… وفي السادسة والستين: ستّة معارض في معرضٍ واحد
هنري زغيب*
مساءَ اليوم، الأَحد (25 أيار/مايو)، يَخرج آخرُ زائر من آخرِ جناحٍ في “معرِض الكتاب العربي” السادس والستين، ويكونُ “النادي الثقافي العربي” حقَّق لبيروت ولبنان الثقافة سطوعًا مُشَرِّفًا يَليق ببيروت ويَليق به لبنان.
هذه الدورة السادسة والستُّون، تسجِّلُ أَكثرَ من علامةٍ تضاف إِلى نجاحاته. فهو فيها يُلاقي ذكرى افتتاحه للمرة الأُولى مساءَ الاثنين 23 نيسان/أبريل 1956 في مبنى “الوسْت هول” لدى الجامعة الأَميركية في بيروت. وكان ذاكَ أَولَ معرِض للكتاب في لبنان والعالم العربي، تنظِّمُه مؤَسسة خاصة غير حكومية. ولأَهميته الرائدة لبنانيًّا وعربيًّا، بقيَت الجامعة الأَميركية في بيروت سنويًّا تحتضن المعرِض عشر سنوات حتى 1966.
الدورةُ السادسة والستون، هذا العام، تميَّزَت بكثافة الأَجنحة، وكثافة الناشرين، وكثافة الحضور الأَلفي، وكثافة التواقيع، وكثافة كتبٍ لا حصر لها على رفوف أَجنحة الناشرين.
سوى أَن هذه الدورة تميَّزت كذلك بما هو لافت: أَن يضُمَّ المعرِض ستةَ معارض موازية خلال أَيامه العشرة. فعدا المعرِض الرئيس للكتاب، شهدت صالات “واجهة بيروت البحرية” خمسةَ معارض موازية هي: معرِض الحروفيات الغرافيكية، معرِض صوَر ورسوم من طرابلس تكريمًا لطرابلس عاصمة الثقافة العربية تخلَّله الاحتفاء بصدور كتاب “روَّاد نهضويون من طرابلس”، معرِض عن غزة في رسوم كاريكاتورية مؤَثِّرة، معرِض تاريخ “معرِض الكتاب العربي” منذ تأْسيسه سنة 1956، معرِض مُلْصَقات السينما منذ 100 سنة حتى اليوم.
وإِلى كل هذا النشاط الناصع، كانت في أَيام المعرِض لقاءاتُ تواقيع الكتب، وأُمسياتٌ شعرية، وندواتٌ أَدبية، وأُمسية غنائية افتتحت بها جاهدة وهبة أَيام المعرِض، وأُمسيةٌ موسيقيةٌ في الجامعة الأَميركية، دعا إِليها “النادي الثقافي العربي”، أَحياها في صالة “الأَسمبلي” عبدالرحمن الباشا، احتفاءً بالذكرى المئَوية لولادة والده توفيق الباشا، وكتاب “توفيق الباشا-رحلتُه إِلى العالمية”، صدَر قبل أَيام للأَب بديع الحاج في منشورات جامعة الروح القدس-الكسليك.
هكذا إِذًا: في العشْرة الأَيام الماضية، كانت بيروت، بيروتُنا الغالية، عروسًا رائعةَ النبْض بالحياة والعافية، تُؤَكِّد قرار منظمة الأُونسكو سنة 2019 أَن تدخل بيروت “شبكة المدن المبدعة”، لتكون “مدينةً مبدعةً الأَدب”، اعترافًا من الأُونسكو بمكانة بيروت الثقافية المتمايزة، خصوصًا في المجال الأدبي عبْرَ عقودٍ كانت فيها بيروتُ رائدةَ الكتابةِ والنشْرِ والترجمةِ وإِقامةِ المعارض، بيروتُ ناشرةَ الأَفكار التنويرية في العالم العربي، بكونها منبرَ الحرية والحوار كينونيَّةً وجوديةً أَصيلة.
في افتتاح المعرض قالت رئيسةُ “النادي الثقافي العربي” السيِّدة سلوى السنيورة بَعاصيري: “إِن هذا المعرِض منبرٌ حيٌّ لطرح الأَفكار والتحاور بشأْنها، مدخلًا لتعزيز دورٍ تاريخيٍّ عريقٍ يتولَّاه لبنانُ الحضارة، وتحقِّقُه عاصمتُه بيروت”… وإِخالها، وهي تُقفِل مساءَ اليوم آخرَ حلْقة من المعرِض، خلُصَت ميدانيًّا إِلى كلمتِها الافتتاحية، بأَن لبنانَ الحضارة عريسُ هذا الشرق، وبيروتَه الرائعة عروسُ الإِبداع.
وهي هكذا رسالةُ لبنان في التاريخ، منذ كان تاجًا على جبين الصفحة الأُولى من كتاب التاريخ.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر منصة إكس على: @HenriZoghaib