كيفَ سيكونُ رَدُّ إسرائيل على إيران؟

طالما استمرّت طهران في وضع نهاية إسرائيل وإزالتها من الوجود كبندٍ أساسيٍّ في أجندتها الإقليمية، فإن الإنفراج الموعود مع الغرب لن يكونَ في متناول يديها.

الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان: وجه إيران الإنفتاحي على الغرب ولكن…

أليكس فاتانكا*

بعدَ الهجومِ الصاروخي الإيراني الثاني المباشر على إسرائيل في أقلِّ من ستة أشهر، تتّجهُ كلُّ الأنظارِ إلى الخطوة التالية التي ستُقدِم عليها إسرائيل. تشيرُ التقارير إلى أنَّ الدولة العبرية تُخطّطُ لانتقامٍ هائلٍ قد يشملُ ضربَ المُنشآتِ النفطية والنووية الإيرانية وغيرها من المواقع الاستراتيجية. وقالت طهران إنها ستردُّ بالمثل في مثل هذا النوع من التطوّرات. وإذا كان الأمرُ كذلك، فقد لا يكون الخروج السلس من هذه الأزمة الأخيرة مُمكنًا. في نيسان (أبريل)، المرة الأخيرة التي انخرطت فيها إيران وإسرائيل في جولةٍ عاليةِ المخاطر من الانتقامِ المُتبادَل، اختار الجانبان بسرعةٍ التراجع، ربما بدافعٍ من الرئيس جو بايدن، الذي حثَّ إسرائيل على “انتزاع النصر” والمضي قدمًا. ويبقى أن نرى ما إذا كان خفضُ التصعيد مُمكنًا في هذه المناسبة.

لكن، هناكَ شيءٌ واحدٌ واضح. إنَّ حكومةَ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تضغطُ على طهران للاختيارِ بين مقاومتها الإيديولوجية لحقِّ إسرائيل في الوجود والمصالح الوطنية الأساسية لإيران، والتي لا ترتَبطُ بالصراع العربي-الإسرائيلي. لكن إسرائيل لا تتوقّعُ من طهران التراجع. في رسالته الأخيرة إلى الشعب الإيراني، تعهّدَ نتنياهو بأنَّ إيران سوف تتحرَّرُ من النظامِ الإسلامي “أسرع مما يتصوَّرُ الناس”، وهو التصريحُ الذي ستُفسّرهُ القيادة الإيرانية على أنه استعدادٌ إسرائيلي لضرب النظام. باختصار، منذ تشرين الأول (أكتوبر) من العام الفائت، أرادت طهران أن تستمرَّ في لعبتها الطويلة المُتمثِّلة في الضغط على إسرائيل من خلالِ حربِ استنزافٍ مُطَوَّلة مع وكلاء وعملاء إيران العرب. مع ذلك، يبدو أن الإسرائيليين يحاولون عرقلة خطط طهران ويأملون في إفشالها.

لماذا ضربت إيران مرة أخرى

خلال العام الذي انقضى منذ هجوم “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، انخرطت إيران وإسرائيل في دورةٍ من التصعيدِ التكتيكي على أملِ خفضِ التصعيد على المستوى الاستراتيجي. ومن بين أمور أخرى، بدأ وكيل إيران الرئيس، “حزب الله” في لبنان، إطلاقَ الصواريخ على شمالِ إسرائيل. ولوقفِ هجماته، طالبَ “حزب الله” إسرائيل بإنهاءِ عمليّاتها ضد حركة “حماس” في غزة. كانَ القيّمون في إيران، الراعي الرئيس لكلا المجموعتين المسلَّحتين، يستخدمون عضوًا من “محور المقاومة” لإنقاذِ وإسنادِ آخر. لكن إسرائيل اختارت عدم الانخراط في هذه اللعبة.

لم ترفض الدولة العبرية ربط عملياتها العسكرية في غزة بمطالبتها ل”حزب الله” بوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل فحسب، بل اختارت أيضًا شنَّ هجماتٍ فاجأت طهران. فمن هجوم نيسان (أبريل) على القنصلية الإيرانية في دمشق، إلى مقتل زعيم “حماس” إسماعيل هنية في طهران في تموز (يوليو)، إلى اغتيال زعيم “حزب الله” السيد حسن نصر الله في الأسبوع الفائت، تجاوزت تل أبيب الخطوط الحمراء الإيرانية واحدًا تلو الآخر. وكما كانت الحال في رَدِّ إيران في نيسان (أبريل)، شعر المرشد الأعلى علي خامنئي المُتَرَدِّد بأنّهُ مُضطَرٌّ إلى الردِّ على الرُغمِ من عدم رغبته في الإنخراط في صراعٍ مباشر مع الإسرائيليين.

في ذَهنِ خامنئي، إنَّ إسرائيل نصبت فخًّا لطهران لإجبارها على الانتقام على أملِ أن يؤدّي ذلك إلى توسيعِ الصراع وجرِّ الولايات المتحدة إليه، وهي النتيجة التي تريد طهران تجنّبها. مع ذلك، وافق خامنئي على إطلاقِ الدفعة الثانية من الصواريخ البالستية على إسرائيل. وقد لعبَ عددٌ من العوامل دورًا. كانت إيران بحاجة إلى استعادةِ احترامِ الجماعات المسلّحة العربية -وأبرزها “حزب الله” في لبنان- داخل “محور المقاومة” والإستجابةِ لدعوةِ المُتشدّدين في طهران للانتقام. بعد كل شيء، قتلت إسرائيل الآلاف من أعضاء “محور المقاومة” في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك العشرات من كبار أعضاء فيلق الحرس الثوري الإيراني.

لكنَّ الهدفَ الرئيس لطهران من الضربة الصاروخية الأخيرة هو بالضبط ما تدَّعيه إيران: إعادةُ خلقِ الردعِ وإعطاء إسرائيل سببًا للتفكير مرَّتين قبل التفكير في توجيه ضربةٍ إلى الوطن الإيراني. وهذا ما يعتبره المسؤولون في طهران المسار الطبيعي للأحداث مع تكثيف إسرائيل للضغوط على إيران. إنَّ الزمنَ والأحداثَ فقط هما اللذان سيُظهران ما إذا كانت إيران قد نجحت في ردعِ إسرائيل أم لا.

طهران لا يمكنها أن تفوز بالأمرَين معًا

هناكَ سببان رئيسان وراءَ أملِ إيران في رَدع إسرائيل في الوقت الحالي، حتى مع توقُّعِ العالم لرَدٍّ إسرائيلي. في الأمد القريب، تحتاج القيادة الإيرانية إلى ترتيب بيتها من الداخل. فقد أثبت الإسرائيليون مرارًا وتكرارًا أنهم يتمتعون بتفوُّقٍ استخباراتي وتسللوا ليس فقط إلى إيران بل وأيضًا إلى مجموعاتِ وكلائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويتطلّبُ اكتشافُ الكيفية التي تمكّنت بها إسرائيل من تنفيذِ ضربةٍ مُحدّدة تلوَ الأخرى الوقتَ لكي تقومَ السلطات الإيرانية أوّلًا ببعضِ عمليات الاستئصال الجادة للعملاء الإسرائيليين.

في هذا الصراعِ المُتَوَسِّعِ بسرعة مع إسرائيل، لا يوجدُ مجالٌ كبيرٌ للخطَإِ من جانبِ طهران. لقد أنفقت الجمهورية الإسلامية مليارات الدولارات لبناء القدرات العسكرية ل”حزب الله”، ولكنها لم تكتفِ بذلك بل شهدت تدمير المنظمة بشكلٍ كبيرٍ بعد بضعة أسابيع من العمليات الإسرائيلية المُكثَّفة. والدرسُ الذي يجبُ على طهران أن تتعلّمهُ هو تجنُّبُ المُبالغة في الطموحات بأيِّ ثمن، على الأقل في الأمد القريب.

السببُ الثاني الذي يدفعُ إيران إلى تجنُّبِ الحرب يتعلّقُ ب”الفيل الموجود في الغرفة”؛ إذ يواجه النظام في طهران، وفقًا لأغلب التقارير والمعلومات، مُعارضةً شديدة من جانب الشعب الإيراني. فهو يُحمّلُ النظامَ في طهران المسؤولية عن دفع البلاد إلى شفا حربٍ جديدة. فقد اتبع خامنئي والحرس الثوري أجندةً في السياسة الخارجية أدّت إلى عزل إيران وتدمير اقتصادها على مدى العقود الثلاثة الماضية.

وكانَ الاعترافُ بهذه الحقائق والوعدُ بتغييرِ المسار هو شعار الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان في زيارته الأخيرة إلى نيويورك. وليس سرًّا أنَّ خامنئي دعم بيزشكيان في سعيه إلى الرئاسة على أملِ أن يتمكّنَ من الحدِّ من التوتّرات مع الغرب، والتفاوضِ على اتفاقٍ نووي جديد، وتحقيقِ تخفيف العقوبات، وهو ما يحتاج إليه الاقتصاد الإيراني بشدة.

لكن ما لم يقبله خامنئي على الإطلاق في الممارسة العملية هو أنَّ أيَّ غُصنِ زيتونٍ إيراني في الساحة النووية من غيرِ المرجّحِ أن يؤدّي إلى انفراجٍ حقيقيٍّ مع الغرب طالما استمرّت طهران في وضع نهاية إسرائيل وإزالتها من الوجود كبندٍ أساسيٍّ في أجندتها الإقليمية. وهذا هو الخيار المؤلم الذي يواجهه النظام في طهران، ولن يختفي حتى لو انتهت الجولة الأخيرة من التوترات بمُعجزة بدونِ صراعٍ إقليمي أوسع.

  • أليكس فاتانكا هو مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. أحدث مؤلفاته كتاب “معركة آيات الله في إيران: الولايات المتحدة والسياسة الخارجية والتنافس السياسي منذ العام 1979”.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى