الحَربُ الهادئة المُشتَعِلة بين إسرائيل وإيران

تدور حربٌ هادئة وغير مُعلنة منذ أكثر من عقد بين إسرائيل من جهة وإيران ووكلائها من جهة أخرى دعتها الدولة العبرية “الحربٌ بين الحروب”. ما هي هذه الحرب وإلى أي مدى نجحت؟

بيني غانتس: إخترقت إيران هاتفه يوم كان رئيسًا للأركان في الجيش الإسرائيلي.

جوناثان شانزر*

حربٌ كُبرى تدور رحاها منذ عقد في الشرق الأوسط رُغم أنها نادرًا ما تتصدّر عناوين الصحف. شهرًا بعد شهر، وأسبوعًا بعد أسبوع، وليلة بعد ليلة، عمل الإسرائيليون في جميع أنحاء المنطقة على شنِّ ما تُسميه الحكومة الإسرائيلية “الحرب بين الحروب” (أو “الحملة بين الحروب “) ضد جمهورية إيران الإسلامية.

نَشأَةُ هذه الحرب تبدو واضحة. منذ أوائل الثمانينيات الفائتة، مَوَّلَت طهران وسَلّحَت ودَرَّبَت وكلاءً لاستهداف إسرائيل. وهذا يشمل “حزب الله” في لبنان و”حركة حماس” و”الجهاد الإسلامي الفلسطيني” في قطاع غزة، وأخيرًا الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق. تاريخيًا، حاربت إسرائيل العديد من هؤلاء الوكلاء في حروبٍ حدودية قصيرة ولكنها مؤلمة. طهران لم تدفع الثمن قط. فَضّلَ النظام الإسلامي هذه الديناميكية، ولم يُغَيِّر الإسرائيليون أبدًا قواعد الاشتباك.

لكن على مدى العقد الفائت، قلبت تل أبيب السيناريو. مع اقتراب النظام الإيراني أكثر من أيِّ وقتٍ مضى من امتلاكِ سلاحٍ نووي، فإن المخاطرَ صارت أكبر. في الوقت عينه، تُسَلِّح طهران وكلاءها بأسلحةٍ فتّاكة ودقيقة بشكلٍ متزايد بينما تسعى جاهدةً إلى نشرها بالقرب من حدود إسرائيل في استراتيجية تطويق. مع عدم وجودِ خياراتٍ أخرى، قام الجيش الإسرائيلي بضَربِ أهدافٍ إيرانية أو مدعومة من إيران بقوّة. وهذا الأمر الذي بدأ كسلسلةٍ من العمليات الخاصة تطور إلى حملةٍ عسكريةٍ كاملة.

الضرباتُ الفردية لهذه الحملة، والتي غالبًا ما يتمّ تنفيذها بدون إسناد أو اعتراف، كانت مُصَمَّمةً في البداية لمَنعِ اندلاعِ حريقٍ إقليمي. ورأى المسؤولون الإسرائيليون أن تآكلَ قدرات إيران ووكلائها سيمنع المحور من وضع أصولٍ عسكرية كافية في مواقع مُفيدة لشنِّ هجومٍ مُنَسَّق. وكما قال وزير الدفاع بيني غانتس: “أحيانًا يكون استخدام القوة، وبرهانها، قادرَين على منع الحاجة إلى استخدام أقوى للقوة”.

لكن تجنّب الصراع ومنع حدوثه إلى الأبد لا يشكّلان استراتيجية مستدامة. مع تقدّمِ البرنامج النووي الإيراني، وتكديس وكلاء طهران للأسلحة الفتاكة على حدود إسرائيل، قد تتصاعد حربُ الظلّ هذه في نهاية المطاف إلى صراعٍ أوسع يمكن أن يُمكّن الدولة العبرية من تحييد أو حتى القضاء على أهم تهديداتها.

الحرب السيبرانية

على الرُغمِ من عدم وجود بداية رسمية لـ”الحرب بين الحروب”، إلّا أنه يمكن القول أنَّ الطلقة الأولى أُطلِقَت في العام 2010 بنشر إسرائيل لفيروس “ستاكسنيت” (Stuxnet)، وهو سلاح إلكتروني مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل أدى إلى انتكاسة لبرنامج طهران النووي وتأخيره ربما لسنتين. حَصَدَ هذا الهجوم عناوين الصحف، لكنه بالتأكيد لم يكن الأخير. على مدى العقد الفائت، عمل الإسرائيليون بشكل متزايد ضد إيران في الفضاء الإلكتروني. في العام 2018، على سبيل المثال، ألقت طهران باللوم على تل أبيب في هجومٍ إلكتروني على البنية التحتية الإيرانية الحيوية، وبعد ذلك بعامين، إشتبهت الجمهورية  الإسلامية بأن إسرائيل شنّت هجمات إلكترونية ضد وكالتين حكوميتين إيرانيتين وميناء شهيد رجائي الإيراني. هذه ليست سوى عدد قليل من العمليات الإلكترونية الإسرائيلية التي تم الإعلان عنها. في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، أبلغت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية عن “تسلّلٍ غير قانوني”، يُفترض على نطاقٍ واسع أنه مُرتَبِطٌ بإسرائيل.

بالطبع، هاجمت طهران بدورها إسرائيل أيضًا عبر الفضاء الإلكتروني. في العام 2018، اخترق قراصنة إيرانيون الهاتف المحمول لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس، وهو الآن سياسي بارز. وفقًا لتقارير إخبارية، في العام 2019، كاد قراصنة إيرانيون اختراق نظام الإنذار المُبكِر الصاروخي الإسرائيلي. وفي أواخر العام 2020، سرق قراصنة إيرانيون بيانات من أربعين شركة إسرائيلية على الأقل، وحتى تمكّنوا من الوصول إلى شبكة المياه الإسرائيلية. في أوائل العام 2021، استهدف قراصنة إيرانيون باحثين طبيين إسرائيليين ووكالات حكومية وأكاديميين وغير ذلك.

أشار بعض المُحلّلين الإسرائيليين إلى مخاوف ناجمة عن نقص المعايير والقواعد المُرتبطة بالحرب الإلكترونية. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الواقع يشكّلُ مشكلة خطيرة بالنسبة إلى الدولة العبرية. في الوقت الحالي تسيطر إسرائيل وتُهيمن على إيران في هذه الساحة.

عمليات نفسية

هناك عنصرُ نفسي (سيكولوجي) لهذه الحرب الإلكترونية أيضًا. في تموز (يوليو) 2021، على سبيل المثال، وصل مُتَسَلِّلون إلكترونيون إلى لوحاتِ الرسائل في محطة السكك الحديدية المركزية في طهران ورحّبوا بالركاب طالبين منهم الاتصال بمكتب المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي.

على الرُغم من الإعتقاد بأن جماعةً مُعارضة إيرانية هي المسؤولة، من المحتمل أن تكون للإسرائيليين صلة في هذا النشاط، مما يدلُّ على القدرة على العمل في عمق إيران.

الأمرُ الأكثر إثارة للجدل داخل النظام هو عملية 2018 التي سرق خلالها جهاز “الموساد” الإسرائيلي مئات الآلاف من الوثائق من أرشيف نووي سري في ضواحي طهران، والتي أثرت في المفاوضات النووية التي كانت جارية بين إيران وقوى عالمية “5 + 1” (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا زائد ألمانيا). في إشارةٍ إلى تطوراتٍ سابقة في التسلّح كان النظام أنكرها سابقًا وبقوّة، نبّهت هذه الوثائق الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مواقع نووية كان النظام يحجبها سابقًا وأرسلت خبراءً نوويين لتقييم جبالٍ من البيانات الجديدة حول برنامج طهران النووي. ومنذ ذلك الحين عزّزت طهران أمنها الداخلي، وزاد لديها جنون الشك والاضطهاد (البارانويا) بشكلٍ مُتناسب.

الاغتيالات

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، قُتِلَ محسن فخري زاده، كبير العلماء النوويين الإيرانيين، في سيارته بواسطة سلاح يتم التحكّم فيه عن بُعد يُشتبه في أنه من صنع الموساد. لم يُزِل إغتيال فخري زاده معرفة طهران النووية المؤسّسية، لكنه وجّه بلا شك ضربة كبيرة للبرنامج، الذي قاده فخري زاده منذ العام 1989. في الواقع، كان رئيس منظمة الابتكار والبحث الدفاعي الإيرانية وبرنامج سرّي يسمى “مشروع عماد” لإجراء أبحاث حول الأسلحة النووية الإيرانية.

لم يكن اغتيال فخري زاده حدثًا مُنعَزِلًا. من المحتمل أن يكون الموساد وراء ما لا يقل عن ست هجمات أخرى ضد علماء نوويين إيرانيين منذ العام 2007. يبدو أن الوفيات المبكرة لأرديشير حسينبو (2007)، ومسعود علي محمدي (2010)، وماجد شهرياري (2010)، وفريدون عباسي دافاني (2010)، وداريوش رضائي نجاد (2011)، ومصطفى أحمدي روشان (2012)، قد صُمِّمت جميعها وهدفت لإحباط البرنامج النووي من خلال سلبه المعرفة المؤسّسية والموارد البشرية.

وبخلاف البرنامج النووي، كان الإسرائيليون في العام 2020 وراء اغتيال أبو محمد المصري، الرجل الثاني في تنظيم “القاعدة”، الذي كان يتمتّع بملاذٍ آمن في طهران. منذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، ناقش المحللون طبيعة العلاقات بين طهران و”القاعدة”. يجادل البعض بأن هذه العلاقة كانت مضطربة مع العديد من نشطاء “القاعدة” الذين يعيشون تحت الإقامة الجبرية في طهران. ويؤكد آخرون أن النظام الإسلامي قد مكّن الجماعة من ممارسة النشاط الإرهابي. لا شك أن اغتيال المصري، الذي كان يتجوّل بحرية في إيران، أعطى مظهر التواطؤ بينهما.

في أعالي البحار

إنخرطت إسرائيل وإيران أيضًا في معارك بحرية. في آذار (مارس) 2021، قصفت قواتٌ إسرائيلية سفينة نفط إيرانية مُتَّجهة إلى سوريا، وفي نيسان (إبريل)، أصابَت سفينةَ تجسّس إيرانية في البحر الأحمر وناقلةَ وقود إيرانية قبالة الساحل السوري. ثم، في أيار (مايو)، وقع انفجارٌ منسوب إلى الإسرائيليين على ناقلة نفط إيرانية أخرى قبالة الساحل السوري. وفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، كانت تل أبيب تستهدف عشرات السفن الإيرانية منذ العام 2019.

ردًّا على ذلك تلقى الإسرائيليون بدورهم ضربات إيرانية، في آذار (مارس) 2021، كانت طهران على الأرجح وراء هجومٍ على سفينة شحن إسرائيلية بالقرب من الخليج العربي، وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، أُصِيبَت سفينةٌ مملوكة لإسرائيل بصاروخٍ قبالة سواحل عُمان. في نيسان (إبريل)، تعرضت سفينة مملوكة لإسرائيل لهجومٍ قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة، وفي وقتٍ لاحق من ذلك العام، ضربت طائرة إيرانية مُسَيَّرة حاملة النفط “ميرسر ستريت” التي تديرها إسرائيل في المياه الدولية، ما أثار إدانة القوى العالمية.

المسرح السوري

وسط كل هذا، برزت سوريا على أنها أكثر ساحات المعارك حِدَّة. لقد استغلت طهران الحرب الأهلية المستمرة هناك منذ عقد من الزمن لترسيخ نفسها عسكريًا في البلاد ولتوصيل كميات كبيرة من الأسلحة المتطوِّرة إلى جماعة “حزب الله” في لبنان، فيما عملت تل أبيب وسعت لمنع حدوث ذلك.

وبينما تختلف أهداف الإسرائيليين، فإن غالبية هجماتهم تستهدف ذخائر دقيقة التوجيه مرتبطة ب”حزب الله”، والتي تزعم تل أبيب أنها “تُغيِّرُ قواعد اللعبة” لأنها تعمل بشكل كبير على تحديث “الصواريخ الكثيرة” للحزب التي تفتقر إلى الدقة، ويُمكنُ التلاعب بمسارها في الجو لتُصيب الهدف بدقة بالغة. لقد دمرت إسرائيل معظمها، لكن يعترف المسؤولون بأنَّ “بضع مئات” من هذه الذخيرة وصلت إلى لبنان.

على مدى عقد من الزمان، كانت هناك قواعد اشتباك غير مكتوبة بين الإيرانيين والإسرائيليين. تكبّدت طهران عن طيب خاطر خسائر فادحة طالما استطاعت إبصال بعض الأسلحة إلى وكلائها. قاعدةٌ أخرى غير معلن عنها هي أن لبنان، وجهة معظم هذه الأسلحة، كان محظورًا على الضربات الإسرائيلية. وكانت النتيجة آلاف الضربات في سوريا.

في السنوات الخمس الأولى، كانت تل أبيب سرّية في عملها إلى حدٍّ ما، ولم تَدّعِ أيّ مسؤولية عن أيِّ عملية. ومع ذلك، قدَّمت التقارير الإخبارية ملامح واضحة لساحة المعركة. وأشارت، على سبيل المثال، إلى غاراتٍ إسرائيلية على مركزٍ للأبحاث البيولوجية، وهجماتٍ مُتكرِّرة على أسلحة متطورة مُتَّجِهة إلى “حزب الله”، واغتيالات لقادة “حزب الله”، وحتى قتل ضباط إيرانيين.

بحلول العام 2017، بدأت الحرب الظهور والخروج من الظل. في نيسان (إبريل)، اعترض الجيش الإسرائيلي طائرات مُسَيَّرة تابعة ل”حزب الله” اخترقت إسرائيل من سوريا، وبعد شهرين، أُطلِقَت عشر قذائف على إسرائيل، ما أدى إلى غاراتٍ إسرائيلية في أنحاء سوريا. في شباط (فبراير) 2018، بعد أن أرسلت طهران طائرة مُسَيَّرة إلى إسرائيل من قاعدة طياس السورية، شنَّ الجيش الإسرائيلي غارات جوية ضد أهداف إيرانية وسورية في سوريا، بما في ذلك الدفاعات الجوية. بعد شهرين، قصف الإسرائيليون قاعدة جوية إيرانية في سوريا، ما أسفر عن مقتل سبعة جنود إيرانيين، وفي أيار (مايو)، قُتل 15 مقاتلًا إيرانيًا وغير نظامي في غارة إسرائيلية على منشأة تابعة للحرس الثوري الإسلامي. بعد فترة وجيزة، قصفت إسرائيل أكثر من خمسين هدفًا إيرانيًا في سوريا كجُزء من “عملية بيت الورق”، وفي حزيران (يونيو)، ضرب الجيش الإسرائيلي ميليشيا مدعومة من إيران في العراق، ما أسفر عن مقتل عشرين مقاتلًا وتدمير أصول عسكرية.

في شباط (فبراير) 2019، بدأت تل أبيب تُشيرُ علنًا إلى هذه الحرب غير المُعتَرَف بها عندما تَفاخَرَ رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو بضربةٍ ضدّ أهدافٍ سورية. في آذار (مارس)، أكد القائم بأعمال وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، الضربات الإسرائيلية ضد الأصول الإيرانية في حلب، وفي نيسان (إبريل)، ألمح نتنياهو إلى أن إسرائيل وراء هجوم على مصنع أسلحة إيراني. وفي أيار (مايو)، أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن استهداف بطارية سورية مضادة للطائرات.

في أيار (مايو) 2020، أبلغت منظمة غير حكومية في سوريا عن قرابة أربعين غارة جوية حتى تلك اللحظة، أسفرت عن مقتل 225 جنديًا إيرانيًا وسوريًا . في حزيران (يونيو) 2020، هاجم الإسرائيليون منشأة سورية لمعالجة البصل ومصنعًا لتغذية الماشية كان الإيرانيون قد حولوه إلى مستودعات أسلحة، بينما دمرت غارة أخرى قافلة أسلحة مُتَّجهة إلى “حزب الله” في لبنان. في أيلول (سبتمبر)، ضرب الجيش الإسرائيلي مرة أخرى قاعدة طياس الجوية، وبعد ثلاثة أشهر، قتلت غارة جوية إسرائيلية قائدًا بارزًا في الحرس الثوري الإيراني. كان الإسرائيليون يعملون بجرأة متزايدة. في الواقع، يمكن للمرء أن يكتشفَ شعورًا بالفخر بين ضباط الجيش الإسرائيلي والمشغلين في نقاشات غير رسمية أجريتها معهم حول النجاحات العسكرية الإسرائيلية في سوريا. في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، ذهب مسؤولو الجيش الإسرائيلي إلى حدِّ التأكيد على أن 90 في المئة من البنية التحتية العسكرية الإيرانية قد دُمِّرَت في سوريا.

سياسة الولايات المتحدة لم تتغيَّر

في العام 2020، أصبح مسار “الحرب بين الحروب” موضع شك. على مدى السنوات الأربع الماضية، وهي الفترة التي تُمثِّلُ الجُزءَ الأكبر من الحملة، دعمت إدارة دونالد ترامب جهود تل أبيب لتقويض النشاط الإيراني على الحدود الإسرائيلية. بعد رحيل ترامب، كانت سياسة الرئيس جو بايدن غير معروفة. تمت تسوية هذه الشكوك في كانون الثاني (يناير) 2021 عندما قصف الإسرائيليون القوات الإيرانية وقوات “حزب الله” في سوريا. ثم في تشرين الأول (أكتوبر)، قصف الإسرائيليون قواعد عسكرية سورية في حمص، تلاها بعد ثلاثة أشهر غارة على حاويات في ميناء اللاذقية السوري. لم يؤدِّ أيٌّ من هذا إلى ردٍّ من البيت الأبيض.

كشفت صور الأقمار الاصطناعية من شباط (فبراير) 2022 عن تدمير قاعدة طائرات مُسيَّرة في غرب إيران، على ما يبدو من عمل تل أبيب ردًّا على محاولة تسليم أسلحة في العام السابق إلى الضفة الغربية وغزة بواسطة طائرات مُسَيَّرة. بعد أربعة أسابيع، أطلقت طهران صواريخ على مجمعٍ في أربيل في العراق زعمت أنَّ إسرائيل تستخدمه.

في نيسان (إبريل)، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مخازن أسلحة سورية ومراكز يتم فيها تطوير صواريخ وطائرات مُسَيَّرة. وأكد تقريرٌ آخر في وقت لاحق من ذلك الشهر غارة إسرائيلية على مستودعات ذخيرة إيرانية بالقرب من دمشق بينما تم الإبلاغ عن غارةٍ مُماثلة على ذخيرةٍ بالقرب من دمشق في أيار (مايو). في آب (أغسطس) 2022، قصفت طائرات إسرائيلية غرب ووسط سوريا، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثلاثة آخرين. كما قصف الإسرائيليون دمشق وحلب في وقت لاحق من ذلك الشهر في محاولة على ما يبدو لمنع طائرات إيرانية من تسليم معدات عسكرية.

إذا كانت واشنطن غير راضية عن هذا النشاط، فهي لم تعلن ذلك علنًا حتى مع سعي إدارة بايدن إلى إبرام اتفاق نووي مع طهران.

العامل الروسي

قدّمَ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022 عاملًا جديدًا في “الحرب بين الحروب”. منذ العام 2015، وبسبب التدخّل العسكري الروسي في الحرب الأهلية السورية، اضطر سلاح الجو الإسرائيلي إلى الاعتماد على التعاون الروسي للعمل في فضاء سوريا. وقد تطلّبَ ذلك حلًّا دقيقًا للنزاع حيث يقومُ الروس بدورياتٍ في فضاء سوريا بطائراتٍ مقاتلة وأنظمة متطورة مضادة للطائرات.

للحفاظ على حملتها، لم يكن أمام تل أبيب خيارٌ سوى التعامل مع فلاديمير بوتين ومساعديه. في وقت مبكر، توصل الطرفان إلى تفاهمٍ ضمني بأن “روسيا لن تتدخّل في الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا”. لكن التبادلات لم تكن خالية من التوتر. يجب أن يعمل الطيارون الإسرائيليون في نطاق نظام “أس-400” الروسي الهائل المضاد للطائرات. ومن المحتمل أن يكون هذا قد أعاق العمليات الإسرائيلية إلى حدٍّ ما.

بعدما بدأ الجيش الروسي يتباطأ في أوكرانيا بسبب المقاومة الأوكرانية الحازمة في العام 2022، نقل بعض التقارير أن الكرملين اختار إعادة انتشار القوات والأصول من سوريا إلى أوكرانيا. ما يعنيه ذلك لإسرائيل لم يتّضح بعد. هناك طرقٌ عدة يمكن لموسكو من خلالها الاحتفاظ بوجودها العسكري في سوريا. ومع ذلك، إذا قام الروس بإزالة الأنظمة المضادة للطائرات من وسط وشرق سوريا، فقد يؤدي ذلك إلى فُرَصٍ جديدة للإسرائيليين في الحرب غير المُعترَف بها. بالمقابل، إذا تعمّقت علاقات التعاون بين موسكو وطهران، فقد تجد تل أبيب صعوبة متزايدة في العمل على حدودها الشمالية.

إستنتاج

حتى الآن، كانت “الحرب بين الحروب” استراتيجية محدودة إلى حدٍّ ما لمكافحة التهديدات الإيرانية المستقبلية. لا تزال الأسئلة مطروحة حول قابليتها للتطبيق في المدى الطويل كوسيلةٍ لضربات أوسع للتصدّي للتهديدات الوجودية والاستراتيجية الفورية من طهران ووكلائها. يشير مسؤولون سابقون إلى أن الاستراتيجية قد تساعد على احتواء المشكلة في سوريا، وحتى خارجها، ولكن لن تستطيع دفع تل أبيب للتعامل مع التهديدات الحقيقية: مخزون “حزب الله” المتزايد من الذخائر الموجهة بدقة في لبنان، وظهور منشآت إنتاج إضافية للذخائر الدقيقة في لبنان، وبناء منشآت نووية إيرانية سرية إضافية  أو، في الواقع، التقدم الشامل لبرنامج طهران النووي.

مثل هذه الانتقادات لا تلغي تأثير العمليات الإسرائيلية الجريئة والناجحة في الحرب غير المعلنة على مدى عقد من الزمان. لكن هذه الأخطار لا يمكن تجاهلها. وبالتالي قد تجد الدولة العبرية قريبًا أنه يتعين عليها اختبار قواعد الاشتباك غير المكتوبة مع طهران. قد تحتاج إلى إجراء عمليات غير متكافئة وأكثر خطورة، خصوصًا وأن “حزب الله” يُكدّس ذخائر دقيقة موجهة إضافية وتقترب طهران من الخطوط الحمراء لتل أبيب على الجبهة النووية.

حتى ذلك الحين، لا يمكن أن تتوقف “الحرب بين الحروب”. وعلى حد تعبير القائد السابق للقوات الجوية الإسرائيلية عميكام نوركين، “هذا ليس نجاحًا بنسبة 100٪. لكن بدون نشاطنا، قد يكون الوضع هنا أكثر سلبية”.

  • جوناثان شانزر هو محلل تمويل الإرهاب السابق في وزارة الخزانة الأميركية، وحاليًا نائب الرئيس الأول للأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات. وهو مؤلف كتاب “نزاع غزة 2021: حماس وإسرائيل وأحد عشر يومًا من الحرب”. يمكن متابعته عبر تويتر على: JSchanzer@
  • كُتِبَ هذا المقال بالانكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى