لبنان لن يَستَفيدَ إذا فَرَضَت واشنطن عقوباتٍ على رئيسِ مجلسِ النوّاب نبيه بري
مايكل يونغ*
تَرَكَ اغتيالُ إسرائيل للأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، والقضاءُ اللاحق على خليفته المُحتمل، هاشم صفي الدين، فراغًا في القيادة السياسية للجماعة. وهذا يخلقُ مساحةً كبيرة للسياسي الشيعي البارز في الهيكل الحاكم في لبنان، نبيه بري، رئيس مجلس النواب.
لسنواتٍ، مَثّلَ برّي واجهةً ل”حزب الله” في الدولة اللبنانية. وهو سياسيٌّ شديدُ النفوذ، كما استفادَ من كونه الوسيط الرئيس مع الحزب، الذي هيمن على النظام السياسي. في خطابٍ ألقاه أخيرًا، وَصف الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام، برّي بأنه “الأخ الأكبر” لـ”حزب الله”. لكن هذا الثناء أخفى تحذيرًا لرئيس البرلمان: لا تتجاوز الخطوط الحمراء ل”حزب الله”، وإلّا.
كانت هناكَ تقاريرٌ أخيرًا تُفيدُ بأنَّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تُحاولُ دَفعَ الطبقةِ السياسية في لبنان إلى انتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية. وبما أنَّ البرلمان هو الذي ينتخبُ رؤساء البلاد، فقد كانت الضغوط على بري لعقدِ جلسةٍ للتصويت وإجراءِ جولاتٍ مُتتالية من التصويت حتى يفوزُ أحد المرشّحين. ووفقًا لتقارير إعلامية، فإنَّ واشنطن ترغبُ في انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون.
وقد ذَكَرَ بعضُ الأصوات الأميركية المؤثّرة في شؤون الشرق الأوسط، مثل روبرت ساتلوف من معهد واشنطن، أنَّ هناكَ حديثًا في العاصمة الأميركية عن فرضِ عقوباتٍ على برّي إذا رَفضَ عقدَ مثل هذه الجلسات البرلمانية. ومع ذلك، من المشكوك فيه أن تفعلَ إدارة بايدن مثل هذا الأمر، لأنه لن يؤدّي إلّا إلى مزيٍد من عرقلة النظام السياسي في لبنان وتعثّره وعدم تحقيقِ أيِّ شيء.
من المعروف أنَّ برّي قاومَ إجراء انتخابات، بحجّةِ أنه لكي يحدثَ هذا، يجب أن يكونَ هناك إجماعٌ حول المرشح. وهو يعلمُ أنَّ “حزب الله” سوف ينظر إلى الانتخابات القسرية على أنها جهدٌ أميركي وإسرائيلي لاستغلالِ نقاط ضعفه اليوم لفَرضِ مُرشَّحٍ لا يريده عليه. ولن يعزلَ بري نفسه داخل مجتمعه نيابةً عن إدارة بايدن.
بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين، يُجسّدُ برّي كل ما هو خطأ في الطبقة السياسية في لبنان. لقد كان في منصبه منذ العام 1992، ويعتبره كثيرون أنه يفتقرُ إلى الأخلاق، وكان المُدافِعُ الرئيس عن البنية الفاسدة التي أدّت إلى الانهيار المالي في العام 2020، ما حَرَمَ الملايين من اللبنانيين من مُدّخراتهم. وهذا لا يُمكِنُ إنكاره.
ومع ذلك، فمن الصحيح أيضًا أنَّ برّي براغماتي. وبينما يشاهدُ خرابَ الطائفة الشيعية بشكلٍ خاص، بسبب القصف الإسرائيلي، فلا بدَّ أنه يُفكّرُ في ما يعنيه هذا له ولسلطته. وعلى الرُغم من أنه يبلغ من العمر 86 عامًا، إلّا أنَّ رئيس البرلمان لا يزال مُتمَسّكًا بالسلطة، وربما يُدركُ أنَّ إضعافَ طائفته سيجعله أضعف بالضرورة. لذلك، لديه مصلحةٌ راسخة في التوصُّلِ إلى حلولٍ وسط يمكن أن تتجنَّب مثل هذه النتيجة.
الواقع أنَّ بري يجلس عند تقاطُعِ المَنطِقَين اللذين سادا في لبنان منذ فتَحَ “حزب الله” جبهةً مع إسرائيل في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الفائت، والتي تصاعدت بشكلٍ كبير في الشهر الماضي. فمن ناحية هناك منطق “المقاومة”، الذي يُمثّله “حزب الله”، الذي دعم الصراع مع إسرائيل، بزَعمِ “إسناد” غزة.
ومن ناحية أخرى هناك منطق الدولة، حيث يشعر العديد من اللبنانيين بأنَّ بلادهم لم تَعُد ينبغي أن تجرّها جهةٌ مسلّحة غير تابعة للدولة موالية لإيران، والتي لم تُكلّف نفسها عناءَ استشارة حكومة البلاد. وهؤلاء يعتقدون أنَّ الدولة لا بُدَّ وأن تُعيدَ تأكيد نفسها، عبر المؤسسة الوحيدة التي تحتفظ بالمصداقية الوطنية، ألا وهي الجيش.
وعندما يتعلّقُ الأمرُ برئاسة الجمهورية، فإنَّ منطقَ “المقاومة” يُشيرُ إلى سليمان فرنجية، الذي أيّده “حزب الله” كمُرَشَّحٍ له، لأنه كان الشخص الأكثر قدرة على “الدفاع عن المقاومة”. في المقابل، يقود منطق الدولة إلى العماد عون، لأن الجيش لن يلعبَ دورًا مركزيًا في أيِّ نظامٍ ما بعد الحرب فحسب، بل وأيضًا في الحفاظ على الأمن الداخلي، في حين تكافح البلاد في كيفية رعاية أكثر من 1.2 مليون لبناني غاضب ونازح ومُهان.
إنَّ برّي، باعتباره رئيسًا لآخر مؤسسة حاكمة وشرعية عاملة في الدولة (رئاسة الحكومة شاغرة والحكومة تحكم بصفة مؤقتة)، سوفَ يكونُ ضروريًا في تشكيلِ واختيارِ المرشّح الفائز ــ أو على الأرجح نوع التسوية التي سوف يتمّ التوصّل إليها حول أي مرشح. وسوف يلعب أيضًا دورًا رئيسًا في إقناع “حزب الله” بقبول أي اتفاق أو تسوية، حتى ولو كان عليه على الأرجح أن يتعامل مع حزبٍ متشائم، مُتشكّك ومُتصلّب.
ومن بين الاتجاهاتِ المُحتملة التي قد يستكشفها مع أعضاءٍ آخرين من القيادة السياسية اقتراحُ حوارٍ لمناقشة استراتيجية دفاعية وطنية للبنان. وكانت مثل هذه الاستراتيجية بمثابة كلمة سر في الماضي لدمج أسلحة “حزب الله” في الدولة. وقد رفض “حزب الله” الانخراط في أيِّ مُناقشة من هذا القبيل، ولكن مع العداء العميق الذي يكنّه العديد من اللبنانيين للاستقلال العسكري للجماعة الشيعية، والذي يعزل “حزب الله” بشكلٍ خطير، وتدمير المجتمع الشيعي، فقد يكون أكثر استعدادًا للحديث عن ذلك.
وهناك أيضًا مشكلةٌ كبرى أخرى. فقد تمَّ تدمير البلدات والقرى والأحياء ذات الغالبية الشيعية في مختلف أنحاء لبنان. ولكي يتمكّن “حزب الله” من إعادة بناء هذه المساكن وتجنّب ردود الفعل العنيفة من جانب مجتمعه، فسوف يحتاج إلى طلب المساعدة من الدولة، التي تستطيع وحدها توفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار. وهذا يعني أنَّ الحزب والدولة سوف يضطرّان إلى التفاوض، وهو ما قد يُجبرُ “حزب الله” على تخفيف رفضه للتسوية.
سوف يكون بري في قلب هذه الدوّامة، وسوف يحاول توسيع هامش المناورة في ما يتصل ب”حزب الله”، مع الحفاظ على سلطته في المجتمع الشيعي والنفوذ الذي تمنحه إياه. وتشيرُ مثل هذه الحسابات إلى أنه سوف يكون لاعبًا مُهيمنًا في الأشهر المقبلة، إذا صمدت صحته. والشيءُ الوحيد غير المعروف هو ما إذا كانت إيران، التي يُقال اليوم إنها ملأت الفراغ القيادي في “حزب الله”، سوف تتعاون مع رئيس مجلس النواب.
- مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.