النَظَرُ إلى كَيفيَّةِ تَكَشُّفِ ولايةِ ترامب الثانية من الشرق الأوسط

بالنسبةِ إلى جيوبِ المُدافعين عن الديموقراطية والحكم الرشيد الذين ما زالوا نشطين، وإن كانوا يكافحون، في أغلب بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنَّ انحدارَ الولايات المتحدة إلى الاستبداد المُتزايد، وعدمِ الليبرالية، وسوءِ الحُكم أمرٌ مُثيرٌ للقلق ومُحبِطٌ بشكلِ خاص.

إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش: هلّلا لاقتراح ترامب بشأن غزة لكنهما ينتظران موقفه من الضفة الغربية.

بول سالم*

إنَّ مراقبةَ تطوّرات ولاية دونالد ترامب الثانية من الشرق الأوسط أمرٌ مُربِكٌ ومُحَيِّر كما يجب أن يكون من الولايات المتحدة. في فلسطين ومصر والأردن، يتركّزُ الاهتمامُ العاجل على خطّة ترامب المفاجئة للسيطرة على قطاع غزة، وتشريد سكانه، وإعادة بنائه  ليكون “ريفييرا الشرق الأوسط”. وفي إسرائيل، يشعر أعضاء اليمين بسعادةٍ بالغة بهدية ترامب، لكنهم لا يعرفون ما يُخطّطُ له للضفة الغربية. وفي دول الخليج العربي، يشعرُ القادةُ عمومًا بالسعادة للتعامُل مع ترامب مرةً أخرى ولكنهم منزعجون من تهوُّر خطته بشأن غزة ويشعرون بالقلق إزاء التأثير المُحتَمَل لسياساته في مجال الطاقة والتعريفات الجمركية على اقتصاداتهم.

بادئ ذي بدء، لم يكن هناك ندمٌ يُذكَر في المنطقة لرؤيةِ رحيلِ فريق جو بايدن وكامالا هاريس. في أعقاب هجمات “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كره الرأي العام العربي الإدارة المُنتهية ولايتها لأنها قدّمت الدعم لحرب إسرائيل المدمِّرة في غزة. لم يتغلّب القادة الرئيسيون في الخليج أبدًا على ازدراء بايدن المُبكِر لهم، على الرُغم من أنه غَيَّرَ نهجه في منتصف فترة ولايته. في إسرائيل، رحّب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومعظم الإسرائيليين بدعم بايدن الحار، لكن الحكومة اشتبكت معه بشأن السياسة في غزة ولبنان والضفة الغربية، ولم يُقدّروا أو يستحسنوا موقف هاريس بشأن القضايا الفلسطينية.

حتى قبل تولّيه منصبه، كان ترامب يؤثّر في الأحداث في المنطقة. بدا أنَّ إصراره على إنهاء الحروب كان له تأثيرُ الضغط على نتنياهو لقبول اتفاقيات وقف إطلاق النار في كلٍّ من لبنان (في تشرين الثاني/نوفمبر) وغزة (قبل أيام من التنصيب). بالإضافة إلى إنهاء الحروب، ركّزت حملته الانتخابية على دعم إسرائيل، والسعي إلى اتفاقٍ ثلاثي تاريخي بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، واستئناف “الضغط الأقصى” على إيران. كما تعهّدت حملته بتقليل التورّط الأميركي في الشرق الأوسط.

بدا إعلانه المفاجئ بشأن غزة في 4 شباط (فبراير) أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن وكأنه خرجَ من عالمٍ مختلف عن معظم خطاب الحملة. رحّب نتنياهو واليمين الإسرائيلي بإعلانه بحماس، في حين رفضته العواصم العربية، بما فيها القاهرة وعمّان والرياض، على الفور وبشكلٍ قاطع.

إيجابيات وسلبيات الحصول على ما طلبتهُ

كان ترامب دائمًا مُفاجئًا، حيث أصدر إعلانًا تشويقيًا خلال مؤتمره الصحافي مع نتنياهو بأنه سيعلنُ موقفًا بشأن الضفة الغربية قريبًا. والآن، يترك ترامب المنطقة في حيرةٍ بشأن ما إذا كان سيدعم موقفًا متشدّدًا بالقدر نفسه بشأن الأراضي المحتلة، بما في ذلك الضمّ على نطاق واسع، أو سيستخدم مناورته بشأن غزة للذهاب في اتجاهٍ آخر، والحثَّ على التوصُّلِ إلى تسويةٍ إسرائيلية-فلسطينية من شأنها تمكين التطبيع السعودي-الإسرائيلي واتفاقية ثُلاثية بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل.

إنَّ عنصرًا آخر من عدم اليقين، والذي يُشكّلُ أيضًا مصدرَ قلقٍ كبير للمملكة العربية السعودية وعواصم الخليج الأخرى، هو سياسته تجاه إيران. ربما كان الحثُّ على توجيه ضربات إلى إيران إحدى النقاط الرئيسة التي تحدّث عنها نتنياهو خلال اجتماعه مع ترامب في الأسبوع الفائت، وفي حين كان الرئيس الأميركي مُتشدّدًا بشأن إيران ووقَّعَ على سياسة الضغط الأقصى مرة أخرى في أحد أوامره التنفيذية، قال إنه مُتردّدٌ بشأن القيام بذلك وأنه يُفضّلُ التوصُّل إلى اتفاقٍ مع إيران بشأن برنامجها النووي على الاضطرار إلى التفكير في دعم ضربةٍ إسرائيلية على البلاد. ربما لا يكون تقديم المحادثات في المقدمة خبرًا مُرَحَّبًا به في إسرائيل، لكنه يُولّد نوعًا من الراحة في عواصم الخليج العربي التي طبّعت علاقاتها مع طهران في السنوات الأخيرة.

في الواقع، قد يكون نتنياهو حذرًا للغاية بشأن علاقته المُتَكَشِّفة مع ترامب 2.0. لقد ذهب إلى واشنطن للحصول على دعم الولايات المتحدة لضربةٍ إسرائيلية على إيران؛ وبدلًا من ذلك، قال ترامب إنه يُفضّلُ المحادثات على الضربات. ربما كان مسرورًا بإعلان ترامب بشأن غزة، لكنه يُدركُ أيضًا أنه ذهب إلى واشنطن مع غزة وعاد إلى الوطن بدونها: والآن أصبحت غزة من نصيب ترامب. من خلال المطالبة بغزة للولايات المتحدة -وحتى الذهاب إلى حدِّ القول “سنأخذها” خلال اجتماعه مع عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني – فإنَّ ترامب يحمل الآن بطاقة غزة، والمفاوضات المستقبلية حول الجيب سوف تمرُّ إلى حدٍّ كبير من خلاله. بعد رفضه ضرب إيران عسكريًا وحرمانه من غزة، قد يشعر نتنياهو بالقلق من أنَّ نهجَ ترامب المُراوِغ سيأتي إلى الضفة الغربية بعد ذلك. ربما يفتقدُ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأيام التي كان بإمكانه فيها إرغام بايدن على الموافقة على أيِّ سياسة يختارها؛ ترامب الآن هو الذي يتّخذ القرارات، ويتعيّن على نتنياهو أن يقف بجانبه ويوافق.

ليس سرًّا أنَّ معظم القادة في عواصم الخليج العربي كانوا يتطلّعون إلى إعادة التواصل مع ترامب بعد أربع سنوات من حكم بايدن. ولكن بغضِّ النظر عن القضايا الإسرائيلية-الفلسطينية وإيران، هناك بعض المخاوف الحقيقية بشأن ما قد تعنيه سياساته المتعلّقة بالطاقة والتعريفات الجمركية لاقتصاداتهم وكيف سيتعامل الرئيس الأميركي معها في وقتٍ يتعرَّض أصدقاءٌ وحلفاءٌ مُقرَّبون مثل كندا والدانمارك لبعض المعاملة القاسية. ولكن في حين أن زعماء الخليج يحبون عمومًا نهجه المعاملاتي والتجاري في السياسة ــفهم أيضًا يريدون الحفاظ على علاقة معاملاتية وتجارية في حين يتطلّعون إلى أميركا في العديد من مشاريعهم الاستراتيجية والاستثمارية والتجارية، ويتطلّعون إلى الصين وروسيا وغيرهما من اللاعبين الدوليين في قطاعات أخرى ــ هناكَ بعض المخاوف من أنَّ نهجه غير المُتَوَقَّع والمُزعِج في السياسة قد ينحرفُ في كثيرٍ من الأحيان نحو أمر غير منطقي بشكلٍ خطير، واقتراحه لسيطرة الولايات المتحدة على غزة هو أفضل دليل.

إهدارُ النوايا الحسنة مع التخلّي عن القِيَم الأساسية

على الصعيد الإنساني، أرسلَ إغلاقُ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وتعليق معظم المساعدات الخارجية الأميركية موجاتٍ من الصدمة عبر مؤسّسات وشبكات المساعدات الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن خلال ملايين النازحين واللاجئين والأُسَر الضعيفة التي تدعمها هذه الوكالات. وقد يُكلّفُ هذا القرار آلاف الأرواح ويقلب حياة عدد لا يُحصى من الناس رأسًا على عقب، ويُمثّل تنازُلًا أحادي الجانب عن آبار النوايا الحسنة والقوة الناعمة التي تراكمت لدى الولايات المتحدة على مدى عقود، على الرُغم من المعارضة الواسعة لعناصر سياستها الخارجية. إنَّ إغلاقَ البرامج المؤيّدة للمجتمع المدني والمؤيّدة للديموقراطية قد يُثلِجُ صدورَ المُستبدّين، ولكنه يُحبِطُ معنويات أولئك الذين ما زالوا يُكافحون من أجل حُكمٍ أكثر تمثيلًا واستجابة.

وبالعودة إلى تأسيس الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1866، كان للوجود التعليمي والإنساني الأميركي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثقله وتقديره على الدوام.

عندما مررتُ بسيارتي أمام السفارة الأميركية في لبنان قبل بضعة أيام، إنتابني الفزع عندما شعرتُ أنه عندما نظرتُ إلى الختم الأميركي، لم يَعُد يبدو أنه “يُمثّل” أي مجموعة مُعيَّنة من القِيَم أو الطموحات العليا التي تتجاوز المكاسب التي قد تحققها الإدارة الأميركية المعاملاتية في مرمى نيرانها المباشرة.

بالنسبة إلى جيوب المدافعين عن الديموقراطية والحُكم الرشيد الذين ما زالوا نشطين، وإن كانوا يُكافحون، في أغلب بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنَّ انحدارَ الولايات المتحدة إلى الاستبداد المُتزايد، وعدم الليبرالية، وسوء الحُكم أمرٌ مُثيرٌ للقلق ومُحبِطٌ بشكلِ خاص. في حين كان كثيرون في الماضي يتطلّعون إلى دفع حكومات الشرق الأوسط نحو المثل العليا والمؤسّسات الديموقراطية الأميركية، يبدو أن الولايات المتحدة نفسها تتحرّك نحو أشكال الحكم الاستبدادي وغير الليبرالي التي تنتشر في الشرق الأوسط.

  • بول سالم هو باحثٌ ومحلل سياسي لبناني-أميركي ونائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن للمشاركة الدولية.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية على موقع معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى