صدّام وروكفلر (3 من 3)
كُنَّا في “أسواق العرب”، نشرنا فصولًا من كتاب: “العراقي الغامض – قراءةٌ مُتأخِّرة في عقل صدّام حسين”، للزميل سليمان الفرزلي. ها هنا ننشرُ الحلقة الثالثة والأخيرة من فصلٍ جديد من الكتاب الذي بات مُعَدًّا للطبع.

سليمان الفرزلي*
العلاقات الأولى لصدام حسين مع الأميركيين ما زالت مُلتبسة وغامضة. يَدّعي بعضُ قدامى البعثيين أنها تعودُ إلى أيام مشاركته في محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، في شارع الرشيد ببغداد، يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 1959، واختيرَ صدّام حسين لدورٍ في فريق تلك المحاولة، التي فشلت.
يومئذٍ نُسِبَ تخطيطُ تلك المحاولة إلى أجهزة الاستخبارات في الجمهورية العربية المتحدة، وهي دولة الوحدة بين سوريا ومصر، وتردّدَ أيضًا أنَّ ” وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية” لها يدٌ فيها، وربما اليد الطولى، أو حتى بالتعاون بين الجهازَين، لتقاطُعٍ في المصالح بينهما. لكن الأهم من ذلك، الغوامض المُتعلّقة بدور صدام حسين، حيث ألمح بعض الديبلوماسيين، وقدامى رجال “وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية”، إلى أنه كان يعمل لدى الوكالة.
في اليوم التالي لاحتلال القوات الأميركية للعاصمة العراقية، أي في العاشر من نيسان (أبريل) 2003، نشرت وكالة “يونايتد برس إنترناشونال” تحقيقًا للصحافي ريتشارد سايل، بعنوان: “صدام مفتاحٌ أساسيٌّ في مؤامرة سابقة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية”، رفضت الوكالة أن تُعلّقَ عليه.
جاء في التحقيق أنَّ الوكالة الأميركية الآن “تقلب الأرض” للقبض على صدام حسين الذي كان المسؤولون فيها، يعتبرونه في السابق خصمًا عنيدًا للشيوعيين، فاستخدموه لهذه الغاية نحو أربعين سنة.
للتدقيق في هذا السر المكتوم، كتب ريتشارد سايل أنه استجوَبَ أكثر من عشرة ديبلوماسيين أميركيين، وباحثين بريطانيين، ومسؤولين سابقين في الاستخبارات الأميركية بغية “تركيب نتف من المعلومات حول الموضوع لتظهير صورة كاملة للرجل”.
وأكّدَ سايل في تحقيقه، أنَّ غالبية الذين تحدث إليهم، تعتقد بأنَّ تعاطي صدام حسين مع الاستخبارات الأميركية بدأ مع انطلاقِ الحرب العراقية ضد إيران في العام 1980، لكن ديبلوماسيين ورجال استخبارات سابقين أكّدوا، شرط عدم ذكر أسمائهم، أنَّ تلك العلاقة بدأت منذ انسحاب عبد الكريم قاسم من “حلف بغداد”، وانحيازه إلى الشيوعيين في العام 1959. وكانت الولايات المتحدة، تعتبر العراق، قبل إطاحة النظام الملكي وإعلان الجمهورية بقيادة قاسم، حاجزًا أساسيًا، ومركزًا استراتيجيًا، في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي.
فوجئت واشنطن، ليس فقط بانسحاب بغداد من الحلف الذي حمل اسمها، بل من تسليح الجيش العراقي بأسلحةٍ سوفياتية، وبوضع الشيوعيين العراقيين في “مناصب حسَّاسة” في الدولة العراقية.
استنادًا الى إفادة من مايلز كوبلاند، وهو عامل سابق في الاستخبارات الأميركية، وله كتاب اشتهر وانتشر على نطاق واسع، بعنوان “لعبة الأمم”، كتب سايل: “كانت وكالة الاستخبارات المركزية، في الثمانينيات، تتمتّعُ بعلاقات ممتازة مع “حزب البعث” العراقي الحاكم، كما كانت تتمتع بمثل تلك العلاقات سابقًا مع أجهزة مخابرات جمال عبد الناصر”.
دعم سايل ما قاله كوبلاند، بأن نقلَ عن تصريحٍ علني لروجر موريس، المسؤول السابق في “مجلس الأمن القومي الأميركي”، “أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية، اختارت حزب البعث، وحكمه الاستبدادي المُعادي للشيوعية أداةً لها في العراق”!
وتابع سايل تقصّيه، فنقل عن مسؤولٍ سابق في وزارة الخارجية الأميركية، أنَّ صدام حسين، كان جُزءًا من الخطة الأميركية للتخلُّصِ من عبد الكريم قاسم، واستشهدَ في التحقيق بما جاء في كتاب عادل درويش :”بابل غير المُقدَّسة”، أنَّ محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، جرت بمعرفة تامة من “وكالة الاستخبارات المركزية”، وأنَّ مُشغِّلَ صدام حسين مع الوكالة في حينه، كان طبيب أسنان عراقي يعمل لحسابها، ولحساب الاستخبارات المصرية، ثمَّ أنَّ صدّام في ذلك الوقت، كان يتلقّى بعض المال من الضابط المصري عبد المجيد فريد، نائب الملحق العسكري في بغداد، الذي كان يُسدّدُ إيجار شقة صدام حسين في بغداد من حسابه الخاص، وادّعى ريتشارد سايل في تحقيقه، أنَّ مسؤولين أميركيين سابقين أكّدوا ما جاء في كتاب درويش.
يمضي ريتشارد سايل في تحقيقه، أنه عندما انتقلَ صدام حسين الى القاهرة، بعد خروجه من دمشق، أنزلته “وكالة الاستخبارات المركزية” في شقّةٍ تقع في حي “الدقّي” الراقي، وكان موضع مراقبة من قبل الأجهزة الأميركية والمصرية. وعندما أرادت الوكالة إطالة أمد، الحرب العراقية–الإيرانية، كانت تزوّد العراق وإيران معًا بالمعلومات والصور الميدانية التي كانت تلتقطها طائرات “أواكس” السعودية للتجسّس.
وقد ذكرَ سايل هذه المعلومة، نقلًا عن مسؤولٍ أميركي سابق في “وكالة استخبارات الدفاع” كان يعملُ مُنسّقًا لكافة الأجهزة الأميركية، وهو الذي كان يُوقّعُ الوثائق التي تسمحُ بتمرير المعلومات الميدانية إلى كلٍ من بغداد وطهران. وقد شكَّل صدام حسين فريقًا يضمُّ ثلاثة من كبار ضباط الاستخبارات العسكرية العراقية للتعاطي مع الأميركيين، حسب مسؤول سابق في “وكالة الاستخبارات المركزية”.
لكن “ارتباط المصلحة الطويل” بين صدام حسين والأجهزة الأميركية، انقطع حبله وتحوَّلَ إلى عداءٍ مُستَحكَم بعد احتلاله للكويت يوم الثاني من آب (أغسطس) 1990، فعزمت الولايات المتحدة على التخلّص منه، وظلّت تتحيَّن الفرصة السانحة. يُمكنُ القول تبعًا لذلك، أنَّ الأميركيين استبقوه في الحكم، بعد حرب الكويت، من أجل ضمان انحياز الدول العربية إليها، خصوصًا في الخليج، حيث اللعب على المخاوف الوجودية، أسهل وأجدى.
***
في تصريحٍ له مشهود، عن تعاطيه مع الأنظمة الديكتاتورية حول العالم، قال دايفيد روكفلر: “مع أنني لا أتعاطف مع الأنظمة الديكتاتورية، لكنني أحبّذ أن يتعاطى مصرفنا معها”.
في هذه العبارة تبريرٌ لزيارته إلى بغداد التي كانت في الأصل بقصد التعامل المصرفي مع “بنك الرافدين” العراقي.
كان روكفلر مَوضِعَ اتهامٍ بأنه يُشارك في مساعٍ لإقامة حكومة عالمية تحت الهَيمنة الأميركية، لسحق اليسار الاشتراكي في أنحاء العالم، وبأنه “قائدٌ رأسمالي في الحرب الباردة، وثيق الصلة بوكالة الاستخبارات المركزية”. واتُّهِمَ أيضًا بأنه يقودُ “مؤامرة كاثوليكية رومانية” ضد “البروتستانتية الأنكلو-سكسونية، وضد الحريات الدينية”.
ومما أعطى شيئًا من الاهتمام بهذا الموضوع، الكتاب الذي أصدره لورنس باتون مكدونالد، عضو الكونغرس عن ولاية جورجيا، في العام 1975، بعنوان “ملف روكفلر”، اتهم فيه عائلة روكفلر وحلفاءهم بأنهم عكفوا خلال خمسين عامًا على اتباعِ نهجٍ يقضي باستخدام قوتهم الاقتصادية للسيطرة على الولايات المتحدة أوّلًا، ثم بقية العالم.
وتساءل مكدونالد في كتابه: “هل أقصد بذلك وجود مؤامرة؟ نعم أقصد ذلك. إنني مقتنع بأنَّ هناك مؤامرة من هذا النوع، عالمية في نطاقها، جرى التخطيط لها ومتابعتها على مدى أجيال، ولها مقاصد شريرة”!
القائلون بنظرية المؤامرة، هم الذين وصفوا هنري كيسنجر، المُقرَّب جدًا من دايفيد روكفلر، بأنه يمثل “القوى الظلامية في السلطة الأميركية”، مما يحصر الوضع السياسي والاقتصادي في أميركا، ضمن إطار “الصراع الأبدي بين القوى الظلامية، والقوى النورانية”!
ربما كانت “نظرية المؤامرة” التي رُمِيَ بها دايفيد روكفلر، تعود الى مشاركته، مع هنري كيسنجر في تجمّعات شبه سرية، تضم بعض النخب السياسية والاقتصادية والفكرية في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، يشتبه بعض القائلين بنظرية المؤامرة، بأنها تجمعات تمهيدية لحكومة عالمية، وأبرزها “تجمُّع “ترايلاترل”، واجتماع “بيلدربيرغ” السنوي. (1)
إنَّ تلك الاتهامات لم تمنع دايفيد روكفلر في العام 1973 من توسيع نشاطه المصرفي باتجاه الاتحاد السوفياتي، لأول مرة منذ العام 1929حيث نجح في افتتاحِ فرعٍ لمصرف “تشايس مانهاتن” في موسكو. وفي سنة 1974، افتتح فرعًا في القاهرة، فكان أول بنك أميركي يعمل في العاصمة المصرية، منذ انقطاع العلاقات مع واشنطن، نتيجة امتناعها عن تمويل مشروع السد العالي قبل 17 عامًا.
علَّلَ مسؤولون في بنك روكفلر تينك الخطوتين بين موسكو والقاهرة، بأنهما “تفتحان الطريق أمام تدفّق المساعدات السوفياتية لمصر”!
لكن على الرُغمِ من ذلك، انبَرَت صحيفةٌ محلية في العاصمة السوفياتية، رافعة الصوت ضد المصرفي الأميركي، محذرة قراءها من أنَّ نشاط روكفلر له علاقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. كذلك ادعت صحيفة أخرى أنه “يدعم خطة صهيونية للاستيلاء على أراضٍ غنية بالنفط في البلاد العربية”!
إنَّ تللك الاتهامات التي ساقتها صحافة موسكو، أحدثت ارتدادات في أوروبا الشرقية، وفي جورجيا وأوكرانيا، حيث كانت هناك في السابق بؤر “معادية للسامية” كانت خلال السنوات الأخيرة تُروِّج لنظرية المؤامرة.
إنَّ قيام دايفيد روكفلر، في شهر أيار (مايو) 2012 وهو في التاسعة والتسعين من العمر، (قبل وفاته بنحو ثلاث سنوات)، بعقد صفقة “اندماج مصالح” مع اللورد روتشيلد، الذي يُعتبر من أكبر أغنياء العالم، وهو أيضًا كان موضع اتهام من بعض الجهات بأنه من رؤوس “السلطة العالمية الخفية”، حيث باع روكفلر لزميله روتشيلد 37 في المئة من شركة عائلته للخدمات المالية.
في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في جورجيا، تغريدة حملت اسم “نورا تشرابيدزي”، لكنها كُتبت وكأنها “تصريحٌ مُتخَيَّل” للورد جاكوب روتشيلد ينادي فيها: “انا، جاكوب روتشيلد، أملك 500 تريليون دولار، وأملكُ كل شيء ترونه: كل المصارف في العالم، تعود إليَّ. منذ حقبة حروب نابليون بونابرت، ونحن نموِّل جميع الحروب في كل مكان، الأفرقاء المتقاتلون جميعًا مُدينون لنا، ولن يكون في مقدورهم سداد تلك الديون. كلُّ النفط المستخرج حول العالم يعود لنا. التلفزيونات، الصحافة، وسائل الإعلام الشعبية كلها، السياسيون في بلدانكم، كلهم في أيدينا”.
***
ليس من المعلوم، على وجه الدقة، ما كان يعرفه صدام حسين عن دايفيد روكفلر عندما سمح بمقابلته.
لا نظن أنه كان يعرف ما خفي واستتر حول الرجل، إنما الظاهر فقط: أنه مصرفي عالمي كبير، وله نفوذ واسع في السياسة الأميركية. لقد امتنع صدام حسين من قبل عن مقابلة السياسيين الأميركيين، لأنه كان يعتقد بأنهم أدوات، أو، دمى تُحرّكها أيدي القوى المالية، والاقتصادية، الحاكمة من وراء الستار، وعلى رأسها “القوى الصهيونية”.
من الممكن فهم تصرّفات صدام حسين، من خارج نظرته إلى العالم، ونظرة العالم إليه. يكفي أنه وضع نفسه ندًّا للولايات المتحدة، فعاركها طويلًا، وهي القطب الوحيد في العالم بعد تفكُّك الاتحاد السوفياتي، واختلال الموازين الدولية. وحتى عندما كان مُحاصَرًا ومُعاقَبًا، من قبل الدول الغربية وحلفائها، والعراق في وضعٍ يُشبه قطاع غزة الفلسطيني، المًحاصَر بين مصر وإسرائيل، اعتمد بوصلته التي تدل على اتجاهين فقط: غريزة البقاء بشروطه، أو الفناء في الصراع مع الآخرين.
تعامل صدام حسين مع الأميركيين صغيرًا، وتعاطى معهم كبيرًا، وخلص إلى نتيجة: عداوة الولايات المتحدة مُميتة، وصداقتها مُكلِفة ومستحيلة، فاختار الصراع معها حتى الموت، لأنه أهون من التحالف معها.
كان قراره من هذه الناحية نهائيًا. لذلك، اضطرت واشنطن مرتين أن تأتي بجيوشها، وجيوش حلفائها لإسقاطه، و… إعدامه، ومع ذلك فشلت في تخريج سلوكها على أنه “معاقبة لعميلٍ متمرّد”!
وصل صدام حسين الى قناعة بأنه من المستحيل على أحد أن يُصادق واشنطن ويُعادي تل أبيب، خصوصًا في العالمَين العربي والإسلامي. وعندما خطبت واشنطن ودّه، ودعمته بالغالي والنفيس، في حربه مع إيران، رفعت عنه “صفة العمالة”، إذا كانت تلك التهمة صحيحة، لأنَّ الدول، في العادة، لا تتخذ من العملاء أصدقاء، بل أدوات للاستخدام، محدودة الصلاحية، بينما كادت تُتوِّجُ صدام حسين ملكًا على العراق (كما اشتهى خاله وحميه خير الله طلفاح، كما مرَّ).
جمال عبد الناصر واجه المعضلة ذاتها، لكن في زمنٍ مختلف، كان المصريون على قناعة بأنَّ الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور هو الذي أنقذهم من العدوان الثلاثي (فرنسا، بريطانيا، إسرائيل). ولم يكن يشفع لعبد الناصر في واشنطن انتماؤه إلى “مجموعة دول عدم الانحياز”، لأن جون فوستر دالس، وزير خارجية أيزنهاور، لم يكن يقبل أصلًا بمبدَإِ “الحياد الإيجابي”، ويعتبر منتهجيه أعداء للولايات المتحدة. وعندما قابله أحمد حسين، السفير المصري في واشنطن آنذاك، ليبلغه رغبة الرئيس عبد الناصر في صداقة الولايات المتحدة، من دون المُجاهرة بذلك، كما تطلب واشنطن، لأنه يخسر شعبيًا في بلاده، كان دالس شديد القسوة في جوابه، قائلًا للسفير المصري: “إذا كان عبد الناصر يُعلّقُ أهمّية على صداقة الولايات المتحدة، فإنه يجب أن يكون مُستعدًّا ليدفع ثمنًا محلّيًا لقاء هذه الصداقة”. وما عناه دالس هو أنَّ صداقة الولايات المتحدة، بحدِّ ذاتها، وسام شرف لمن يسعى إليها، بصرف النطر عن أيِّ اعتبار آخر، (راجع كتاب “حروب الناصرية والبعث”، الصادر في بيروت عام 2016 عن “هاشيت أنطوان” (نوفل)، الصفحة 83)!
***
بعد “اتفاق الجزائر”، وجد الشاه نفسه في الوضعية ذاتها، عندما شعر بأنَّ قوةً خفية في الولايات المتحدة والغرب، عمومًا، تعمل على” تقويض” نظامه، فقرّرَ أن يكشف المستور، ويُسمّي الأشياء بأسمائها. فعل، فجلب نهايته بلسانه.
على أنَّ “طاووسية” الشاه، بكل ما كان فيها من غرور وثقة بالنفس، لم تبدأ بالاتفاق الذي عقده في الجزائر مع نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، مما أعطاه دورًا مركزيًا في شؤون الشرق الأوسط، بل هي بدأت باستعراضٍ أسطوري استمرَّ أربعة أيام (12–16 تشرين الأول/ أكتوبر1971)، حين دعا جميع رؤساء العالم، للاحتفال معه، بين أنقاض مدينة “بيرسيبوليس” التاريخية، عاصمة الملك الفارسي قورش، مؤسّس الإمبراطورية الإخمينية في سنة 550 قبل الميلاد، على أنقاض الدولة البابلية، وكأنه يُعلن للعالم انبعاث تلك الإمبراطورية من جديد، بعد سقوطها على يد الفاتح المقدوني، “الإسكندر ذو القرنين”، بعد مئتي سنة.
أمام تلك المشاهد المُستَحضَرة من أعماق التاريخ، حتى في أبسط مظاهرها، فتح العالم فاهَه مشدوهًا. وبعد سنتين من ذلك المشهد، عبَّر شاه إيران عن تلك الفوقية الإمبراطورية، في لقائه مع هنري كيسنجر، في واشنطن، عندما أعلن أنَّ إيران ليست مجرد دولة من دول الشرق الأوسط، (كما مرّ)، بل هي الدولة الأولى والأعظم، القائدة في تلك المنطقة.
لَمَسَ هنري كيسنجر ذلك الغرور المتغطرس حدّ الانتفاخ، وحاول تنفيسه بكلامٍ ديبلوماسي، لكن يبدو أنَّ الشاه كان مأخوذًا بنفسه، فلم يستوعب ما قاله محدّثه. لا ريب في أنَّ “اتفاق الجزائر” مع صدام حسين، فعل فعله في تثبيت صورة إيران في ذهنه، كما تخيّلها في “احتفالات بيرسيبوليس”، ولذلك انتابه الغضب، واستبدَّت به الدّهشةُ، عندما بدأ يشعر بأنَّ الأرضَ أخذت تميد من تحته.
لذلك، بعد نحو سنة ونصف السنة من “اتفاقية الجزائر”، ظهر على برنامج تلفزيوني أميركي واسع الانتشار عنوانه “60 دقيقة”، يديره الصحافي المعروف مايك والاس على شبكة تلفزيون “سي. بي.أس”، وشنَّ فيه هجومًا ملفتًا على قوة الضغط اليهودية المُهيمنة على السياسة الأميركية. سأل والاس الشاه ماذا يقصد بأن لديهم نفوذًا كبيرًا، فقال: “إنهم يضغطون على أناس كثيرين، لديهم وسائل وموارد كثيرة بتصرفهم، هم يسيطرون على أشياء عديدة”.
سأله والاس: “وما هي تلك الأشياء؟”
قال الشاه: “الصحف، وسائل الإعلام، المال، المصارف… أود أن أتوقّف هنا”.
وسمّى الشاه الأشياء بمسمّياتها: “جريدتا نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، تُظهران قوة اللوبي اليهودي من خلال ما ينشر فيهما عن الصراع العربي–الإسرائيلي، وعن المسائل الصهيونية والعربية”.
في تلك الحالات الثلاث: جمال عبد الناصر، والشاه محمد رضا بهلوي، وصدام حسين، كانت إسرائيل هي المعضلة.
إنها الرسالة التي ما فتئت ترسلها واشنطن إلى كلِّ دول العالم العربي والإسلامي، بأنَّ الدولة الوحيدة المُفوَّضة منها بقيادة الشرق الأوسط، هي الدولة اليهودية في فلسطين المحتلة، ليس غيرها!
فعندما طلب صدام حسين من روكفلر خلال مقابلته، أن تُخفّفَ واشنطن من دعم إسرائيل، ومن تزويدها بالسلاح، أجابه روكفلر بكلام قاطع، جازم، بأن طلبه هذا “غير منطقي” في نظر واشنطن، وأنه لا يستطيع أن يؤثر في هذه المسألة. وقال له أيضًا إنَّ ذلك لن يحدث، حتى لو أراد.
***
في العام 1984، عيَّنت الحكومة الأميركية الديبلوماسي وليام إيغلتون، الذي سبق له أن خدم في عدد من البلدان العربية، قائمًا بأعمال سفارتها في بغداد، حيث بقي فيها أربع سنوات، رُفِّع بعدها ونُقل الى دمشق سفيرًا لبلاده في سوريا. وكان من الطبيعي أن يبدأ عمله في بغداد بلقاء وزير الخارجية طارق عزيز. وفي معرض الحديث، تطرّق الوزير، إلى اللقاء بين صدام حسين ودايفيد روكفلر.
لمَّح طارق عزيز فضولًا لدى إيغلتون ليعرف طبيعة ذلك اللقاء الذي جرى قبل تسع سنوات، فروى جانبًا من الحديث، يتعلق بطبيعة العلاقات بين واشنطن وبغداد، فقال له: “أبلغ نائب الرئيس صدام حسين، في ذلك الوقت، السيد روكفلر، أنَّ العلاقات العراقية مع الولايات المتحدة هي مثل باب له مفتاحان: المفتاح الأول هو العلاقات الثنائية بين بغداد وواشنطن، والمفتاح الثاني، هو العلاقات الأميركية–العربية عمومًا” (بما فيها العقدة الإسرائيلية).
وقالَ له أيضًا، إنَّ المفتاحَ الأوّل بدأ يتحرك (بعد زيارة روكفلر). وربما كان يُلمِّح بذلك الى التفاهم مع شاه إيران في الجزائر، وانهيار التمرُّد الكردي في شمال العراق. لكن كلامه هذا حمَّال أوجه أيضًا، بمعنى أنَّ بداية تحرُّك المفتاح لا تعني أن الباب قد انفتح، وهذا المعنى مبطنٌ ضمنيًا، أما عدم تحرُّك المفتاح الثاني، فيُفيدُ بصريح العبارة أنَّ الباب لن ينفتح قبل أن يتحرّك ذلك المفتاح المتعلّق بمجمل العلاقات العربية، ومنها الصراع العربي-الإسرائيلي.
سنة 1981، التقيتُ في بغداد مسؤولًا عراقيًا، فجلسنا إلى الحديث، فنزلت على الكلام بيننا مسائل مختلفة سياسية وغير سياسية. وفي السياق أتينا على ذكر لقاء صدام–روكفلر، ففاجأني بقوله إنَّ روكفلر طلب موعدًا ثانيًا مع نائب الرئيس صدام حسين في شهر شباط (فبراير) 1976، لكن صدام حسين اعتذر عن عدم إمكانية استقباله.
لم أسأله عن السبب، لكنه قال مُمازحًا: “يريدُ أن يقطفَ ثمرة جهوده في السنة الماضية”.
سألته: كيف انتهى الموضوع؟
أجاب: قالوا له إنَّ بإمكانه، إذا شاء المجيء الى بغداد، أن يلتقي وزير المالية في حينه، الدكتور فوزي عبد الله القيسي (2).
وردًّا على سؤالي ما إذا كان روكفلر قد عاد الى بغداد، فقال إنه لا يعرف.
***
زاد روكفلر من غوامض لقائه صدام حسين، ما أربك مؤرخي تلك الحقبة، بسبب التفاوت بين الانطباعات التي أشاعها بعد ذلك اللقاء، والتي دوَّنها بعد نحو ثلاثة عقود في كتاب مذكراته، (صدر عام 2002، أي قبل سنة فقط من سقوط النظام العراقي)، وفي كتاب، لم يكتمل، عن انطباعاته التي كوَّنها عن لقائه أهم 150 شخصية عالمية، من بينهم صدام حسين، كان فيه أقسى على نائب الرئيس العراقي، بعد عشرات السنين، من تصريحاته الفورية، التي أعطى فيها انطباعًا حسنًا عنه.
على سبيل المثال، تُنبئ برقية القائم بالأعمال الأميركي في بغداد الى رؤسائه في واشنطن، بما قاله له روكفلر، بأنَّ اللقاء كان ودّيًا وإيجابيًا. بينما يقول روكفلر، في مقابلة له بعد ربع قرن من ذلك اللقاء، مع تيرانس سميث، المساعد البرلماني البريطاني، الذي سأله عن لقائه مع صدام حسين، وما إذا كان قد توقع أن يأخذ التوجه الذي انتهجه في ما بعد، فأجابه روكفلر: “كان كيسنجر يشعر بأنه من المهم للولايات المتحدة أن تتواصل مع العراق بصورةٍ فعَّالة، فقابلتُ صدام حسين لهذه الغاية، وكان باردًا. فقد قال لي إن السبيل الوحيد لإقامة علاقات وثيقة معنا، هو أن نتوقف عن دعم إسرائيل، وهذا من المستبعد أن يحدث فلذلك لم يكن لقاءً مُنتِجًا”.
يصحُّ هذا الجواب فقط، إذا كان روكفلر قصد بعبارة “لم يكن مُنتِجًا”، موقف صدام حسين من إسرائيل، ومطالبته واشنطن بالتوقف عن تسليحها. لكن في واقع الأمر كان اللقاء مُنتِجًا جدًا سياسيًا واقتصاديًا، فقد بيّنت الوقائع، في الأشهر الثلاثة بعد اللقاء، توقيع الحكومة العراقية في 28 كانون الثاني (يناير) 1975، عقدًا مع شركة الفنادق الأميركية “شيراتون” يقضي بتجهيز وإدارة فندقين كبيرين في بغداد. وبعد ثلاثة أيام (في 31 كانون الثاني/يناير) تعاقدت الخطوط الجوية العراقية مع شركة “بوينغ” الأميركية لصنع الطائرات التجارية على شراء مجموعة من الطائرات التي تصنعها تلك الشركة، في صفقة اعتُبِرَت الأكبر حجمًا في حينه من مثيلاتها في البلدان العربية (كما مرَّ). ثم جاء “اتفاق الجزائر” ليخلق حالة جيوسياسية جديدة في منطقة الخليج، لم تأخذ فرصتها بسبب الثورة الخمينية الإسلامية في إيران، التي أدّت الى إسقاط نظام الشاه.
فالمشكلة، إذن عضوية ومُستعصية على الحل. فالحُكم البعثي في العراق، قبل رئاسة صدام حسين وبعدها، وحتى طوال فترة انقطاع العلاقات الديبلوماسية الرسمية بين بغداد وواشنطن، كان يسعى دائمًا إلى عقد صفقات تجارية مع الولايات المتحدة، ويُحاول توسعتها. لكن العقدة أنَّ واشنطن لم تكن تنظر إلى الأمر من زاوية التبادل التجاري، لكن من الزاوية الإقليمية المتعلّقة بموضوع إسرائيل في الدرجة الأولى، وبموضوع علاقات بغداد مع جوارها الإقليمي: إيران، وسوريا، والمملكة العربية السعودية.
الدليلُ القاطع على أنَّ روكفلر ازداد قسوةً على صدام حسين، مع مرور السنين، واصفًا إياه بأنه “فاقد الظُرف، شديد القسوة”. ثم وضعه في خانة القلّة الشريرة من أولئك الزعماء الذين قابلهم في حياته، بقوله: “قليلون هم الأشخاص الذين قابلتهم، كانوا، في تكوينهم، أشرارًا وخدَّاعين. هذا هو انطباعي عن صدام حسين”!
في الحقيقة، إنَّ دايفيد روكفلر في كتاباته المتأخّرة كان “يدافع عن نفسه”، في مواجهة الاتهامات له ولعائلته، فكتب في مذكراته يقول: “منذ أكثر من قرن، والمتطرفون، يمينًا ويسارًا، يقتنصون حوادث مشهودة، مثل لقائي مع فيدل كاسترو، لمهاجمة عائلة روكفلر، لنفوذنا الجامح، الذي يدَّعون أننا نملكه للتأثير في المؤسّسات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة. وبعضهم يعتقد بأننا جُزءٌ من “جماعة سرية” تعمل ضد مصالح البلاد، ووصفوا عائلتي بأنها “عالمية التطلع”، وتتآمر مع آخرين حول العالم، لإقامة كيان سياسي واقتصادي عالمي موحَّد، أو “عالم واحد”. فإذا كانت تلك هي التهمة، فإنني أعترف بأنني مذنب، وأنا فخور بذلك”!
طوال مسيرته ومساره، اعتبر دايفيد روكفلر، أنَّ هناك خيطًا رفيعًا بين السياسة والمال والأعمال.
لذلك، انغمس في السياسة، وطوَّعها لخدمة ماله وأعماله. قَبِلَ أن يكون مبعوثًا خاصًا للرئيس دوايت أيزنهاور، وسنة 1949 وصل الى رئاسة “مجلس العلاقات الخارجية “المؤثر في السياسة الدولية للإدارات الأميركية المتعاقبة، وكان بدءًا من سنة 1954 بين المئة والخمسين عضوًا في مجموعة “بيلدربيرغ” لسنوات طويلة، قبل أن يخرج منها ليؤسس منظمة “تريلاترال” التي فتحت له أبواب طوكيو على مصراعيها.
في أخريات أيامه، أخذ دايفيد روكفلر، يدافع في كتاباته، عن نفسه في مواجهة اتهامات لاحقت مسيرته، ويتنصَّل من السياسة، ينكرها ويتنكّر لها.
***
لا نظنّ أنَّ روكفلر كان يجهل مَن هو صدام حسين عندما قابله بتكليفٍ من كيسنجر، فجاءَ إلى بغداد حاملًا إغراءات تُسهِّلُ له، كما اعتقد، على الأرجح، دفع صدام حسين للانحياز إلى الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. الأمر الذي كان من الصعوبة بمكان أن يتقبّله السيد النائب، وهذا الموقف أحدث شيئًا من الخيبة عند روكفلر، ما جعل كل الإغراءات التي عرضها عليه، أو الأخرى التي كانت تحققت في حينه، غير ذات موضوع.
الاغلب على الظن، أنَّ رفضَ صدام حسين لقاء روكفلر، ثانية، بعد سنة من لقائهما الأول، هو الذي جعله يحشر نائب الرئيس العراقي بين القلّة من الأشرار في كتاب انطباعاته (غير المُكتمل).
ربما كان أنَّ “صدمة صدام” هي التي جعلت اسم الرئيس العراقي يأتي في مقدمة الذين كتب عنهم روكفلر في كتاب انطباعاته، لا بين الذين ظلوا منسيين لأنَّ الوقت لم يُمهل المصرفي الأميركي لكي يكتب عنهم.
إنَّ علاقة الزعماء الوطنيين، أو القوميين، الذين سعوا إلى نهضة بلدانهم وتحررها مع الولايات المتحدة، مُحَيِّرة لهم ولشعوبهم. ولا أجد لوصف هذه الحالة، أفضل من العبارة التي قالها لي في بيروت الشيوعي العراقي الراحل، عامر عبد الله، عندما كان وزيرًا في حكومة الوحدة الوطنية، في مطلع سبعينات القرن الماضي، ومؤدّاها أنَّ الزعماء الوطنيين في العالم العربي “ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها أحب الأعداء، وإلى الاتحاد السوفياتي على أنه أبغض الأصدقاء”. بمعنى أنهم يصادقون الاتحاد السوفياتي على مضض ونفوسهم تشتهي الصداقة المستحيلة مع الولايات المتحدة!
مشكلة هؤلاء الزعماء الوطنيين، أمثال صدام حسين، وجمال عبد الناصر، مع الولايات المتحدة ومع شعوبهم، أنهم يصبحون مع الوقت أُسارى شعاراتهم التي هي المرآة التي من خلالها تنعكسُ صورتهم أمام الناس، بما هم أبلغوهم على مرِّ السنين والمناسبات، حتى إذا اضطرّتهم الظروف إلى التراجع عن المواقف المُعلَنة، يبدو ذلك التراجع، مُخزيًا في نظر شعوبهم، فيفضّلُ هؤلاء الموت على المهانة.
أما في نظر واشنطن، خصوصًا في مرحلة زعامتها المنفردة على العالم، خلال نصف القرن الأخير، فإنَّ الشعارات والدعاوى الوطنية والتحررية التي يُطلقها أولئك الزعماء، تُعتبر في القاموس الأميركي من “عدّة الشغل”، أي مجرّد أداةٍ للتمويه والتضليل، تظن أن هؤلاء يستخدمونها للبقاء في السلطة فقط، ويتخلون عنها ببساطة لقاء شرف الصداقة معها!
كان هناك دائمًا مَن يقول للأميركيين، إذا ما أبدوا امتعاضًا من استمرار الزعماء في إطلاق الشعارات المُعادية لهم وللإمبريالية، لا تلتفتوا إلى ما يقولون، بل إلى ما يفعلون. الشعارات للاستهلاك المحلي، والفعل لمُراضاة الولايات المتحدة. وهذه خديعة كبرى استنزفت واشنطن بقدر ما استنزفت الشعوب المُعادية لها.
- سليمان الفرزلي هو كاتبٌ وصحافي لبناني ترأّس تحرير صحف عدة في بيروت، منها “الأحرار”، و”الكفاح”، و”بيروت”، و”عالم النفط”، و”الصياد”، وعمل في عدد من الصحف الصادرة في لندن وباريس، منها “الدستور”، و”الحوادث” قبل أن يصدر مطبوعته الخاصة “الميزان” في تسعينيات القرن الماضي. وله أيضًا مؤلّفات أبرزها كتاب سيرته “علامات الدرب” الصادر مطلع العام 2013 عن “اللبنانيون المتحدون للصحافة والنشر” في لندن، و”حروب الناصرية والبعث” الصادر مطلع العام 2016 عن دار “أنطوان هاشيت (نوفل)” في بيروت. وهذه المطبوعات يمكن الاطلاع عليها كاملة على موقعه الإلكتروني: www.sferzli.com
هوامش وأسانيد
1) من أهم المنظمات الدولية غير الحكومية التي أسسها المصرفي الأميركي العالمي دايفيد روكفلر عام 1973 “منظمة ترايلاتيرال” (أي “الثلاثية”، لأنها تشمل ثلاثة أقاليم في العالم: أميركا الشمالية، وأوروبا الغربية، واليابان). وكان هدفه من تأسيسها، بحث التحديات الناشئة من تزايد التواكل والحاجة الى التعاضد السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة، وحلفائها في أوروبا الغربية، واليابان.
الأسباب الموجبة، الواردة في ميثاق قيادتها، تتلخص بالعمل على عودة البلدان الممثلة فيها الى جذورها، لكونها تسير بموجب قيم مشتركة، تقوم على حكم القانون، وعلى أوضاع اقتصادية واجتماعية حرَّة، ومنفتحة، وديموقراطية.
أنيط تنظيم هذه الهيئة، بمستشار لدايفيد روكفلر، هو زبيغنيو بريزنسكي، الأستاذ في جامعة كولومبيا، الذي استقال من الجامعة لهذه الغاية، وأصبح تالياً مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر (1977 – 1981). وترأس المنظمة لجنة تنفيذية، ولها ثلاث قيادات إقليمية تمثل أوروبا، وأميركا الشمالية، وحوض الباسيفيكي في آسيا.
تعقد اللجنة التنفيذية العليا مؤتمراً مرة في السنة، بالمداورة بين الأقاليم الأعضاء، أما الفروع الإقليمية فلها أن تجتمع طوال السنة، ولها مقرات في باريس، وواشنطن، وطوكيو.
أما “اجتماع بيلدربيرغ السنوي”، أو “مجموعة بيلدربيرغ” كما يُسمَّى أحياناً، فهو اجتماع سنوي سري تأسس في عام 1954، لتعميق وإدامة الحوار بين الفاعليات السياسية والاقتصادية العليا في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، تحت غطاء منع نشوب حرب عالمية جديدة. ولذلك يصفها بعض القائلين بنظرية المؤامرة، يميناً ويساراً، بأنها “حكومة عالمية مستترة” غايتها تدعيم وتعميم الرأسمالية الغربية.
يحضر اجتماعات هذه المجموعة ما بين 120 و150 شخصاً من زعماء سياسيين، وخبراء، وقادة الصناعة، والأعمال، والمال، والمراكز الأكاديمية. وقد ظل الأمير الهولندي برنهارد يترأس اجتماعاتها السنوية حتى عام 1975، فألغي اجتماعها لعام 1976، بسبب مما شاع عن تورط الأمير الهولندي في فضيحة رشوة مع شركة “لوكهيد” الأميركية. وألغي اجتماعها أيضاً لسنتين متتاليتين (2020 – 2021)، بسبب من جائحة “كورونا”.
رئيسها الحالي هو رجل الأعمال الفرنسي هنري دو كاستريس.
*****
2) الدكتور فوزي عبد الله القيسي، عالم اقتصادي عراقي متخصص في “الاقتصاد الكينزي”، نسبة الى نظريات الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز في كتابه المرجعي “النظرية العامة للعمالة، والفائدة، والمال”، حول حركة التوظيف البشري والمالي. عمل عميداً لكلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد، ثم مديراً عاماً لمصرف الرافدين (1968 – 1970)، وبعده مديراً للبنك العربي – الفرنسي، ثم محافظاً للبنك المركزي العراقي من 12 أيار (مايو) 1973 الى 29 كانون الأول (ديسمبر) 1975. جرى تعيينه أواخر ذلك العام وزيراً للمالية خلفاً للوزير سعدي إبراهيم الذي توفي في 8 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1975، وبقي في هذا المنصب حتى وفاته سنة 1979، بسرطان الحنجرة، بسبب إفراطه في التدخين.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.