فيما العراق يتفكك … هل هي بداية الإنهيار الإقليمي؟
العراق/ موضوع الغلاف
بقلم كابي طبراني
أصدر مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، بياناً يفيد بأن إستفتاء سيجري لتحديد مصير محافظة كركوك المتنازع عليها قبل ضمّها إلى إقليم كردستان. إن هذا الكلام في الواقع له تداعيات أوسع بكثير من التي أثارها على الفور.
كان وضع كركوك موضع خلاف على مدى عقود. لقد سعى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى تغيير التركيبة العرقية للمحافظة من خلال زيادة عدد السكان العرب وطرد الأكراد والآشوريين. بعد إزالة حكم حسين في العام 2003، واصل وضع كركوك في تقسيم الأكراد والحكومة المركزية في بغداد.
تم كسر الجمود في الأسابيع الأخيرة على أثر هجوم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” (داعش) –الذي تحوّل الآن إلى “الدولة الإسلامية“- وسيطرته على مدينة الموصل. لقد إنسحبت قوات الأمن العراقية من كركوك نتيجة تحرك قوات البشمركة الكردية ودخولها إلى المدينة لملء الفراغ.
مع سقوط المحافظة في أيدي الأكراد، والحكومة المركزية في حالة من الفوضى، لا أحد يعتقد أن كركوك ستعود الى السلطة في بغداد قريباً، أو في أي وقت مستقبلاً. إن وعد بارزاني بإجراء إستفتاء لم يُطمئن أولئك الذين يعرفون أن الأكراد سوف يسعون إلى الفوز في التصويت مهما كانت التكاليف.
ولكن هذه ليست سوى مرحلة أولى في عملية من المرجح أن تؤدي إلى الإستقلال الكردي. في مقابلة مع مراسل “بي بي سي” جيم موير، قال بارزاني: “فيما يتم تقسيم العراق فعلياً، فمن حق الأكراد تحقيق الإستقلال“، مضيفاً: “هل من المفترض أن نبقى في هذا الوضع المأسوي الذي تعيشه البلاد؟ لست أنا من سيقرر الإستقلال. إنه الشعب. سنقوم بإجراء إستفتاء وإنها مسألة أشهر“.
مع ذلك ينبغي على بارزاني أن يكون حذراً حول ردود الفعل الإقليمية بالنسبة إلى ولادة دولة كردية مستقلة. تقليدياً، تُعارض كل من تركيا وايران وسوريا أي نتيجة من هذا القبيل، خوفاً من أن يشجع هذا الأمر الأقليات الكردية لديها على المطالبة بمزيد من الحكم الذاتي أو الإستقلال. ولكن الوضع الإقليمي قد تغيّر كثيراً، مغيّراً معه المواقف في كل مكان.
تركيا هي المنفذ الإقتصادي والنفطي الرئيسي لكردستان العراق، وعلى مدى العقد الماضي تحسّنت العلاقات الكردية التركية بشكل كبير، ما يجعل أنقرة أكثر إستعداداً للقبول بالإستقلال الكردي. وقال حسين سيليك، المتحدث بإسم “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، لصحيفة “فايننشال تايمز“: “في الماضي كانت دولة كردية مستقلة سبباً للحرب [بالنسبة إلى تركيا] ولكن لا أحد لديه الحق في أن يقول هذا الآن“.
يستخدم سيليك منطقاً مماثلاً للبارزاني قائلاً بأن العراق يتفكك، وإذا “تقسّم العراق فأنه أمر لا مفر منه، [الأكراد] إخواننا …”. ومع ذلك، لا تزال هناك خلافات داخل تركيا بشأن السياسة تجاه الأكراد االأتراك، حتى لو كانت حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تعتقد أن التبعية الكردية العراقية وإعتمادها على أنقرة من شأنه أن يضع دولة كردية في منطقة نفوذ تركيا.
ايران، بدورها، لديها تحفظات أكثر عن فكرة الإستقلال الكردي. وكررت الجمهورية الإسلامية أنها تدعم وحدة العراق وتعارض الإنفصال والتقسيم. وفقاً لصحيفة “الحياة” السعودية الصادرة في لندن: في إجتماع عُقد أخيراً بين مسؤولين إيرانيين ورئيس وزراء إقليم كردستان، نيجرفان بارزاني، أعرب خلاله الإيرانيون عن “قلقهم” إزاء التطورات الأخيرة التي تتعلق بكردستان.
أما بالنسبة إلى سوريا، لا توجد حكومة فعّالة هناك لمعارضة الطموحات الكردية. بعض الجماعات الكردية هي أقرب إلى حزب العمال الكردستاني الذي يرأسه عبد الله أوجلان، في حين أن البعض الآخر أقرب إلى مسعود بارزاني. إن العلاقات الوثيقة بين تركيا والأكراد العراقيين، مثل إمكانية نجاح عملية السلام بين حكومة أردوغان والأكراد في تركيا، يمكن أن تقلل التوتر بين الفصائل الكردية في سوريا.
إذا كان ذلك سيحدث، يمكن أن تجد إيران نفسها في حالة لا تستطيع السيطرة عليها تماماً. الإيرانيون لا يريدون النفوذ التركي في النمو بين الأكراد، في حين أن الفصيل الكردي الذي هو الأقرب إلى طهران، الإتحاد الوطني الكردستاني الذي يرأسه جلال طالباني، تم تحييده نوعاً ما بعدما أصيب طالباني بسكتة دماغية في العام 2012 وهو يتعالج في ألمانيا منذ ذلك الوقت.
من جهته سيحاول بارزاني بلا شك السير في حذر وعناية قبل إعلان الإستقلال الكردي. ولكن إذا صار لدى الأكراد دولتهم، فهذا سيخدم ليس فقط في تعزيز الرغبات الإنفصالية لدى الأكراد في كل مكان، بل سوف يكون أقوى تأكيد على أن حدود ما بعد الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط تنهار.
هناك إدراك متزايد، وإجماع، بأن لا سوريا ولا العراق من المرجح أن يعودا موحدّين كما كانا مرة أخرى. ليس فقط لأن إنقسامات طائفية وعرقية تستفحل بشكل كبير في كلا البلدين، ولكن لأنه لا توجد قيادات كفوءة وتصالحية لجمع الشمل أيضاً. الحماقة والوحشية وعمليات الإقصاء لدى النظامين في العراق وسوريا تشكل عقبة أمام وحدة وطنية وكذلك هي الإنقسامات الإجتماعية.
لقد أدّى هذا الوضع إلى إرتفاع المخاوف من أن بلدان الشرق الأوسط، ولا سيما تلك المختلطة طائفياً أو عرقياً، تتجه نحو التجزئة والتفكك. تقريباً ليس هناك بلد لديه عقد إجتماعي لتنظيم العلاقات المجتمعية، غير لبنان ربما، لذلك فإن المنطقة ليست محضّرة أو مستعدة جيداً لمقاومة مثل هذا الزخم أو العاصفة.
شرعية الحدود في كثير من الأحيان تابعة لشرعية الدول. إن جهود “داعش” لمحو الحدود السورية العراقية قد تكون ظاهرة مؤقتة، ولكن أهل السنّة في العراق لا يريدون أن يعودوا إلى ظل حكومة يهيمن عليها الشيعة في بغداد مرة أخرى. أما بالنسبة إلى الأكراد، فمهما كانت تراجعاتهم التكتيكية لإقامة دولة، فقد إنفصلوا نفسياً عن العراق منذ فترة طويلة.
وكثيراً ما نسمع بأننا نشهد نهاية إتفاقية سايكس– بيكو. في الواقع إننا نشهد نهاية إستعداد مجتمعات كي تكون جزءاً من دول غير قادرة على الإصلاح أو تلبية تطلعات مواطنيها. في مواجهة خلافات لا يمكن حلّها، يصبح الطلاق أكثر جاذبية.