ما هو مستقبل النظام الإيراني؟ إليكم ثلاثة سيناريوهات

بعد ثلاث سنوات من قيام النظام الإيراني المُحاصَر على ما يبدو بإسقاط طائرة أوكرانية فوق طهران، فإنه يواجه الآن تهديدًا وجوديًا داخليًا من المحتجّين.

إحتجاجات إيران: خفتت ولكن لم تتوقف.

أرش عزيزي*

مرت ثلاث سنوات منذ أن أسقطت السلطات الإيرانية طائرة الخطوط الجوية الدولية الأوكرانية في رحلتها رقم 752 فوق طهران، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب وأفراد الطاقم البالغ عددهم 176. إستغرق الأمرُ أيامًا عدة قبل أن يعترف المسؤولون بأن الطائرة قد أصيبت من قبل مُشَغِّل صواريخ كان يعتقد أنها هدفٌ مُعاد.

وقع “الحادث”، كما وصفه المسؤولون، بعد أقل من أسبوع على اغتيال قائد فيلق “القدس”، قاسم سليماني، بواسطة طائرة أميركية مُسَيَّرة في العراق المجاور. جاء إسقاط الطائرة المدنية وسط مخاوف متزايدة بين مسؤولي النظام من تصعيدٍ عسكري ضد عدوتهم اللدودة، أميركا.

بعد ثلاث سنوات على مقتل سليماني والمأساة الجوية اللاحقة، لم يحصل أقارب الضحايا الذين كانوا من إيران وأفغانستان وكندا وأوكرانيا والسويد على أيِّ عدالة. لكن يبدو أن النظام الإيراني اليوم يشعر بأنه تحت الحصار مثلما كان عليه قبل ثلاث سنوات – باستثناء أن التهديدَ المُتَصَوَّر لوجوده هذه المرة ينبع من داخل البلاد وليس من الخارج.

على الرغم من أن الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد والتي بدأت في أيلول (سبتمبر) الماضي وُصِفَت بأنها “مُفاجِئة” من قبل البعض، إلّا أنها لم تكن مفاجأة لأولئك الذين يتابعون. وبينما اندلعت شرارة هذه الاحتجاجات بسبب معارضة الحجاب الإجباري، فإن لها أسبابًا أعمق بكثير. لطالما عرف المراقبون المدركون والمتابعون للشؤون الإيرانية أن الكتابة هي على الحائط بالنسبة إلى النظام الثيوقراطي.

حتى لو لم تحدث الاحتجاجات على الإطلاق، فإن فشل النظام الأساسي واضحٌ لأيِّ مراقبٍ عادل.

مع اقتراب الجمهورية الإسلامية من الذكرى السنوية الرابعة والأربعين لتأسيسها في الأسبوع المقبل، فقد فشلت بشكل واضح في تحقيق وعودها التأسيسية الخاصة بالتنمية والعدالة. إيران في العام 2023 مُدَمَّرة اقتصاديًا (حيث انخفض الريال إلى مستوى قياسي بلغ 44,000 ريال مقابل الدولار في الشهر الماضي)، وهي معزولة ديبلوماسيًا وقمعية اجتماعيًا. والأهم من ذلك، لم يعد يُنظَرُ إلى النظام على أنه تعبيرٌ حقيقي عن الدولة الإيرانية، لكنه صار، بالنسبة إلى الكثيرين، وكأنه مجموعة غريبة تحكم البلاد. يتجلّى هذا بشكل أكثر وضوحًا في الكلمة البسيطة واللعنة التي يستخدمها الكثير من الإيرانيين العاديين الآن لوصف حكامهم: “هُم”. وقد كتب الخبير في الشؤون الإيرانية كريم سادجادبور أخيرًا في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز: “في حين سعت الجمهورية الإسلامية إلى إخضاع الثقافة الإيرانية، فإن الثقافة والوطنية الإيرانية هما اللتان تُهدّدان بالقضاء على الجمهورية الإسلامية”.

لكن إذا كان الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر، فماذا سيكون الفصل التالي من القصة الإيرانية؟ يدّعي المتظاهرون في الشوارع أنهم يقاتلون من أجل ثورة. هل سينجحون؟

من الصعب التنبؤ بالثورات، وفي إيران العام 2023، هناك العديد من المُتغيّرات تعمل، من صراع الخلافة المُتَوَقَّع في حالة وفاة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي البالغ من العمر 83 عامًا، إلى تفاعلات الأميركيين والإسرائيليين مع النظام بشأن برنامجه النووي والعسكري.

بالمعنى الواسع، يمكن تَخَيُّل ثلاث رؤى لمستقبل إيران، لكلِّ واحدة منها مؤيدوها. سوف أبدأ بالأولى التي لديها أقل فرصة للنجاح.

سوف أُسَمّي هذه الرؤية “سيناريو كوريا الشمالية”. سيُشجّع خامنئي النظام ويُعزّزه من خلال تطوير قنبلة نووية، واستبعاد أي شخص لا يشاركه رؤيته لمجتمعٍ إسلامي مناهض للغرب، واستبدال الأيدي القديمة بما أسماه بجيل جديد من “الشباب الثوري المُتَدَيّن”، وإخضاع المجتمع من خلال الانخراط في عمليات الإعدام الجماعي على غرار الثمانينيات الفائتة. إن فُرَصَ تكرار مثل هذه الفظائع حقيقية للغاية ويجب على مجتمع حقوق الإنسان الدولي أن يكون مُستعدًّا لمثل هذا السيناريو. لكن من غير المُرجّح أن يُحقّقَ خامنئي، أو أي خليفة مُحتَمَل، مثل هذه الرؤية. إيران الآن هي أكثر اندماجًا مع بقية العالم من كوريا الشمالية، ومقاومة مثل هذه الرؤية لن تأتي فقط من الجماهير ولكن من نخب الدولة التقليدية.

يقودنا هذا إلى الرؤيتين الأخريين لحياة ما بعد الجمهورية الإسلامية: الأولى ديموقراطية، والأخرى استبدادية عسكرية بقشرةٍ اجتماعية ليبرالية.

في الرؤية الأولى، التي أُسَمّيها “سيناريو كوريا الجنوبية”، يستبدل الإيرانيون النظام بديموقراطية ليبرالية تُحدّدُ فيها الانتخابات تكوين البرلمان وتخوض مختلف الفصائل والنخب الاجتماعية معاركها عبر صناديق الاقتراع. تودّ غالبية الإيرانيين التي تدعم هذه الرؤية أن تُقارن نفسها بكوريا الجنوبية، والتي ربما تكون أفضل مثال على دولة غير غربية عملت على إرساء الديموقراطية وازدهارها في الوقت نفسه. ومن الأمثلة الأخرى إندونيسيا والفلبين، وكلاهما نجح في الإطاحة بالديكتاتوريين منذ عقود واستبدالهم بديموقراطية انتخابية هشّة ولكنها فعّالة. هذه الرؤية مدعومة ليس فقط من قبل أولئك الإيرانيين الذين لديهم التزامات ديموقراطية عميقة وحقيقية، ولكن أيضًا من قبل أولئك الذين يرون أن هذا السيناريو ببساطة هو أفضل طريق للاستقرار والازدهار.

في السيناريو الثاني، تتولى شخصية عسكرية “كاريزماتية” –أو مجموعة من الضباط– المسؤولية وتواصل تنفيذ الحكم التكنوقراطي والاستجابة للمطالب الاجتماعية العديدة التي يطرحها الإيرانيون من دون منحهم حريات سياسية. في إيران هذه، يمكن للناس أن يرتدوا ما يحلو لهم، وأن يأكلوا ويشربوا ما يحلو لهم، ويستمتعوا بالمنتجات الثقافية التي يريدونها، طالما أنهم لا يتجاوزون خطوطًا حمراء سياسية مُعَيَّنة. لن تُعاني النساء من أشكالٍ مُتطرّفة من التمييز كما هو الحال الآن. سيُسمَح لهنَّ بالحصول على الوظائف التي يُرِدنَها والسفر بدون إذن وليِّ الأمر الذكر. والأهم من ذلك أن إيران هذه سوف تتخلّى عن عدائها للولايات المتحدة وإسرائيل وتتخلى عن البرامج العسكرية والنووية التي أدت إلى عقوبات وخراب اقتصاديين. يكره العديد من الديموقراطيين الإيرانيين الاعتراف بذلك، لكن مثل هذه “الإيران” ستُلبّي جُزءًا كبيرًا من المطالب التي تُطالبُ بها الحركة الحالية وستكسب الوقت مع الجماهير لبضع سنوات على الأقل.

قد يكون المستقبل القريب لإيران صراعًا بين هاتين الرؤيتين. كلاهما له العديد من المؤيّدين ومزايا وعيوب مُميَّزة ومختلفة. كثيرون من مؤيدي الرؤية الثانية موجودون أصلًا في مراكز السلطة، وعلى رأسهم الحرس الثوري الإيراني، الذي يُعَدُّ بالفعل أقوى قوة اقتصادية وعسكرية في إيران، على الرغم من أنه بعيدٌ من التماسك. خير مثال على الشخصية المطلوبة للرؤية الثانية يمكن أن يكون محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الحالي، والقائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمرشح الرئاسي الفاشل على الدوام، والذي تُعتبَر فترته كرئيسٍ لبلدية طهران من الأمثلة البارزة على مثل هذه الشخصية، بسبب كفاءته التكنوقراطية. وفقًا لأحد مساعدي قاليباف السابق الذي تحدثتُ إليه، يعتقد معظم المقربين منه أنه تكنوقراطٌ لا يحترم خامنئي أو الإيديولوجية الإسلامية المُعتَمَدة في الجمهورية الإسلامية. وسبق أن ورد أنه مُعجَبٌ بشكل خاص بإسرائيل بسبب التعاون بين صناعاتها العسكرية والمدنية. عندما غَطّيتُ النخبة الإيرانية كصحافي، سمعتُ مرارًا وتكرارًا تعليقًا مُماثلًا من المطلعين على النظام، لا سيما خلال رئاسة التكنوقراطي المماثل حسن روحاني.

الميزة الرئيسة للرؤية الديموقراطية هي أنها لها جذور عميقة في النضالات الإيرانية من أجل العدالة والحرية، والتي يعود تاريخها إلى الثورة الدستورية 1905-1906. من الواضح أنها أكثر مُلاءَمة لشعار “المرأة، الحياة، الحرية” بجذوره الخاصة في النضالات الكردية التقدّمية. تمتلئ السجون الإيرانية بأنصار الرؤية الديموقراطية، مثل نرجس محمدي ونسرين سوتودِه. ويبدو أن العيب الرئيس لهذه الرؤية هو الافتقار إلى التنظيم.

ومع ذلك، في حين أن النظام يمنع دعاة الديموقراطية من التنظيم داخل البلاد، فإن أولئك الموجودين في الخارج ليس لديهم مثل هذا العائق. استجابة للدعوات الشعبية لتشكيل “ائتلاف” مُناهِض للنظام، في 1 كانون الثاني (يناير) 2023، اتخذ العديد من الشخصيات المعارضة، بمن فيهم ولي العهد السابق رضا بهلوي، والناشِطِين مسيح علي نجاد، نازانين بونيادي وحامد إسماعيليون، خطوة: نشروا رسالة مشتركة للعام الجديد للإيرانيين وعدت أن يكون العام 2023 عام “التضامن والتنظيم” الذي يمكن أن يُحقّق “الحرية والعدالة في إيران”. وتحدث بهلوي في السابق عن شخصيات مقرها إيران مثل سوتودِه باعتبارها الأمل الحقيقي للبلاد في التغيير.

المهمة الصعبة التي تواجه أنصار الرؤية الديموقراطية هي الربط بين داخل إيران وخارجها وتنظيم صفوفهم وتقديم بديل قابل للتطبيق. قد يعتمد مستقبل إيران على ما إذا كان بإمكانهم تقديم هذا البديل أم لا.

  • آرش عزيزي هو كاتب وباحث مقيم في نيويورك، ومؤلف كتاب “قائد الظل: سليماني، طموحات الولايات المتحدة وإيران العالمية”. يمكن متابعته عبر تويتر على: @arash_tehran

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى