إيران تُظهِرُ نقاطَ ضُعفِها

لم تفلح طهران في إنشاءِ “مُعادلاتٍ جديدة” للردع ضد إسرائيل من خلال ضرباتها المباشرة على الدولة العبرية التي أتت بنتائج عكسية إلى حدٍّ كبير.

وزير خارجية إيران عباس عراقجي: رحلات مكوكية لبلدان الجوار لمنع تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية في أجوائها.

نيكول غراجوسكي*

في الصباح الباكر من 26 تشرين الأول (أكتوبر)، شنّت إسرائيل أكبرَ هجومٍ عسكري على الجمهورية الإسلامية منذ الحرب الإيرانية-العراقية. جاءَ الهجومُ بعد ما يقرب من شهرٍ على الضربات الصاروخية الباليستية التي شنّتها طهران في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) على الدولة العبرية، والتي أطلقت عليها “عملية الوعد الحقيقي 2”. إنَّ تصعيدَ الضربات العسكرية المباشرة المُستَمرّة على أراضي كلٍّ منهما يشيرُ إلى تحوُّلٍ في ديناميكيات الصراع الإسرائيلي-الإيراني، حيث اختبرت كلٌّ من الدولتين مرارًا وتكرارًا الخطوطَ الحمراء التي وضعتاها سابقًا.

تمَّ تأطيرُ العملية العسكرية الإسرائيلية من قبل المسؤولين الإسرائيليين والإيرانيين في البداية على أنها محدودةٌ. مع ذلك، أثبتت محاولات إيران لرَدعِ إسرائيل بواسطة الهجمات المباشرة أنها غير مُنتِجة، بل كشفت بدلًا من ذلك عن ثغراتٍ في دفاعاتها التي أصبحت إسرائيل على استعدادٍ مُتزايدٍ لاستهدافها. وبدلًا من محاولة حلِّ العداء المُستمر، من المرجح أن يَضَعَ الردُّ الإسرائيلي إيران في وضعٍ حرج وأكثر خطورة مما كان عليه الأمر قبل الأول من تشرين الأول (أكتوبر).

انخرطت إيران وإسرائيل منذ فترة طويلة في ما يسمى “حملة بين الحروب”، حيث انخرط كلٌّ منهما في ضرباتٍ سرّية وحربٍ بالوكالة. بعد هجوم “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تصاعدت الحملة بين الحروب. وشهدت الأشهر اللاحقة سلسلةً من الاغتيالات البارزة التي نفّذتها إسرائيل واستهدفت شخصياتٍ رئيسة في ما يسمى “محور المقاومة”، وهي شبكة إيران من الحلفاء والوكلاء غير الحكوميين، فضلًا عن كبار قادة الحرس الثوري الإسلامي. وقد أخرجت هذه الإجراءات الصراع بين إيران وإسرائيل من الظلّ إلى مواجهةٍ مفتوحة.

بعدَ قصفِ إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان (أبريل) الفائت، كان ردُّ إيران بمثابة أول ضربةٍ عسكرية إيرانية مباشرة ضد إسرائيل من أراضيها. كان الهدفُ من ذلك إرساءَ معادلةٍ جديدة في الصراع – حيث يتمُّ الردُّ على الإجراءات الإسرائيلية ضد المصالح الإيرانية بالانتقام العسكري الإيراني. مع ذلك، وعلى الرُغم من حجم العملية، استمرّت الضربات الإسرائيلية في الأشهر التالية، بما في ذلك الضربات ضد المصالح الإيرانية في سوريا واغتيال زعيم “حماس”، إسماعيل هنية، في طهران. كما وَجَّهَ اغتيال الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله والجنرال في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفوروشان في 27 أيلول (سبتمبر) ضربةً قويةً لشبكة تحالف إيران، مما يدلُّ على أنَّ الردعَ الذي تسعى إليه إيران لم يتحقّق كما هو مُخَطَّطٌ له.

بعد تحذيرٍ محدود، شنّت طهران هجومها المباشر الثاني ضد إسرائيل في الأول من تشرين الأول (أكتوبر). وكان هذا بمثابة انحرافٍ صارخ عن عملية نيسان (أبريل) من حيث التنفيذ والنطاق. وعلى عكس الضربة السابقة، التي استخدمت مزيجًا من الصواريخ الباليستية والطائرات المُسَيَّرة والصواريخ المُجَنَّحة، تم تنفيذ هجوم تشرين الأول (أكتوبر) حصريًا بالصواريخ الباليستية، والتي كان من المرجح أن تهدف إلى تقليل الكشف المُسبَق والحدّ من فعالية دفاعات إسرائيل.

وفي بيانٍ مُتَلفَز صدرَ عقب الهجوم مباشرة، تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرد، قائلًا: “لقد ارتكبت إيران خطأً كبيرًا الليلة – وستدفع ثمنه”. ورُغمَ أنَّ إسرائيل فكّرت في البداية في ردٍّ أقوى، واستهدافِ مواقع عالية القيمة مثل البنية التحتية النووية أو الطاقة، فقد أَعادَت مُعايَرة الخطة بسبب الضغوط الأميركية لتجنُّب التصعيد. بالإضافة إلى ذلك، كان نشر الولايات المتحدة لنظام الدفاع الصاروخي عالي الارتفاع (ثاد) في إسرائيل حافزًا مُحتملًا للدولة العبرية لتركيز ردها الانتقامي في المقام الأول على المواقع العسكرية، مع إضافة طبقة من الدفاع تحسُّبًا للانتقام الإيراني.

قبل الهجوم الإسرائيلي، انطلق وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مهمة ديبلوماسية لحَشدِ الدعم الإقليمي ضد السماح لإسرائيل باستخدام المجال الجوي المجاور. وشملت جهود عراقجي لبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية وقطر والعراق وعُمان والأردن ومصر وتركيا، وكذلك الدول التي كانت علاقاتها متوترة تقليديًا مع إيران، مثل الأردن ومصر والبحرين. ورُغم أنَّ إسرائيل تجنّبت بشكلٍ ملحوظ المجال الجوي في الأردن والسعودية، فإنَّ التواصل الديبلوماسي الإيراني لم يتمكّن في نهاية المطاف من منعِ الردِّ الإسرائيلي.

في هجماتها في 26 تشرين الأول (أكتوبر)، زعمت إسرائيل أنها استخدمت أكثر من 100 طائرة، بما فيها طائرات أف-15 وأف-35 المتقدِّمة. وعلى بُعد أكثر من 2,000 كيلومتر من إسرائيل، أطلقت هذه الطائرات صواريخ باليستية تُطلق من الجو، وهي أكثر صعوبة من الصواريخ الباليستية أرض-أرض بالنسبة إلى الدفاعات الجوية لاعتراضها.

كانت الموجةُ الأولى من الضربات تهدفُ إلى تفكيكِ وتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، حيث استهدفت إسرائيل الدفاعات الجوية في العراق وسوريا قبل إطلاق صواريخها الباليستية في عمق الأراضي الإيرانية. وقد تمَّ تنفيذ هذه الضربات من المجال الجوي السوري والعراقي، مع وقوع بعض الضربات بالقرب من الحدود العراقية-الإيرانية، وتبعتها موجتان لاحقتان. وقد ركّزت هذه الضربات الإضافية على المواقع العسكرية ومرافق إنتاج الصواريخ، وخصوصًا تلك التي تشارك في تصنيع الوقود الصلب.

وفي حين أنه من السابق لأوانه تقييم مدى الضرر الذي لحق بالمنشآت الإيرانية بالكامل، فمن المعقول أن نستنتجَ أنَّ الضربة الإسرائيلية كانت فعّالة إلى حدٍّ كبير، نظرًا للتفوُّق النسبي للطائرات المقاتلة الإسرائيلية وصعوبة اعتراض الصواريخ الباليستية التي تُطلَقُ من الجو. وأشارت التقارير إلى أنَّ الإسرائيليين استهدفوا أربع بطاريات دفاع جوي إيرانية من طراز “أس-300” ــأكثر أنظمتها تقدُّمًاــ متمركزة لحماية طهران والبنية الأساسية النووية والطاقة الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنَّ الضربات أصابت اختناقات رئيسة في قدرات إنتاج الصواريخ الإيرانية. وإلى جانب الأهداف المرتبطة بالصواريخ، استهدفت الطائرات الإسرائيلية أيضًا منشأة لإنتاج الطائرات المُسَيَّرة ونفذت ضربة “رمزية” على مبنى في مجمع بارشين مرتبط بأبحاث وتطوير الأسلحة النووية الإيرانية السابقة. كما أسفر الهجوم عن مقتل أربعة جنود من الجيش الإيراني النظامي، “أرتيش”.

ومع تطوّر وتَكَشُّفِ ما يحدث، قلّلَ التلفزيون الإيراني من حجم الهجوم. وزعمت وسائل الإعلام التابعة للدولة أنَّ الغارات الجوية الإسرائيلية تسببت في أضرارٍ محدودة فقط، وردّت بأنَّ مزاعمَ إسرائيل بضربِ 20 هدفًا بـ 100 طائرة مُبالغٌ فيها وغير واقعية. بالإضافة إلى ذلك، بثّت وسائل الإعلام الإيرانية لقطات من مدنٍ في جميع أنحاء البلاد للتأكيد على أنَّ الحياة اليومية، بما في ذلك الأنشطة المدرسية، استمرّت كالمعتاد. واعترفت قيادة الدفاع الجوي الإيرانية بأنَّ إسرائيل استهدفت مراكز عسكرية في محافظات طهران وخوزستان وإيلام، لكنها سلطت الضوء على نجاحها في اعتراض الصواريخ الآتية، مما حدَّ من تأثيرها على الأرض.

ورُغمَ أنَّ الخطابَ الإيراني قلّلَ من حجم الضرر، فإنَّ مؤسّسات الدولة تعهّدت بالانتقام. ونقلت وكالة أنباء “تسنيم” التابعة للحرس الثوري الإيراني عن “مصادر مطلعة” أنَّ إيران مُستعِدّة للردِّ على العدوان الإسرائيلي، ومن المؤكد أنَّ إسرائيل ستتلقى ردًا متناسبًا على الهجوم المُتَّخَذ ضد إيران. وفي اليوم التالي، أدانت وزارة الخارجية الإيرانية الهجمات الإسرائيلية على منشآتها العسكرية باعتبارها “انتهاكات للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”، مؤكّدةً على “حق وواجب إيران في الدفاع ضد العدوان الأجنبي” بموجب المادة 51. وربط بيان وزارة الخارجية بين “الاحتلال المستمر والإجراءات والجرائم غير القانونية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين ولبنان”، والتي تحظى بدعم الولايات المتحدة والغرب، باعتبارها المصدر الرئيس لعدم الاستقرار الإقليمي. وكررت هيئة الأركان العامة الإيرانية هذا، مؤكدة على نجاحها الدفاعي و”حق إيران القانوني والمشروع في الرد في الوقت المناسب”، في حين دعت إلى “وقف إطلاق نار دائم في غزة ولبنان” لحماية المدنيين العُزَّل.

إنَّ الجهودَ التي يبذلها المسؤولون الإيرانيون والإسرائيليون للتأكيد على الطبيعة “المحدودة” للعملية تحجبُ احتمالَ أنَّ هذه الهجمات لم تكن محدودة أو تهدف إلى خفض التوتر كما تمَّ تصويرها. وعلى الرُغم من أنَّ الضربات استهدفت منشآت عسكرية، فإنَّ الضررَ الكبير الذي لحق بالدفاعات الجوية الإيرانية يجعل طهران أكثر عُرضةً لمزيدٍ من الهجمات الإسرائيلية ضدّ أهدافٍ عالية القيمة مثل البنية التحتية النووية والطاقة. ربما تكون هجمات إيران في تشرين الأول (أكتوبر) قد أرهقت الدفاعات الجوية الإسرائيلية، لكن يبدو أنَّ نشرَ الولايات المتحدة لنظام “ثاد” قد منح إسرائيل بعض الراحة. وعلى النقيضِ من ذلك، يبدو أنَّ عملية إسرائيل سلطت الضوء على ضعف إيران الحاسم في الدفاع عن أراضيها.

قد تكونُ عملية إسرائيل أثّرت بشكلٍ بالغ الخطورة في قدرة إيران على إنتاجِ الصواريخ. كانت القدرةُ على إنتاجِ الصواريخ بمعدّلٍ سريعٍ وسيلةً لردعِ الهجمات المباشرة ضد الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، استهدفت إسرائيل منشآتٍ تحتوي على مُكوّنات أساسية لتجميع الصواريخ، مثل الخلاطات، التي يصعب على إيران الحصول عليها بسبب العقوبات الدولية الصارمة وضوابط التصدير. وكشفت صور الأقمار الإصطناعية المُبكرة أنَّ إسرائيل دمّرت منشآت إنتاج الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب في بارشين وخوجير وشاهرود. ورُغم أنَّ منشآت إنتاج الصواريخ الإيرانية منتشرة في جميع أنحاء البلاد، فإنَّ تدميرَ أو تعطيلَ هذه الموارد من شأنه أن يُعيقَ جهودَ تصنيع الصواريخ الإيرانية، حيث زعم بعض المصادر الإسرائيلية والأميركية أنها ستحتاج إلى عامٍ للتعافي.

إذا كانت تقييماتُ الأضرار في أعلى مستوياتها، فقد يتمُّ تقليصُ قدرة إيران على الدفاع عن نفسها وإبراز قوتها إقليميًا بشكلٍ كبير في الأشهر المقبلة. من ناحية أخرى، إذا كانت تقييماتُ الأضرار تميل إلى الحد الأدنى، فقد يكون هذا مؤشّرًا إيجابيًا للحد من الاستجابة التصعيدية، ولكن من غير المرجح أن يوقف الدورة المستمرة من الأعمال الانتقامية بين إسرائيل وإيران. لا يزال هناك عدم يقين بشأن النطاق الكامل للتأثير، حيث يعتمد المشهد الأمني ​​​​في إيران بشكلٍ كبير على مدى سرعة استعادة البنية التحتية الدفاعية – أو ما إذا كان يمكن استعادتها.

السؤال الملح الآن هو كيف ستستجيب إيران، أو إذا كانت سترد. لقد فشلت استراتيجية إيران الكبرى المتمثّلة في تنسيق جبهات متعددة ضد إسرائيل من خلال شبكة وكلائها إلى حد كبير في تحقيق فعالية. بدلًا من ذلك، تمكنت إسرائيل من معالجةِ كلِّ تحدٍّ بشكلٍ منهجي على التوالي –احتواء “حماس” في غزة، وإضعاف ومعالجة “حزب الله” في لبنان، والآن ضرب إيران نفسها– مع الحفاظ على درجةٍ من الحرّية التشغيلية. والأمرُ الأكثر أهمية هو أنَّ إضعافَ شبكة محور المقاومة قد جرد إيران من طبقاتها الدفاعية الخارجية، مما جعل طهران معزولة ومكشوفة بشكل متزايد. وفي الوقت نفسه، أثبتت ترسانة الصواريخ الإيرانية أنها محدودة النطاق ومشكوكٌ في موثوقيتها.

إنَّ خياراتَ الردّ الإيرانية مُقَيَّدة بشدّة الآن. ويمكن النظر إلى ضبط النفس على المستوى المحلي والدولي باعتباره تنازُلًا من شأنه أن يؤدي إلى تآكل مصداقية إيران. وربما تُفضل طهران السعي إلى حلٍّ ديبلوماسي يتجنّب المزيد من تدهور “حزب الله”، وربما يُوفّرُ لأقرب شركائها غير الحكوميين فترة راحة لإعادة البناء، في حين يزيد أيضًا من الضغوط من أجل التوصّل إلى وقف إطلاق النار في غزة. ومن الجدير بالذكر أنَّ إسرائيل تجنّبت استهداف البنية الأساسية الوطنية الإيرانية أو المواقع النووية، وهو ما يشير ربما إلى رغبتها في الحد من نطاق الصراع وتجنُّب التصعيد على نطاق أوسع. وحتى إذا اختار المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي خفض التصعيد، فإنَّ العقيدة الأمنية الإيرانية ــالتي تُركّزُ على القوات بالوكالة، وقدرات الصواريخ الباليستية، والبرنامج النووي ــ تظل عُرضةً للخطر. وكان أحد الدروس المستفادة بعد مقتل هنية أنَّ التقاعس عن العمل والرد قد يكون مُكلفًا. وأيُّ مظهرٍ من مظاهر التراجع يمكن تفسيره على أنه ضعفٌ داخل إيران وفي مختلف أنحاء المنطقة، وهو ما قد يشجع إسرائيل على المزيد من العمليات.

إنَّ الردَّ العسكري المباشر قد يحاول إظهار العزم، ولكن نظرًا للضرر المُحتَمَل الذي قد يلحق بالدفاعات الجوية الإيرانية وقدرات إنتاج الصواريخ، فإنَّ مثل هذا العمل قد يستدعي هجومًا مضادًا إسرائيليًا أكثر تدميرًا. وهذا الخطر حادٌ بشكلٍ خاص في ظل اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، حيث قد يؤدي فوز دونالد ترامب المحتمل إلى تشجيع إسرائيل على اتخاذِ إجراءاتٍ أكثر جرأة ضد المنشآت النووية الإيرانية. وعلاوةً على ذلك، قد يُعرّضُ التصعيد الجهود الرامية إلى تأمين وقف إطلاق النار في لبنان وغزة للخطر، حيث شهدت إيران بالفعل تراجع نفوذها بسبب استنزاف حلفائها المحليين.

إنَّ خيارات الردّ الإيرانية تمتدُّ إلى ما هو أبعد من الانتقام العسكري المباشر ضد إسرائيل، ولكن، كلٌّ منها يحمل تعقيداته الخاصة. فطهران قد تختار التركيز على إعادة بناء قدرات “حزب الله” أو تفعيل حلفاء أو وكلاء آخرين بطرق أكثر محدودية. مع ذلك، فإنَّ الضرر الذي لحق بالبنية التحتية لإنتاج الصواريخ الإيرانية قد يفرضُ عليها تحديد الأولويات بشكلٍ مؤلم: ما إذا كان ينبغي التركيز على الموارد المحدودة لإعادة بناء قدراتها المحلية أو دعم شبكة تحالفها الإقليمي. في الأمد البعيد، من المرجح أن تميل إيران نحو تعاون أوثق مع روسيا على الجبهة العسكرية – حتى أنها قد تختار إنتاج الصواريخ بشكلٍ مشترك على الأراضي الروسية.

قد يكون النجاح الذي حققته إيران في التواصل الإقليمي الأخير بمثابة بصيصِ أمل، حيث يبدو أنَّ إسرائيل استخدمت المجال الجوي العراقي فقط، حيث تتمركز قوات التحالف الأميركية، لتنفيذ هجومها. ومن المرجح أن يُعزّزَ هذا من قيمة التقارب الإيراني مع المملكة العربية السعودية والجهود الديبلوماسية الأوسع في المنطقة. ومن الجدير بالذكر أنَّ السعودية ودولة الإمارات والبحرين وقطر وعُمان والكويت والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي أصدروا إداناتٍ للهجوم الإسرائيلي على إيران.

إنَّ الردَّ الإسرائيلي يُشيرُ إلى ثقةٍ متزايدة في قدرة البلاد على ضرب الأراضي الإيرانية بشكلٍ مباشر وفعّال، مما قد يشيرُ إلى مرحلةٍ جديدة في الصراع، مرحلةٌ تشعر فيها إسرائيل بأنها غير مُقَيَّدة بشكلٍ متزايد بالقدرات الإيرانية. لقد جاءت محاولات إيران لإنشاء “معادلات جديدة” للردع من خلال الضربات المباشرة بنتائج عكسية إلى حد كبير، ما قد يكشف عن ثغراتٍ يبدو أنَّ إسرائيل على استعدادٍ متزايد لاستغلالها. قد تستمر دورة اختبار الخطوط الحمراء وقد تشتد، في غيابِ تدخُّلٍ ديبلوماسي خارجي كبير أو تحوُّلٍ أساسي في الحسابات الاستراتيجية لأيٍّ من الجانبين.

  • نيكول غراجوسكي هي زميلة في برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. تتناول أبحاثها السياسات الروسية والإيرانية في النظام العالمي، مع التركيز بشكلٍ خاص على الاستراتيجية النووية الروسية، وصنع القرار النووي في إيران، والصراع في نظام منع الانتشار، والردع النووي.
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى