شاهين شاهين عاصي

هنري زغيب*

ليس مقالي اليومَ كلامَ ثناء بل كلامُ وفاء. وإِذا الطبُّ رسالةٌ إِنسانية عظمى، أُسُسًا وأَخلاقياتٍ وشرفًا مهنيًّا، كما حدَّدها أَبو الطِب إِيبوقراطُس ميثاقًا في قَسَمه التاريخي، فكل طبيبٍ رسولُ عِلْم وخبرة ودراية، طالما أَنه يبدأُ حياته المهنية بالقسَم: “أَحلِف أَن أَكون وفيًّا لقوانين الشرف والصدق والاستقامة، وأَن أَشفيَ مرضاي وأُعيدَ لهم الصحة”. ومتى لفظَ الطبيبُ هذا القَسَم، أَصبح فعلًا رسولًا إِلى الصحة ونعمة العيش وطِيب الحياة، وتنكسر المسافةُ بين هالة الطبيب في غرفة العمليات (ثوبًا مُعقَّمًا ومبضعًا وبَرَاعة يدين)، ودماثة الطبيب خارج غرفة العمليات: صديقًا وَدُودًا وَهَيْبَة فرَح. وهنا أَتذكَّر ما يردِّده لي دومًا قاهرُ السرطان الطبيبُ اللبنانيُّ العالميُّ البروفسور فيليب سالم، من أَن فجْر الشفاء يبدأُ منذ تُشرق لحظةُ الوِداد بين المريض وطبيبه، ثقةً بالطبيب وحَنْوًا وَدودًا يخفِّف قلق المريض.

كلُّ هذا الأَعلاه، يختصر عناصرَه في مسيرتي الشخصية طبيبٌ واحدٌ، ابنُ بلدة تربل البقاعية، هو اليوم أُستاذ لدى مستشفى رزق التابع للجامعة اللبنانية الأَميركية LAU، ورئيسُ قسم جراحة العظْم في المستشفى، تخرَّج من جامعة كلود برنار في ليون، وانتسبَ إِلى جمعيات طِبِّيَّة عالمية، حتى إِذا عاد إِلى لبنان، لمع اسمُه سريعًا في الأَوساط الطبية، مزوَّدًا بخبرة والده الطبيب في الاختصاص ذاته.

هذا هو البروفسور شاهين شاهين عاصي. خبرتي معه في جراحتَين أَنقذَني بهما: الأُولى قبل 15 شهرًا في مستشفى رزق، والأُخرى قبل أَيام لدى مستشفى مار يوحنا في جونيه، وهو أَيضًا تابع للجامعة اللبنانية الأَميركية LAU التي أَعتزُّ بانتسابي إِليها.

في زيارتي الأُولى لديه، دخلتُ عليه مريضًا يَطَّلِب الجراحةَ من اختصاصيٍّ في جراحة العظم. ولم يُنجز جراحته الأُولى حتى أَشرقَ صديقًا من الأَوفى والأَحَبّ، رمزًا للطبيب الذي يُوليه المريضُ ثقةً لا إِلى حدود.

الدكتور شاهين شاهين عاصي ليس مبْضعًا في يدٍ بل حَنْوَةٌ في قلب، وليس وجهًا يتدجَّج بقناع التَجَهُّم الفوقيّ بل مُحيًّا مفتوحٌ على وَسَاعة البسمة، وصوتٌ مفتوح على فضاء الأَمان، وتشخيصٌ طبيٌّ متفائلٌ إِيجابيٌّ تشجيعيٌّ يوطِّد الراحة، وحضورٌ بهيجٌ يَكْشَح غيوم القلق عن سرير المستشفى ليَفتح في نفسية المريض فضاءً ناصعًا من هناءَة الطُمأْنينة.

مع شاهين شاهين عاصي لا يعودُ المريضُ حاجةً بل يصبح حالة، ولا يعود سؤَالًا بل يُصبح ارتياحًا إِلى أَنه بين يدَي طبيب ساحرِ البراعة، مكرَّسِ الدقَّة، واثقِ المبضع أَنَّ في طَرَفه الشفاء. وإِذا المريض يَطلب من طبيبه هذا الشفاء، فأَقلُّ الأَقلِّ أَن يبادلَ المريضُ طبيبَه بالوفاء. وحين يتعادل الشفاء والوفاء تكتمل في تأَلُّقها الذاتُ الإِنسانية.

قلتُ في البداية إِنَّ مقالي اليوم ليس كلامَ ثناء بل كلامُ وفاء. وهو ليس وضعًا فرديًّا بل جَماعيٌّ يَتناول كلَّ طبيب يستسلم إِليه المريض في سريره.

وإنها تجربتي الشخصية: مِثاليَ الأَنصعُ في كلِّ ما كتبتُهُ أَعلاه عن أَخلاقية الطب وأَخلاق الطبيب، يَختصره مَن دخلْتُ عليه مريضًا وارتقيتُ لديه إِلى شرف الصداقة: الدكتور شاهين شاهين عاصي.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى