الحلول بين الرئيس القوي والعربي الضعيف؟!
عرفان نظام الدين*
“سنقلُبُ جميع الأمور رأسًا على عقب”. هذا هو التعهُّدُ الأوّل للرئيس الأميركي المُنتَخَب دونالد ترامب مباشرةً بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو يعبر عن الواقعِ والمُتَوَقَّعِ منه بعد سنواتٍ من الفشلِ والضعفِ والتردّد، ما أدّى إلى تدهورِ سمعةِ الولايات المتحدة وتراجُعِ نفوذها في عهد الرئيس جو بايدن.
ولهذا يُعلّقُ العالمُ آمالًا كبرى على العهد العتيد وما يمكن أن يُقدّمهُ من مفاجآتٍ وحلولٍ للأزمات والحروب من غزة إلى أوكرانيا، ومن لبنان إلى الصين، وما بينهما من أخطارٍ وتعقيداتٍ من دولٍ مثل إيران وملفّها النووي وأمن الخليج المُهَدَّد من البحر الأحمر إلى مضيق هرمز ووقوعه بين إيران وإسرائيل.
ولو تركنا قضايا مُلتَهِبة، مثل الحرب الأوكرانية شبه الدولية ومخاوف دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من أن يتخلّى عنها ترامب إلى مقالٍ آخر، لوجدنا العجب في منطقة الشرق الأوسط من قنابل موقوتة وزلازل وصراعات، ما يؤكّدُ أن ترامب سيغرق في مستنقعات المنطقة إن لم يَتّخذ مواقف حاسمة ويُعيدُ الهيبة المتوارية تدريجًا.
وقضية الشرق الأوسط التي كانت مُوَحَّدةَ الأركان صارت قضايا مُتشابكة ومُتقاطعة تصلُ إلى حدِّ التهديد بتوسيع نطاق الحرب وربما تحويلها إلى صراعٍ نووي، سيضيع ترامب في متاهاتها وتفاصيلها الشيطانية، كما ضاع بايدن، خصوصًا إذا أدركَ أنَّ شبحَ إيران يحومُ حوله.
دورُ إيران امتدَّ لأكثر من خمسة عقود، بدأ بالفعل بالثورة العقائدية والمذهبية وانتشرَ بالسيطرةِ على دولٍ عربية عدة وميليشياتٍ مسلحة مُتعدّدة، واستكملت بالتهديد بامتلاك الأسلحة النووية، وتم لجمها باتفاقٍ نووي دولي عام سرعان ما ألغاه ترامب نفسه، فقابلته إيران بالتوسُّع وإشعال نار المواجهات من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان.
ولهذا، فإنَّ ترامب سُيواجَهُ بحزمةِ أزماتٍ في سلّةٍ إيرانية واحدة عندما يريد العمل على وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت. والأخطر من ذلك أنَّ الأشهر القليلة المتبقية من ولاية بايدن قد تشهدُ تطورات خطيرة بعد سلسلةِ أخذٍ ورَدٍّ صاروخي وصلَ الآن إلى نقطة الخطر. فإيران تُهدّدُ بالرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير بشكلٍ حازم، يقابله تصميمٌ إسرائيلي على الردّ بعنف أكبر، وليس بحسب المسرحيات السابقة، ما يؤدّي إلى اشتعالِ نيرانِ حربٍ ستكون الولايات المتحدة طرفًا فيها، بعد حشدِ الأساطيل واستنفار القواعد وضياع الطاسة بين بايدين وترامب في الفترة الانتقالية الممتدة حتى العشرين من كانون الثاني (يناير) 2025.
لهذا، تبدو الحروب بالوكالة بسيطة أمام البؤرة المُتفجّرة، فيما نجد أنَّ أطرافَ الصراعِ العربي-الإسرائيلي في حالةِ ضعفٍ وارتباك، من القيادات إلى الشعوب، وكأنَّ العالم قد سحب العزم والمسؤولية والوازع الأخلاقي والقومي، لتصبح القضية الفلسطينية يتيمةَ الأبوين وغير مُكتَرَث بها، فيما القيادة الفلسطينية نائمة وضعيفة.
في المقابل، تبدو إسرائيل مُنتَشية بنصرٍ مزعوم وبنيامين نتنياهو يُعربدُ وينتشي بدماءِ الشهداء، ويصلُ في جنونه إلى الاشتباكِ مع أركان جيشه وطرد حليفه السابق وزير الدفاع يوآف غالانت، وسط تظاهراتٍ وفوضى وتلويحٍ بحربٍ أهلية. ونتنياهو غير معني وغير جدير بالتفاوض، لكنه غير قادر على اللعب مع ترامب، كما فعل مع سلفه، بعدما عرّضه للسخرية والحرج كلّما أعلن عن قرب إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار، وتبين أنه كان يكسب الوقت لاستغلال فوز ترامب مٌعتبرًا أنه “انتصارٌ عظيم”.
تبقى النقطة الاخيرة المُتعلّقة بدول مجلس التعاون الخليجي، فهو سيكون مرتاحًا وفرحًا بالتعاون معها، فهو على علاقة حميمة مع قادتها وأولهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وحصد الكثير من علاقاته في فترة رئاسته الأولى، إذ أقام معادلة سحرية تقوم على المصالح ومَبدَإِ المال مقابل الأمن والمشاريع مقابل الحماية، ومن غير المستبعد عقد قمة قريبة وعودة جاريد كوشنير، صهر الرئيس ترامب، لاستكمال ملفّات التطبيع مع إسرائيل.
مع هذا، يبدو من المؤكّد عَرضُ حلولٍ جاهزة لحلِّ أزمات لبنان وغزة على أساس لاءات ثلاث تتعلّق بالعودة إلى الماضي، أي لا ميليشيات ولا أسلحة ولا إيران، بل تنفيذ القرارات الدولية بالنسبة إلى لبنان بكل مندرجاتها، ووضع صيغة حلول للوضع في غزة المدمَّرة.
والتفاؤل مطلوب، خصوصًا بالنسبة إلى لبنان، فقد وعد ترامب بالحلِّ السحري، وهو سعيدٌ بأنه أصبح جدًّا لحفيدٍ لبناني، ومن غير المستبعد تكليف الملياردير مسعد بولس، والد صهره مايكل بولس، ذي الأصول اللبنانية، بمهمةٍ تتعلّق بسلام لبنان وازدهاره، لا سيما وأنَّ مسعد يعرف جيدًا السياسة اللبنانية ودهاليزها لأنه كان ترشح للإنتخابات البرلمانية في لبنان عن دائرة الشمال الثالثة، إلّا أنه انسحب لاحقًا لمرشح تيار “المردة” فايز غصن. والله أعلم.
- عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمشرف على المحطة الفضائية السعودية “أم بي سي”.