الخيول في سلسلة من محطات التقوية. من المتوقع أن تدخل السيارات الذاتية القيادة بفاعلية إلى سوق السيارات حوالي العام 2020، وتصبح المعيار في جميع أنحاء العالم في العام 2030. هذه ال”روبو-سيارة” لا يلزم أن تكون كهربائية، ولكن فيما تصبح السيارات أكثر ذكاء، ينبغي أن تكون قادرة على شحن نفسها، والتخفيف من بعض المخاوف المرتبطة بالسيارات الكهربائية. وإذا استمرت مشكلة المسافات، ربما يستخدم السائقون شيئاً آخر غير السيارات، أو يبقون مع الوقود السائل للرحلات الطويلة القليلة التي يقومون بها.

ضريبة وقت

إذا إقترن التقدم التكنولوجي مع سياسة حكومية ذكية، عندها يمكن أن تصبح هذه الأحلام الفائقة تكنولوجياً واقع الحياة اليومية. وفي ما يتعلق بتمويل البحوث على سيارات الوقود البديل، فقد إنتهجت الولايات المتحدة الإستراتيجية الصحيحة. وتجنبت الإدارة الأميركية الإتحادية بحكمة وضع كل البيض في سلة واحدة، لذا فقد وسّعت دائرة المنح البحثية لتشمل مجموعة متنوعة من التقنيات، ومعظمها لا يبدو واعداً بشكل رهيب ولكن لكل منها أنصارها وداعموها. والتقنيات الصغيرة العديدة كان لها الحظ الأوفر بالفوز بمنحة أكثر من عدد قليل من الشركات الكبيرة، إذ أن الوقت ليس مناسباً لإطلاق مشروع مانهاتن جديد أو برنامج “أبولو”.
أما بالنسبة إلى الحوافز الممنوحة للمستهلكين، فإن الحكومة الأميركية توفر إعانة لهذه الصناعة الوليدة قدرها 2،500 دولار من الإعفاءات الضريبية لكل من يشتري سيارات كهربائية، وكانت في الماضي قدمت إعانات أخرى لمشتري السيارات الأكثر كفاءة في إستهلاك الوقود. كما أن هناك ولايات أميركية عدة وبعض الدول الأجنبية تقدم إعانات إضافية.
من الأفضل على المسؤولين، رغم أن الأمر أكثر صعوبة من الناحية السياسية، وضع سياسة تضع رسوماً على كل من يحرق البنزين ووقود الديزل لتغطية التكاليف الإقتصادية والإجتماعية الكاملة لقرارهم. حالياً، ليست هناك رسوم على التلوث أساساً في الولايات المتحدة؛ السائقون لا يدفعون أي ضريبة على الإنبعاثات التي تأتي من مداخن العوادم، حتى لو انهم كانوا يقودون سيارة بالية من سبعينات القرن الفائت. إذا أرادت الحكومة تدفيع الناس على الملوّثات المضرة بالصحة التي تنبعث من سياراتهم وسن ضريبة على الكربون، فإن كمية التلوّث وثاني أوكسيد الكربون المنبعث سينخفضان. وسوف يقود المستهلكون سياراتهم أقل، وتتقاعد السيارات القديمة، وسيكون المواطنون أكثر عرضة لشراء السيارات الكهربائية. (زيادة في أسعار النفط – نظراً إلى عدم وجود اكتشافات جديدة، وزيادة الطلب في العالم النامي، أو أي شيء آخر – من شأنه أن يكون له التأثير عينه).
تضع الولايات المتحدة بالفعل ضريبة متواضعة على البنزين، والتي، على الرغم من أنها لم تكن مصممة لهذا الغرض، لديها تأثير جانبي في عدم تحفيز وتخفيض إنبعاثات الكربون. ولكن يفضّل العديد من الإقتصاديين ضريبة الكربون كاملة على الوقود، حيث يمكن أن تُستخدم العائدات منها لتمويل جهود الوكالات البيئية للتخفيف من الأضرار الناجمة عن التلوث وتغيّر المناخ. ويمكن تعويض ذلك من طريق خفض الضرائب في أماكن أخرى. مع ذلك، لو كانت زيادة الضرائب سهلة سياسياً، لقام بها صناع القرار منذ فترة طويلة.
الحكومة في واشنطن لا يمكنها الإعتماد على ضريبة البنزين إلى الأبد. منذ بدايتها في العام 1919، في ولاية أوريغون، كانت الضرائب بمثابة المصدر الرئيسي لتمويل الطرق على مستوى الولايات والحكومة الفيديرالية. بالفعل، إن تمويل قطاع النقل بدأ يتقلّص نتيجة للتحسينات في إقتصاد إستهلاك الوقود، كما أن “صندوق الإئتمان للطريق السريع” يتأرجح على حافة الإفلاس. مع بروز سيارات الوقود البديل، فإن ترتيبات التمويل الحالية ستفشل.
الحل الفوري هو بأن يتخذ صناع القرار الخطوة التي لا تحظى بشعبية سياسية برفع ضريبة البنزين. في المدى الطويل، مع ذلك، سوف يحتاج الأمر إلى القيام بشيء آخر. ليس هناك سبب للإبتعاد من فرض الضريبة الآن، لكن فيما محرّكات البنزين تفقد حصتها في السوق ومحركات الطاقة البديلة توسع أسواقها، يجب على الحكومة التفكير في تنظيم الطرق والمرافق العامة، مثل الكهرباء والغاز الطبيعي إستعداداً للمستقبل. وهذا يعني جعل السائقين يدفعون رسوم الإستخدام، مثل كلفة كل ميل التي تتفاوت مع الوقت في اليوم ونوع السيارة.
على إفتراض بأن الإقتصاد سيستمر في النمو وتستمر الشركات في الإبتكار، فإن السيارات التي تعمل بالكهرباء أو غيرها من مصادر الطاقة البديلة من النفط، تصبح في نهاية المطاف دعامة أساسية للمرائب الأميركية. فيما تضبط السوق وضعها والأوائل يجربون سيارات جديدة، فإن مصدراً من مصادر الطاقة قد يهيمن مؤقتاً على السوق. ولكن في النهاية، ستشير فورات الحجم إلى أن واحدة من التكنولوجيات ستفوز بها لفترة طويلة. وبالتالي فإن المعركة على السيارات تبدو الآن شبيهة إلى حد كبير بما كانت عليه في بداية القرن العشرين. تعريف النصر – إختراع طريقة موفّرة للطاقة – غير واضح بعد. ولكن الفائز في النهاية – سواء كان ذلك الكهرباء، أو خلايا الوقود، أو الوقود الحيوي، أو الغاز الطبيعي، أو أي شيء آخر – ليس كذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى