لماذا تُعتَبَرُ أَيُّ خططٍ إسرائيلية لتطبيع العلاقات مع لبنان خطيرة؟

مايكل يونغ*

في إطارِ مُتابعةِ اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل الذي وُقِّعَ في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، اتَّفَقَ البلدان على تشكيلِ لجانٍ في وقت سابق من هذا الشهر لمُناقشةِ ثلاث قضايا: خلافاتهما الحدودية البرية العالقة؛ إنسحاب إسرائيل من خمس تلال حدودية لا تزال تحتلّها في لبنان؛ وإطلاق سراح السجناء اللبنانيين المُحتَجزين لدى إسرائيل.

منذ البداية، سعت الدولة العبرية إلى تصويرِ هذه المفاوضات على أنها الخطوة الأولى نحو إقامة علاقات ديبلوماسية. فقد صرّحَ مسؤولٌ إسرائيلي أخيرًا، نقلًا عن صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، قائلًا: “الهدفُ هو الوصولُ إلى التطبيع”. أما على الجانب اللبناني، فيتمثّلُ الموقفُ الرسمي في عدم وجودِ نيّةٍ للتطبيع، وإنّما لضمان انسحابٍ إسرائيلي من الأراضي اللبنانية، والسعي إلى إطلاق سراح المواطنين اللبنانيين، والتوصُّل إلى اتفاقٍ بشأن النقاط الحدودية المُتنازَع عليها وإغلاق هذا الملف الخلافي.

من المنظور اللبناني، تُثير مزاعمُ محاولة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دفع بيروت في الاتجاه نفسه لإسرائيل قلقًا أكبر. في 18 آذار (مارس)، نشرت صحيفة “النهار” اللبنانية خبرًا نقلًا عن “شخصيةٍ لبنانية” لم تُسمَّها التقت المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف في الدوحة أخيرًا. وأفاد الخبر أنَّ المبعوث أبلغه بأنه “سيُطلَب من لبنان الانتقال إلى مفاوضاتٍ سياسية مباشرة مع إسرائيل وتسمية مسؤولٍ مدني لهذه المهمة”. ويُعتَقَدُ أنَّ ويتكوف أضاف أنَّ وزيرَ الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، سيمثّل إسرائيل في هذه المفاوضات.

كما زُعِمَ أنَّ المبعوثَ الأميركي أخبر محاوره اللبناني أنه لن تكونَ هناك إعادةُ إعمارٍ في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت قبل بدء هذه العملية، ولن يُسمَحَ لسكان “مدن الحدود الأمامية” بالعودة إلى ديارهم. ستُواصل إسرائيل السيطرة على التلال المحتلة لمدة عام تقريبًا ولن تتفاوضَ بشأن نقاط الحدود البرية الـ13 التي لا تزال مَوضِعَ نزاع.

نفى ويتكوف علنًا خبر “النهار”، واصفًا إياه بأنه “لا أساسَ له من الصحة وكاذبٌ ومُضَلّل”. مع ذلك، لم يطمئن سوى القليل في بيروت، بالنظر إلى التصريحات الإسرائيلية حول التطبيع ومدى قرب إدارة ترامب من إسرائيل. يُمكنُ للمرء أن يتكهّن بما إذا كانت هذه التصريحات غير الرسمية تهدف إلى زيادة الضغط على لبنان، نظرًا إلى أنَّ ويتكوف أخبر محاوره أنَّ الأميركيين غير راضين عن كيفية تعامل لبنان مع “حزب الله”.

إذا كان هذا هو التفكير في واشنطن، فيجب على الأميركيين توخّي الحذر. لبنان بلدٌ مُنقَسِمٌ اليوم لدرجةٍ لا تسمحُ له بتحمّلِ نزاعٍ داخليٍّ انقساميٍّ حول العلاقات مع إسرائيل، لا سيما في ظلّ تحدّياتٍ أكثر إلحاحًا. أيُّ فكرةٍ مفادها أنّه، بسبب هشاشة لبنان وضعف “حزب الله”، يُمكن جرّ البلاد إلى عملية تطبيعٍ لا ترغب فيها، قد تُفاقم انقساماتها الخطيرة.

في الوقت نفسه، إذا كان هناك بعضُ الحقيقة في خبر “النهار”، وهو ما يعكسُ مزاجَ إدارة ترامب، فإنَّ على اللبنانيين إعداد نهجٍ استباقي لمعالجة التداعيات. إنَّ افتراضَ أنَّ مثل هذا التبادُل المُفَصَّل من نسجِ خيال شخصيةٍ لبنانية تزورُ قطر هو أمرٌ غير مُقنع. لذا، قد تكون هناك حاجة إلى بعض الخطوات اللبنانية الاستباقية. فما هي ملامح هذا النهج؟

أوّلًا، على الحكومة اللبنانية أن تُوَضِّحَ مُجدَّدًا أنَّ التطبيعَ مع إسرائيل سيكون خطوة مُبالَغًا فيها بالنسبة إلى بلدٍ يحتاجُ إلى إعادة بناء السلطة الداخلية للدولة. إنَّ دَفعَ “حزب الله” وأنصاره الطائفيين في هذا الاتجاه من شأنه أن يُثيرَ ردَّ فعلٍ عنيفًا لن يقوِّضَ مصداقية الدولة فحسب، بل سيستغلّه الحزب أيضًا لإحياء نفسه وتعبئة قاعدته والاحتفاظ بأسلحته.

ثانيًا، على اللبنانيين إعادة الحوارات طويلة الأمد مع إسرائيل إلى صيغةٍ يُمكنُ إضفاء الشرعية عليها. الشكلُ الواضحُ هو لجنة الهدنة المشتركة اللبنانية-الإسرائيلية التي تمَّ تشكيلها عندما تفاوضت الدولتان على اتفاقية الهدنة في 23 آذار (مارس) 1949. ومع ذلك، قد تكون الاتفاقية بحاجة إلى تحديث في ضوءِ الحقائق اليوم، وهو ما يمكن القيام به من خلال تعديل ملاحق الاتفاقية.

في ما يتعلق بمطلب ويتكوف المزعوم بتعيين مُمثّلٍ مدني، هناك سابقة يمكن للبنان الاستفادة منها: مفاوضات الحدود البحرية التي اختُتِمت في العام 2022. في نهاية المطاف، كان الرئيس آنذاك ميشال عون، وهو مدني، هو من نفّذها، وإن كان ذلك بشكلٍ غير مباشر من خلال آموس هوكستين، المبعوث الأميركي آنذاك.

قد تكونُ المحادثات المباشرة من خلال لجنة الهدنة المشتركة، والمحادثات غير المباشرة من خلال الرئيس جوزيف عون، بشأنِ النزاعات الحدودية البرية، وسيلةً لإجهاضِ أيِّ مطالب أميركية مُحتَمَلة من أساسها، بالاعتماد على سوابق تُحافظ على الوحدة الداخلية. لن يُفضي هذا إلى اتفاق سلام، لكنه سيُحيي اتفاقية هدنة تضمن عدم تكرار الأعمال العسكرية عبر الحدود الجنوبية.

بالتوازي مع ذلك، ينبغي على اللبنانيين بدء مفاوضات مع الحكومة الجديدة في سوريا لحلّ مسألة الحدود المُتنازَع عليها في منطقة مزارع شبعا. ستُنهي نتائج هذه المفاوضات أيَّ غموضٍ حول تبعية هذه المزارع – لسوريا أم للبنان.

أخيرًا، يجب على الحكومة اللبنانية بدء حوار مع “حزب الله” لإيجادِ حلٍّ لسلاحه وتطبيق قرارَي مجلس الأمن الدولي رقمي 1559 و1701. إنَّ العودة إلى اتفاق الهدنة، كما هو الحال مع معارضة الأغلبية اللبنانية لامتلاك الحزب للسلاح، قد تُجبرُ “حزب الله” على تقديم تنازلاتٍ في هذا الصدد.

قد لا ترقى هذه الإجراءات إلى مستوى التطبيع، إذا كان هذا ما يريده الأميركيون بالفعل، لكنها ستقعُ ضمن حدود ما يمكن للحكومة اللبنانية تسويقه محليًا. من خلال الضغط بقوة أكبر من اللازم، قد تقتل الولايات المتحدة الطفل مع ماء الاستحمام. يريد معظم اللبنانيين إنهاء الأعمال العدائية مع إسرائيل، لكنهم لا يقبلون بالضرورة التطبيع. إنَّ صيغةَ توازُنٍ بين هذه الأهداف هي ما يحتاجه لبنان اليوم.

  • مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى