وللنحت أَيضًا مبدعاتٌ رائدات (1 من 2)

هنري زغيب*
يَدرُجُ في كل قطاع من الفنون والآداب أَنْ تبقى في ذاكرة سجلَّاته وتاريخه أَسماءُ مبدعين خالدين، ونادرًا ما تكون بينها أَسماء مبدعات خالدات.
غير أَنّ هذا لا ينفي وجود نحاتات تَركْن في أَعمالهن بصمةً لافتة تساوي غالبًا – إِن لم تكن تتخطى أَحيانًا – أَعمال كبار النحاتين في تاريخ الفن التشكيلي.
في هذا المقال من جُزءَين إِضاءَةٌ على عشْرٍ من تلك النحاتات.

- لويزا رولدان
ومن مواليد إِشبيلية (إِسبانيا) سنة 1652. تُعتبَر الأَقدم تاريخيًّا في مسيرة الفن التشكيلي الإِسباني، لكنها غير معروفة من الجمهور العريض ولا حتى من نقَّاد الفن ومؤَرخيه. سنة 1688 انتقلت إِلى مدريد، وبعد سنوات قليلة أَصبحت النحاتةَ الرسمية في بلاط حاكم هابسبورغ الملك شارل الثاني (1661-1700). سوى أَن حظْوتها في بلاط الملك الشاب لم تُنقذْها من حياة تاعسة وضائقة مالية ضاغطة جعلتْها تموت سنة 1706 في عَوَز مرهق. تتميَّز منحوتاتها بالطابع الديني، لذا تمَّ تكليفها بنحت تماثيل لبعض الكنائس نفَّذَتْها بالأُسلوب الباروكي المتَّبع عهدئذٍ، كما تركَت عددًا من المنمنمات النحتية الصلصالية كانت بخْسة الثمن ورائجة في صفوف الطبقة الاجتماعية الفقيرة وطبقة العمَّال في إِسبانيا.

- إِدمونيا لُويس
ولِدَت سنة 1844 في مقاطعة رانسيلير (ولاية نيويورك) من أَبٍ أَميركي ذي أُصول أَفريقية وأُمٍّ أَميركية تُوُفيا وابنتُهما في طفولتها الباكرة. سنة 1866 انتسبَت إِلى معهد أُوبرلين (في أُوهايو) لبضع سنوات عوملَت خلالها بإِهمال وفظاظة إِذ اتُهمت بالسرقة وبتسميم رفيقاتها في الصف، ما دفع بعض الرعاع إِلى مهاجتها جسديًّا. ولدى أَخذها إِلى المحكمة ثبُتَت براءتها من جميع تلك التُهَم. غادرَت نيويورك إِلى بوسطن وواصلَت عملَها في النحت، واشتهرت هناك بنحتها مداليةً لرأْس الداعية إِلى رفع الاسترقاق جون براون (1800-1859). واتسعت شهرتها فانتقلت إِلى روما ونفَّذَت أَعمالًا ممتازة مستوحاة من الكتاب المقدس (العهد القديم) ومن تراث الأَميركيين الأَصليين ومن حملة أَبراهام لنكولن لتحرير العبيد من الرق (1863). سنة 1893 انتقلت إِلى باريس بضع سنوات سافرَت بعدها إلى لندن حيث توفيت سنة 1907.
- جرترود ويتْني
وُلِدَت جرترود فاندِرْبيلْتْ ويتْني في نيويورك سنة 1875. اشتهرت نحاتةً وراعيةَ فنونٍ وجامعةً أَعمالًا فنية ومؤَسِسة “متحف ويتْني للفن الأَميركي” سنة 1931. في السنوات الأُولى من القرن العشرين، جالت في أُوروبا مندهشةً من ازدهارها الفني، وخصوصًا ما عايَنَتْهُ في مونبارناس ومونمارتر ما شجَّعها على الانخراط في العمل النحتي. وهي ابتدأَت بنحت المنمنمات ثم انتقلَت إِلى الأَحجام الكبيرة. وسنة 1910 عرضَت أَعمالها ونالت نجاحًا لافتًا. خلال الحرب العالمية الأُولى عملَت ممرضة في فرنسا وخفَّفَت من إِنتاج المنحوتات. وبالرغم مما أَطلعَت، ظلَّت شهرتها كنحاتة أَقلَّ من ذيوع اسمها كراعية فنون. توفيت في نيويورك سنة 1942.
- أوغوستا سافاج
نحاتة أَميركية ولدَت في فلوريدا سنة 1892. زُوِّجَت في الخامسة عشرة ورُزقت طفلها الأَول بعد سنة. لكن رغبتها في النحت لم تتأثَّر، فانتسبت إِلى معهد “كوبر” في نيويورك (أَسَّسَه بيتر كوبر سنة 1859)، ولفتَت إِليها أَساتذتها حتى أَنها أَنهت دروسها وتخرَّجت قبل عامٍ من موعد التخرُّج. تلك البراعة حملتْها إِلى باريس، وهناك واصلَت سطوعها نحاتةً موهوبة اشتهرت بمثابرتها ومواظبتها على العمل. وبعودتها إِلى هارلم (نيويورك) أَنشأَت مدرستها الخاصة لتعليم الفنون، إِلى تَوَلِّيها إِدارة “مركز هارلم للفنون”، وكانت أَول فنانة أَميركية من أُصول أَفريقية تنتسب إِلى الجمعية الوطنية للنساء الرسامات والنحاتات. وبين أَشهر منحوتاتها عهدذاك: “الصبي”، وهو تمثال فتى أَميركي من أُصول أَفريقية يلبس قميصًا مجعَّدًا ويعتمر قبعة.
- لويزا بورْجْوى
نحاتة فرنسية أَميركية (باريس 1911 – نيويورك 2010). اشتُهرت بمنحوتاتها ذات الأَحجام الكبيرة جدًّا، والتي تجد مكانها في الأَماكن العامة. وأَبرز مواضيع منحوتاتها: الحياة المنزلية، الجنس، الموت، واللاوعي. وجميعها ذات علاقة بطفولتها المضطربة.
كانت لويزا تدرس الرياضيات في جامعة السوربون سنة 1930، وتوفيَت والدتها بعد سنتين، فكانت لها صدمة بليغة جعلتْها تترك الجامعة وتنصرف إِلى دراسة الفن علاجًا لصدمتها. ومع السنوات بلغت أَن تعرض أَعمالها مع مجموعة “التعبيريين التجريبيين” مع أَن في أَعمالها منحًى يتلازم مع السورياليين والفن النسائي. وفي النهاية بقيَت خارج كل تصنيف لأَيِّ مدرسة فنية.
المقال التالي: الخمس النحاتات الباقيات.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.