مُصالَحَة إنسانِيّة قبل السياسيّة
راشد فايد*
يفتح كلام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، نهاية الأسبوع الفائت، على هامش “منتدى ميونخ للأمن”، نافذة جديدة على الوضع السوري من بين ركام الهزّات الأرضية المتكرّرة، في الشمال السوري، بضحاياها الذين يفوق عديدهم الـ 5 آلاف (وفي تركيا ما يفوق الـ40 ألفًا). وبقدر ما يؤشّر إلى تحوّلٍ في الموقف العربي، وبشكل أدَق الخليجي، من النظام السوري فإنه يحرص، أيضًا، على لفت المهتمين إلى أن الأمر ليس مستعجَلًا، مع التسليم بأن “الحوارَ مطلوبٌ في وقتٍ ما”، وأن ” الوضعَ الراهن غير قابل للإستمرار”.
يقرأ مراقبون في الكلام السعودي تخوّفًا لدى الرياض من بدء تشكّلِ “نهجٍ آخر لمعالجة مسالة اللاجئين السوريين في دول الجوار” كما قال الوزير، وربما ما يتردّد عن بقائهم في دول اللجوء هو الخطر الذي تتخوّف منه هذه الدول، وقد يُهدّدُ استقرارها، وتوازناتها الإجتماعية، ولربما لبنان هو النموذج الأكثر إقلاقًا وقلقًا.
يغلب، في النص إبداء أولوية حل الأزمة الإنسانية على الناتجة عما قبل غضب الطبيعة، وما بادرت الرياض إلى إعلانه في ميونيخ، هوإعلاء “للزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين” على الأزمة السياسية… وذلك ينبغي أن “يمرّ عبر حوارٍ مع حكومة دمشق… في وقتٍ ما” على ما قال الوزير.
تؤشّرُ الوقائع إلى أن الديبلوماسية الإنسانية سبقت الديبلوماسية بأيام عندما أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي عن مساعداتٍ لإنجاد المنكوبين بمئات ملايين الدولارات، وأرسلت الرياض طائرات محمّلة بالمساعدات لمناطق منكوبة تسيطر عليها الحكومة السورية، في إطار جهود الإغاثة من الزلزال، بعدما أرسلت مساعدات في البداية فقط لشمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة.
لكن الكلامَ السعودي على حوارٍ مع نظام بشار الأسد يحيل المتابع على عدم وفائه بالتزاماته منذ المصالحة الشهيرة التي عقدها في دمشق مع ولي العهد، حينها، والملك عبد الله لاحقًا، في مسعى لتخفيف التوتر المتصاعد في لبنان على خلفية المحكمة الدولية التي تنظر في قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل توجههما إلى بيروت. وتبع ذلك أن زار الرئيس سعد الحريري دمشق نهاية العام 2009، تحت وطأة ضغوط عربية ودولية، ثم في أيار/مايو من العام التالي.
كان مضمون الإتفاق السعودي-السوري على لجم تهوّر الوضع في لبنان، وتسهيل عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ودعم سوريا بالمال المباشر والإستثمارات لسد ديونها لإيران والتخلص من هيمنتها على النظام السوري، لكن النظام كان يضمر الغرق في حضن طهران، خصوصًا بعد اندلاع الثورة السورية لاحقًا.
علّقت جامعة الدول العربية في العام 2011 عضوية سوريا لتعبر عن معارضة الحملة العنيفة ضد المتظاهرين، وسحبت دول الخليج العربية سفراءها من دمشق، واعترف مجلس التعاون الخليجي بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بصفته “الممثل الشرعي” للشعب السوري، على أمل أن يؤدي ذلك إلى انتقال سياسي سريع للسلطة. لكن التدخّل الروسي غيّر مسار الحرب، تحديدًا بعد ما ظهر أثر الدعم الروسي للنظام في معركة حلب في العام 2017، ما ساعد “بشار الأسد” على استعادة السيطرة العسكرية على جُزءٍ كبيرٍ من البلاد. وقد كانت هذه نقطة تحوّل لأنها أثبتت أن جماعات المعارضة لن تكونَ قادرة على تغيير النظام بالقوة، فيما لم تعد الولايات المتحدة مهتمة بالضغط من أجل مثل هذا التغيير. ثم حلّت لعنة الهزات الأرضية ليكون ركامها منافذ للخروج من جمود الأزمة السورية.
كل ذلك لا يبعد السؤال: هل تغير بشار اليوم عما كان عليه قبل 14 سنة، وما عاد يراوغ كما في 2010؟
- راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
- يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).