“محور المقاومة” يتراجع، فكيف سيستجيب الإيرانيون؟

شهرام أكبر زاده*

أصبحت سياسة إيران الإقليمية على المحك. فقد انهارت بسرعة شبكة “محور المقاومة”، التي استثمرت طهران فيها على مدار سنوات وشملت حلفاء يشاركونها عداءها للهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط، ما أخذ النظام الإيراني على حين غرّة. وفي ظلّ مساعي القيادة الإيرانية لإيجاد ردّ مناسب، قد تتفاقم الأزمة لتُسَبّبَ في تداعيات خطيرة على طهران، بما فيها احتمال اندلاع احتجاجات في الداخل.

كانت سرعة التغيير مذهلةً في المشرق العربي، حيث أمضت إيران عقودًا في بناء إستراتيجيّة “الدفاع الأمامي”. في فترةٍ زمنية وجيزة، دُمّرت حركة “حماس” كقوّةٍ قتالية في غزة. وبات “حزب الله”، الذي يُعتبَر رأس الحربة في “محور المقاومة”، في حالةِ تراجُعٍ في لبنان بعد تصفيةِ قياداته العليا، بما في ذلك أمينه العام صاحب الكاريزما السيد حسن نصرالله، وتدمير جزء كبير من ترسانته العسكرية وإعادة تموضع قواته شمال نهر الليطاني بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل. أمّا في سوريا، فقد انهار نظام بشار الأسد في غضون أسابيع بعدما حكم البلاد مع والده على مدى نصف قرن، ما قطع ممرًا حيويًا من العراق إلى لبنان وأوقف سلسلة الإمدادات ل”حزب الله”.

يضع هذا التغييرُ الهائل إيران أمام تحدّيات كبيرة، أوّلها التعامل مع الآلية البديهية لترميم “محور المقاومة”. في ظلّ فقدان سلسلة الإمدادات ل”حزب لله”، قد تجد إيران نفسها عاجزة عن تقديم الدعم اللوجستي له ونقل الأسلحة على نطاقٍ واسع. بالإضافة إلى ذلك، لن تعودَ سوريا إلى حضن إيران، فقد خرجت من المحور بكل ما للكلمة من معنى. وهذا ما يترك إيران مع الميليشيات الشيعية في العراق والحوثيين في اليمن.

يتمثّلُ التحدّي الثاني في أنّ إيران صوّرت نفسها كقائدة “محور المقاومة” تحت شعار حماية فلسطين ضد إسرائيل، لكنّها فشلت في التصرّف على هذا الأساس. لقد فضّلت إيران أن يتولّى وكلاؤها القتال واكتفت بشنّ هجوم مباشر على إسرائيل في نيسان (أبريل) 2024 بعدما استهدفت الطائرات الإسرائيلية بعثتها الديبلوماسية في دمشق، وثم لاحقًا في تشرين الأول (أكتوبر). وفي الفترة بين الهجومين وبينما كانت “حماس” تُدمَّر وكان “حزب الله” يُقصَف، لم تُطلق إيران أيّ صاروخ على إسرائيل. ولمّا حان وقت حماية استثماراتها في سوريا، توارت طهران عن الأنظار. كلّ هذا ينبّه بشأن مدى موثوقيّة الجمهورية الإسلامية.

يُعتبَر التحدّي الثالث وجوديًا بالنسبة إلى النظام الإيراني ويُشكّلُ خطرًا على الجبهة الداخلية. يُشكّك عددٌ من المعلّقين والمراقبين الإيرانيين بسياسة الإنفاق الهائل السابقة الآيلة إلى مساعدة بشار الأسد على البقاء في السلطة. من جهته، رحّب صادق زيبا كلا، المفكّر البارز في إيران الذي سُجن مرات عديدة بسبب آرائه، بسقوط الأسد، مُعتبرًا أنّ رحيل الديكتاتور السوري يعني نهاية السلطوية ويمثّل خبرًا سارًا للشعب السوري. وأضاف أنّ رحيل الأسد جيّد أيضاً لإيران كونه يضع حدًا لهدر الموارد ل”محور المقاومة الذي لا قاع له“. وتشكّل التهمة الأخيرة موضوعاً متكرّرًا في الخطاب العام الإيراني.

يستشيط الرأي العام غضبًا تجاه السياسة الرسمية لتمويل حلفاء إيران في المنطقة ورعايتهم. لقد أوحت السجلات الرسمية للعام 2020 بأنّ إيران أنفقت أكثر من 30 مليار دولار على سوريا. وقد تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير، ما يُشكّل مصدر استياء كبير لا سيّما أنّ الاقتصاد الإيراني يرزح تحت وطأة العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة.

بعيدًا من الاقتصاد، شهدت إيران احتجاجات شعبية قبل عامَين تحت شعار “المرأة، الحياة، الحرية” انتشرت كالنار في الهشيم في شتى أنحاء البلاد، ما عكس عمق العداء العام لحكم النظام الإسلامي العقدائي. واستمرّ القمع الوحشي لأشهر حتى خُمدت الاحتجاجات. غير أنّ نيران المعارضة مثل الجمر تحت الرماد على وشك الاشتعال مجدّدًا. في الواقع، تتحدّى النساء الإيرانيات الحجاب الإلزامي بشكلٍ علني اليوم. كما إنّ الاستياء الشعبي من فشل النظام في الخروج من الانكماش الاقتصادي لا يزال مستمرًّا، إضافة إلى ذلك، زعزعت الهزائم العسكريّة التي تكبّدها “محور المقاومة” الوهم الذي كان يحيط باستحالة هزيمة النظام.

بعد رؤية سقوط ديكتاتور مثل الأسد، يصبح من غير الصعب تخيّل سيناريو مشابه، لا سيما أنّ العلاقة بين النظامين كانت وثيقة جدًا. وكان أحد هتافات حركة “المرأة، الحياة، الحرية” يدعو إلى “سقوط الديكتاتور”، وفُهِم على نطاقٍ واسع أنّ المقصود هو المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي. وفي حال شعرت الجماهير بضعف النظام وعادت إلى الشارع كما في العام 2022، قد يُشكّل ذلك تهديدًا وجوديًا للنظام الحاكم.

من المحتمل أن يأتي الرد على هذا التهديد إمّا باستخدام أسلوب القمع الجماعي المعروف أو بمحاولة تهدئة استياء الرأي العام والمعارضة من خلال إجراء إصلاحات، حتى وإن كانت شكلية. من الواضح أنّ الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان يفضّل الخيار الثاني، لكنّه مكبّل اليدين. فهو يُدرك خير إدراك أنّ هامش مناورته ضيّق. فالمحافظون يُسيطرون على البرلمان الإيراني، وحتى إدارته تضمّ وزراء محافظين في وزارتي الداخلية والاستخبارات. بالإضافة إلى ذلك، إنّ أيّ قرار مهم يحتاج إلى موافقة خامنئي الذي يتربّع على قمّة النظام السياسي. في الماضي، كان المرشد الأعلى يحبّذ القمعَ الشديد ضد المعارضة الذي أيّده الحرسُ الثوري الإسلامي. ومن المرجّح أن تلقى أيّ انتفاضة مستقبلية المصير نفسه.

  • شهرام أكبر زاده هو زميل أول غير مقيم في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. وهو أستاذ باحث في سياسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والمدير بالإنابة للوحدة الدولية في معهد ألفريد ديكين للمواطنة والعولمة في جامعة ديكين في أوستراليا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى