المغرب-الجزائر: وفاقٌ خلالَ 60 يومًا

محمّد قوّاص*

لم يَكُن هناكَ أيُّ مؤشّر أو سياق مباشر يُمهّدُ للمفاجأة التي أطلقها ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب. ففي التاسع عشر من الشهر الجاري، خرج ويتكوف بتصريحٍ غير مُتَوَقّع، مُعلنًا عن اتفاقٍ مُرتَقَبٍ بين المغرب والجزائر خلال ستين يومًا فقط. هذا الإعلان، الذي بدا أشبهَ بطلقةٍ في صمت، دوّى في أجواءٍ من الغموض التام، إذ لم يَصدُر عن الرباط ولا الجزائر أيُّ تعليقٍ رسمي، وكأنَّ العاصمتين اختارتا الصمت لمُراقبة ما وراء هذه المفاجأة الأميركية.

يُثيرُ هذا الإعلان تساؤلات حول نوايا واشنطن، ومدى إمكانية تحقيق وفاقٍ في ظلِّ صراعٍ تاريخي يمتدُّ لعقودٍ بين الدولتين الأساسيتين في شمال أفريقيا. قد يُمثّلُ الأمرُ “عدوى السلام” التي يتحدّث عنها ويتكوف، لكنه أيضًا قد يكونُ مجرّدَ طموحٍ أو تمنٍ مُتعجِّل؟

يعود الخلافُ بين المغرب والجزائر إلى “حرب الرمال” في العام 1963، بعد استقلال الجزائر بعام واحد. تفاقم التوتر مع اندلاع قضية الصحراء الغربية في العام 1975. يَعتبرُ المغرب المنطقة جُزءًا من أراضيه السيادية، بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو ومطالبها بالاستقلال عن المملكة.

أُغلِقَت الحدودُ البرية بين البلدين في العام 1994 بعد هجماتٍ إرهابية في مراكش. وفي العام 2021، قطعت الجزائر العلاقات الديبلوماسية، مُتَّهمةً المغرب بدعمِ حركاتٍ انفصالية جزائرية. ورُغمَ عروضِ الملك محمد السادس المُتكرّرة لـ”مد يد السلام”، إلّا أنَّ الأمرَ قوبل دائمًا بالرفض من قبل الجزائر، اتّساقًا مع سياسة قطيعة لم تتغيّر، بل تفاقمت في عهد الرئيس عبد المجيد تبون.

لم يكن إعلان ويتكوف تفصيلًا مُنعزِلًا. قبله بأيام، وصف مسعد بولس، مستشار ترامب للشؤون الأفريقية، خطاب العاهل المغربي في 9 من الشهر الجاري بأنه “تاريخي”، مُشيرًا إلى سعي الملك محمد السادس إلى حلٍّ يُرضي الجميع.

لكنَّ اللافتَ في ما كشفه بولس أنَّ الرئيس الجزائري “مُنفَتِحٌ على إعادة بناء جسور الثقة مع الشعب المغربي والملك”. تزامنت المواقف الأميركية مع اجتماع مجلس الأمن الدولي في نهاية الشهر الجاري لتجديد تفويض بعثة “مينورسو” (القوات الأممية في الصحراء الغربية)، حيث تقترح واشنطن قرارًا يحدد 31 كانون الثاني (يناير) 2026 كموعد نهائي للحل.

اشتدَّ الخلافُ بين البلدين في تناقُض موقفيهما من قضية الصحراء الغربية منذ العام 1975. وتفاقم خلال ولاية ترامب الأولى في العام 2020، عندما انضم المغرب إلى الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل، فاعتبرت الجزائر الأمر “مؤامرة” ضدها.

والأشد وقعًا على قلب الجزائر أنه، مقابل خطوة المغرب داخل تلك الاتفاقات، اعترفت الولايات المتحدة بمغربية الصحراء، ما دَفعَ الديبلوماسية المغربية لتحقيق اختراقات تمثّلت على نحوٍ لافت بتحوّلات دولية لصالح دعم خطة الحكم الذاتي، لا سيما من قبل دول أساسية مثل فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، ألمانيا، ودول أفريقية وعربية فتح بعضها قنصليات في مدينة العيون في الصحراء.

لا معلومات تُفيدُ بمؤشّرات بشأن تلك الصفقة المفاجئة التي يُبشّرُ بها ويتكوف. حتى أنَّ صمتَ الرباط والجزائر مُلتَبِس، لكن عدم النفيّ، وحديث بولس عن “انفتاح” تبون، أعراض لشيء ما يُحضّر بتأنٍ ومن دون ضجيج.

والأرجح أنَّ ويتكوف وبولس يعملان لصالح ترامب لإضافة إنجازٍ إلى سجلّه، الذي يفاخر بأنه أوقف 7 حروب ويمضي ساعيًا لإنهاء حربي غزّة وأوكرانيا.

مدخلُ الوفاق العتيد بين المغرب والجزائر، وفق تقنيات ترامب، يمرُّ عبر الاقتصاد. تقترحُ واشنطن حزمةً اقتصادية مشتركة: مشاريع بنى تحتية عابرة للحدود يُعاد فتحها تدريجًا، مقابل التزامات أمنية مُتبادَلة.

وقد لا يكون الأمرُ مُستبعَدًا، بالنظر إلى التطوّر اللافت في علاقات الجزائر مع إدارة ترامب في الأمن، الدفاع، والاقتصاد لا سيما في قطاع المعادن النادرة، رُغم اصطفافها سابقًا مع الاتحاد السوفياتي وعلاقاتها المتقدمة بروسيا.

قد يجدُ الخبراءُ عواملَ لتصديقِ وَعدِ ويتكوف، لكنهم يستبعدون مع ذلك حدوث “معجزة” التوافق خلال 60 يومًا. فلا شيءَ تسرّبَ من المزاج الإعلامي الرسمي وغير الرسمي في البلدين يوحي بإرهاصاتٍ تلتقي مع نبوءات ويتكوف وبولس.

ولئن قد يكون صمت البلدين مُربكًا، وربما داهِمًا لهما من كشفٍ غير ناضج، غير أنَّ الصمتَ أحيانًا هو من علامات الرضى.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) تَوازِيًا مع صُدورِه في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى