جاك لانْغ:”لن يستطيعَ أَحدٌ ولا حدثٌ أَن يُطفِئَ الشعلةَ اللبنانية”
هنري زغيب*
بين الذين تابعوا مقالي السابق (“أَسواق العرب”-11/11/2024″) مترجمًا مقالَ الفنانِ الفْرنسي أُوليفيه سوتون عن حبِّه لبنان، مَن علَّقوا سلْبيًّا انهزاميًّا تشكيكيًّا وكفْرًا بلبنان. هؤُلاء أُهديهم ترجمتي مجدَّدًا هذا النصَّ الفْرنسيَّ الآخَر عن حُب لبنان ووعي أَهمية لبنان، كتبَه جاك لانغ، وزيرُ الثقافة والتربية في عهدَي الرئيسَين فْرنسوا ميتران وجاك شيراك، وكان سنة 1968 أَسَّسَ “مهرجان نانْسي الدُوَلي للمسرح”، وسنة 1982 أَسّسَ “اليوم العالَمي للموسيقى”، وسنة 1984 أَسَّس “يوم التراث الوطني”. وهو حاليًّا ومنذ 2013 رئيس “معهد العالم العربي” في باريس.
من مقاطع نص جاك لانغ:
“بين فْرنسا ولبنان علاقةٌ عميقةٌ وحميمةٌ وفريدة. ففي فرنسا نوع من “اللبنانوفيليا” الموروثة من جيل إِلى جيل. وعند لفْظ لبنان، يتردَّد اسمُهُ في قلوب معظم الفْرنسيين. وبعد انفجار 4 آب/أُغسطس 2020 تحركَت فورًا جمعياتٌ إِنسانيةٌ فرنسيةٌ إِلى لبنان. ذلك أَنَّ بين لبنان وفْرنسا رابطًا عاطفيًّا وتاريخيًّا فريدًا لا تعرفُه مع أَيِّ دولة أُخرى، ففي فرنسا طاقاتٌ لبنانية مبدعة تعبش فيها وتُسهم في نهضتها، عدا ما للُّغة الفرنسية من حضورٍ واسعٍ في لبنان…”.
“ويلفِت ما لدى الشعب اللبناني، عبْر تاريخه العريق، من صمودٍ في وجه الرياح الداخلية، أَو الخارجية من دوَل محيطِه التي آذَتْه ولا تزال. ذلك أَنَّ شعبَ لبنان أَصيلٌ خلَّاقٌ مبدعٌ حيويٌّ مكافحٌ محبوبٌ، يستقطب الإِعجاب بشخصيَّته المميَّزة أَينَما حلَّ في العالم. وبحُكم رئاستي “معهدَ العالم العربي” في أَيِّ بلدٍ عربي زُرتُهُ، كنتُ أَعرف عن لبنانيين يُسْهمون في نهضة هذا البلد…”.
“لبنان، كما أَراه وأَعرفه، ليس مجرَّدَ بقْعة جغرافية بل هو روح، وهو “قوة الدفْع إِلى الأَمام”، كما جاءَ يومًا في قصيدة فيكتور هوغو. ولبنانُ الكبير ليس مجرَّدَ تعبيرٍ يحصُر جغرافياهُ، بل هو كبيرٌ بامتداده في العالم روحًا وفكْرًا عالَميًّا، ومفهومًا عن الحياة ومعرفة الكينونة الإِنسانية. وبذلك يتميَّز: فسواءٌ كنتَ في البْرازيل أَو في داكار أَو في باريس، تعرف اللبنانيَّ فورًا ولو بينَ جمْع. مدهشةٌ هذه الطاقة اللبنانية الساطعة بإِشعاع الفكر اللبناني أَينما يكون…”.
“إِن فكرة لبنان ليست مسأَلة حدود جغرافية. فرغم خطر شرسٍ يهاجمه من كل صوب، نجد لبنان يحيا، يتجاوز المصائب، ويناضل كي يبقى على هويته. لذا لن يقوى أَيُّ أَحدٍ ولا أَيُّ حدَث على إِطفاء الشعلة اللبنانية. إِن لبنانَ قوةُ عملٍ وحركةٍ واختراعٍ واكتشافٍ وخَلْقٍ وإِبداع، ولا يمكن أَن يَشعر اللبنانيُّ أَنه مغلوب أَو مكسور. حتى في أَسوإِ ظروفه الخانقة، يظلُّ واقفًا، ينطلق إِلى التحدِّي والكفاح والنضال، ويبقى واقفًا يَمضي في انطلاقه. وهذه ظاهرةٌ فريدةٌ في هذا الشعب طَوال حقَبات تاريخه كما يشهدُ عددٌ كبيرٌ من المؤَرِّخين عن شخصية الشعب اللبناني وفَرادته اللبنانية. وبهذه الفرادة يبقى لبنان نموذجًا للفكرة الرائعة عن بلَد الوحدة في التنوُّع الطائفي…”.
***
أَكتفي بهذه المقاطع من مقال جاك لانغ، علَّ يعيها جمْعُ سلبيين انهزاميين مهزومين هازمين تشكيكيين كافرين بلبنان، ويدركون أَنَّ ما يشْكُون منه هو سلوكُ أَهلِ سلطةٍ تَشَخْصَنُوا في قيادتهم الدولة فشوَّهوا الدولة. لذا: ما قاله جاك لانغ في مقاله عن لبنان، ومثلُه مفكِّرون كبار في العالَم، يقصدون به لبنانَ الوطن ويُشيحون عن دولة لبنان المنكوبة بأَهْل سلطته الفاسدين.
إِنه الإِعجاب… كما دائمًا: إِعجابُ العالَم بشَعب لبنان وإِرث لبنان وتاريخ لبنان وحضارة لبنان ودَور لبنان.
وهي هذه علامةُ لبنان الوطن، وفرادتُه المميَّزة الساطعةُ في العالم.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib