مُؤتَمَرُ تَغَيُّر المَناخ “كوب 29” المُقبل مُهَدَّدٌ بالفشلِ قبلَ أن يَنعَقِد
يبدو أنَّ مستقبل الأجيال الحالية والمستقبلية الصالح للعيش بات اليوم على المحك، ومن المؤسف أنَّ الاجتماعات التي عُقُدِت أخيرًا في بون حول شؤون البيئة وتغير المناخ قد فشلت في الارتقاء إلى مستوى الحاضر.
مارثا مولفيتاس*
يتطلّعُ معظم الناس إلى مؤتمر القمة السنوي للأطراف، أو “كوب” (COP)، للتعرُّفِ على آخر المواقف والجهود العالمية لمواجهة ومعالجة تغيّر المناخ. كثيرًا ما يتمُّ التغاضي عن الاجتماعات التقنية التي تُعقَدُ في بون، ألمانيا، في الفترة الفاصلة بين اجتماعات مؤتمر الأطراف، والتي تُشكّلُ مؤشِّرًا رئيسًا إلى التقدُّمِ المُحرَزِ في القضية الأكثر أهمية في عصرنا.
اختتمَ آخرُ اجتماعٍ من هذه الاجتماعات أعماله قبل ثلاثة أسابيع، تاركًا مسارًا غير مُؤكَّدٍ لتحقيقِ أهدافِ المناخ العالمية في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ “كوب 29” (COP29) المُقرَّر عقده في باكو، أذربيجان، في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. لقد فشل ممثلو حكومات العالم في الاتفاق على الكثير، ما أدّى إلى إحباطِ الآمال في تحقيق أهدافِ الحَدِّ من ارتفاعِ متوسّطِ درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية والتخلّصِ التدريجي من الوقود الأحفوري.
أصبحت التكاليف المستمرة للأحداث التي يُغذّيها وتقع بسبب تغيُّر المناخ واضحةً على نحوٍ متزايد، حيث أصبحت الحوادث الفردية التي تُكَبِّدُ أضرارًا بقيمة مليار دولار أمرًا شائعًا في الولايات المتحدة. وتتوقّعُ المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تصلَ قيمة الأضرار الناجمة عن تغيُّرِ المناخ إلى 1.2 كوادريليون دولار في مختلف أنحاء العالم بحلول العام 2100 إذا لم يتغيّر شيء.
يحتاجُ العالمُ بشكلٍ عاجلٍ إلى تنسيقٍ عالمي لتوحيدِ أهداف المناخ والتنمية والاستدامة، وقد ظهرت أخيرًا دعوات للقيام بذلك في ما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وسيكون هذا الأمرُ ضروريًا لتحقيقِ انتقالٍ عادلٍ للطاقة إلى اقتصادٍ خالٍ من الكربون وشامل ومُنصِف، حيث تسيرُ أهدافُ التنمية المستدامة جنبًا إلى جنب مع الاستجابات المناخية لضمانِ الوصول إلى الطاقة النظيفة. لقد بات على المحك راهنًا مستقبل الأجيال الحالية والمستقبلية الصالح للعيش، ومن المؤسف أن الاجتماعات التي عقُدِت أخيرًا في بون قد فشلت في الارتقاء إلى مستوى الحاضر.
من بون إلى باكو
بين كلِّ مؤتمرٍ للأطراف، يُعقَدُ اجتماعٌ تقني وعلمي في مدينة بون، حيث يقع المقر الرئيس لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، التي تُشرِفُ على مفاوضات المناخ. تُمهّدُ هذه الاجتماعات عادةً الطريق لما يمكن توقعه في مؤتمر الأطراف اللاحق، حيث تُحدّدُ المتطلبات التقنية التي يجب الوفاء بها لتحقيق الأهداف المحددة ومواءمتها مع أحدث علوم المناخ. وتهدفُ اجتماعات بون إلى ضمان أنَّ الاتفاقَ على هذه المعايير التقنية يضعُ جدولَ أعمالٍ لتحقيق نتائج سياسية ناجحة في مؤتمر الأطراف اللاحق. وبدون أسبوعين ناجحين في بون، فمن المحتمل أن يفشلَ مؤتمر الأطراف التالي في تحقيق الهدف.
كانَ للاجتماع الأخير، المعروف في دوائر ديبلوماسيةِ المناخ باسم مؤتمر بون “أس بي60” (SB60)، ثقلٌ إضافي يتمثّلُ في دمج أول تقييمٍ عالمي على الإطلاق في مناقشاته. بعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ “كوب28” (COP28) في دبي، اختتمَ التقييمُ عمليةً امتدت لسنواتٍ حيث تمت مقارنة الجولة الأولى من المساهمات المُحَدَّدة وطنيًا للأطراف مع الانبعاثات والحالة الراهنة للمناخ، مع إجراءِ عملياتِ تقييمٍ لاحقة كل خمس سنوات.
لتلخيصِ نتائج التقييم الأول باختصار، فشلت حكومات العالم فشلًا ذريعًا. لا بُدَّ من بذلِ المزيدِ من الجهودِ للبقاءِ ضمن هدف اتفاقية باريس المُتمثّل في خَفضِ درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية. وسوف يستغرقُ الأمرُ الكثيرَ لتحقيقِ أهدافِ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيُّر المناخ “كوب28” للوصول إلى صافي انبعاثات صِفر والتخلُّص التدريجي من الوقود الأحفوري بحلول العام 2050، ومُضاعفة حصّة الطاقات المُتجدّدة كمصدرٍ عالمي للطاقة ثلاث مرات بحلول العام 2030.
كان مؤتمرُ بون للمناخ (SB60) فرصةً لمواءمة مواقف أصحاب المصلحة بشأنِ الخطوات التالية اللازمة لتحقيقِ تلك الأهداف على الرُغمِ من الفجوة الكبيرة بين الالتزامات والنتائج التي أوضحها التقييم العالمي الأوَّل. وتشملُ هذه الخطوات الانخراط في الجولة التالية من المساهمات المُحَدَّدة وطنيًا، وتحديد أهدافٍ لتمويل المناخ، وتحديد الآليات التقنية وكل شيء آخر مطلوب لتحقيق هذه الأهداف.
ومن المتوقع أن يعطي مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب 29) الأولوية لتمويل المناخ، لا سيما في ما يتعلق بالالتزامات المالية والأدوات اللازمة لمعالجة “الخسائر والأضرار” وضمان انتقالٍ عادل. وهو أيضًا آخر مؤتمر للأطراف قبل الجولة التالية من المساهمات المُحَدَّدة وطنيًا. إن ما سيحدث في باكو سوف يخبرنا بما سيحدث في البرازيل في العام 2025 في مؤتمر الأطراف الثلاثين (كوب 30)، حيث يجب تقديم تلك المُساهمات المُحَدَّدة وطنيًا.
ومع ذلك، انطلاقًا من النتائج التي تمَّ التوصل إليها في (SB60) قبل ثلاثة أسابيع، فإنَّ مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب29) أصبح في وَضعٍ ضعيف ومُهدّدًا بالفشل بالفعل. بفضل المماطلة الروسية بشأن المرشحين المحتملين لاستضافة المؤتمر، لم يتم حتى تحديد رئاسة أذربيجان لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب 29) حتى قمة دبي في كانون الأول (ديسمبر) 2023. وعادةً ما يتم تحديد الدولة المضيفة قبل سنوات، ما يمنحها الوقت لوَضعِ جدولِ أعمال وتنظيم الخدمات اللوجستية والاستعداد من أجل الانتقال السلس بين رئاسات مؤتمر الأطراف. سوف يتفاقم الآن التأخير غير الضروري في اختيار مضيف هذا العام بسبب فشل (SB60) في التوصّل إلى مجالات الاتفاق.
نتائج مؤتمر بون
بشكلٍ عام، قدم لنا مؤتمر بون (SB60) الكثير من الملاحظات والخطوات التالية المُحتَملة على الطريق إلى باكو، ولكن لا شيءَ ملموسًا. من بين المسائل العديدة التي تركها المؤتمر بدون إجابة، لا يوجدُ مسودّةُ نَصٍّ لأخذها وتقديمها إلى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين ولا يوجدُ اتفاقٌ بشأنِ تمويل المناخ. تم تأجيل الركائز الأساسية الأخرى المتعلقة بالمرونة المناخية –مثل تجنُّب الانبعاثات وتعزيز الحفاظ عليها– إلى العام 2028.
أطلقت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، جنبًا إلى جنب مع شراكة المساهمات المُحدَّدة وطنيًا، أداةً جديدة خلال مؤتمر بون (SB60) لمساعدة البلدان على مراقبة أدائها بشأن الأهداف المناخية مع التركيز على زيادة طموحها قبل “كوب 30” (COP30). كما قامت الأطراف أيضًا بتبسيط محتوى الهدف الكمّي الجماعي الجديد بشأن تمويل المناخ، والذي في حالة نجاحه سيضمن أن يكونَ تمويلُ المناخ مُنَظَّمًا بشكلٍ جيد وشفافًا وربما يتضمّن عمليات نقل التكنولوجيا اللازمة – كل ذلك مع تحسين شروط تمويل المناخ من بنوك التنمية. في حين أن هذا سيُشَكِّلُ كيفية تنفيذ المساهمات المُحَدَّدة وطنيًا، فقد اختتم مؤتمر بون (SB60) اجتماعاته من دون وضع اللمسات الأخيرة على عملية الهدف الكمّي الجماعي الجديد بشأن تمويل المناخ، وعلى الرُغم من الكثير من الحديث حول الانتقال من مليارات الدولارات إلى تريليونات الدولارات المُحَوَّلة سنويًا من الاقتصادات المُتقدِّمة إلى الاقتصادات النامية، فقد تمَّ تركُ المبلغ الفعلي لتمويل المناخ المطلوب للمناقشة في المستقبل.
كان التكيُّف مع المناخ أيضًا على جدول الأعمال. كنتيجةٍ للتقييم العالمي لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (كوب28)، يتمُّ تشجيعُ الدول على إنشاء خطط التكيُّف الوطنية قبل نهاية العام 2025 وتنفيذها بحلول العام 2030. ومع ذلك، حتى الآن، لم يُقدِّم سوى 58 اقتصادًا ناميًا خطط التكيُّف الوطنية، وترك مؤتمر بون هذا الأمر كمعيارٍ اختياري قبل انعقادِ مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين. لقد أُنفِقَ قدرٌ كبير من الوقت على المادة السادسة من اتفاق باريس، وخصوصًا في ما يتعلق بإنشاء سوق عالمية للكربون وملاحقة خطط إزالة الانبعاثات. لم يتمّ التوصُّلُ إلى أيِّ قراراتٍ بشأن المادة 6، لكن مجموعات العمل تعتزمُ الاجتماع مرتين قبل باكو لوضع اللمسات النهائية على التوصيات.
ومن بين النتائج الأكثر إثارةً للاهتمام التي خرج بها مؤتمر بون (SB60) كان تركيزه على دور نقل التكنولوجيا في الجولة المقبلة من المساهمات المُحَدَّدة وطنيًا. في الوقت الحالي، هناك حاجة إلى عمليات نقل التكنولوجيا على مستويات مختلفة، ولكن إذا نشأ عن مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين بناءُ قُدراتٍ إضافية من خلال عمليات نقل التكنولوجيا الأكثر تنظيمًا، فإنَّ ذلك من شأنه أن يُحسّنَ تأثير القمة إلى حدِّ كبير. وعلى سبيل المقارنة، فإن بروتوكول مونتريال، الذي تَخلَّصَ تاريخيًا من استخدام المواد المُستَنفِدة للأوزون، يُدينُ بنجاحه إلى عمليات نقل التكنولوجيا.
مع ذلك، فإنَّ الطموحَ المحدود الذي تمَّ عرضُهُ في بون يُوَضِّحُ بشكلٍ أكبر الحاجة إلى نهجٍ شاملٍ ومُتَعَدِّدِ الجوانب لمعالجة أزمة المناخ، ونقل الاقتصاد العالمي إلى أساسٍ مُستدامٍ والتخلُّص من الوقود الأحفوري. يبقى أن نرى ما إذا كان “كوب 29” (COP29) سيتمكّن من الحفاظ على هدف اتفاقية باريس المُتمثّل في خفض درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية أو التخلّص التدريجي من الوقود الأحفوري وأهداف الطاقة المتجددة المتفق عليها في “كوب 28” (COP28). والأمرُ الواضحُ هو أنه من أجل القيام بذلك، لا بدَّ من توفير التمويل الكافي. هناك حاجة إلى ما يُقدَّر بنحو 8.5 تريليونات دولار سنويًا من الآن وحتى العام 2030 للإبقاء على هدف الـ1.5 درجة مئوية على قيد الحياة. وعلى الرُغم من ذلك، لا تزالُ نسبةٌ كبيرة من تمويل الطاقة تذهبُ نحو مشاريع الوقود الأحفوري، وهي الموارد المالية التي يجب توجيهها بدلًا من ذلك نحو مصادر الطاقة المتجدّدة والمرونة.
نظرًا للنتائج المُخَيِّبة للآمال التي انتهى إليها مؤتمر بون (SB60)، فقد تركت اجتماعاته نصيب الأسد من العمل ليتم استكماله من الآن وحتى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيُّر المناخ (COP29) في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ولا يزال من المحتمل أن يفتح مؤتمر باكو المقبل البابَ أمام أُطُرٍ معزّزة لتمويل المناخ ونقل التكنولوجيا، ولكن الكثير سيعتمد على ما سيحدث في مجموعات العمل الجارية والتي ستهتم بالتفاصيل التقنية من الآن وحتى موعد مؤتمر الأطراف في أذربيجان. في النهاية، إنَّ الشيطان يكمن دائمًا في تلك التفاصيل، ويرسم “SB60” صورةً غامضة لما سيأتي.
- مارثا مولفيتاس هي زميلة بارزة في سياسة الكواكب في “نيو أميركا”، وتعمل على التحول العادل للطاقة، وأستاذة مساعدة زائرة في مركز الدراسات العليا للتخطيط والبيئة التابع ل”معهد برات”، حيث تقوم بتدريس الاقتصاد البيئي.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.