لماذا قد تُصبِحُ حقولُ الغازِ في لبنان نَقمَةً مُقَنَّعَة

مايكل يونغ*

في الأسبوع الفائت، وصل كبير مستشاري إدارة جو بايدن لشؤون الطاقة، آموس هوشستاين، إلى بيروت لنزع فتيل التوتّرات المُتصاعدة بين لبنان وإسرائيل بشأن حقول الغاز البحرية. كانت إسرائيل استقدمت سفينةً يونانية لتطوير حقل غاز كاريش، الذي تعتبره جُزءًا من منطقتها الاقتصادية الخالصة، لكن اللبنانيين اعترضوا على ذلك وردّوا بأن كاريش هو في منطقة مُتنازَع عليها، الأمر الذي يتطلّب محادثاتٍ لترسيم الحدود البحرية.

في حين أن الجوانب التقنية للنقاش مهمة، فإن الموقف اللبناني كان مشحونًا بالتناقض، إلى حدٍّ كبير لأن القيادة السياسية اللبنانية تتنافس على مَن يُسَيطِرُ على ملف الغاز. يبدو أن هذا الجانب هو الأهم لما تُمثّله اكتشافات الغاز للطبقة السياسية: طوق نجاة لبقائها وهيمنتها السياسية، وسط أسوأ أزمة اقتصادية واجهها لبنان على الإطلاق.

بصرف النظر عن الأبواب التي سيَفتحها استخراج الغاز للممارسات الفاسدة –السرطان الذي أدّى إلى الانهيار الاقتصادي في لبنان– يَنظُرُ السياسيون إلى هذا الغاز على أنه شيءٌ آخر. إذا تمكّن لبنان من البدء في استغلال احتياطاته في السنوات المقبلة، فإن الضغطَ عليهم للانخراط في إصلاحٍ اقتصادي سوف يتلاشى. بعد عامين ونصف من انهيار البلاد، لم تفعل الطبقة السياسية شيئًا لإصلاح الاقتصاد، ولم تُظهِر استعدادًا يُذكَر لفعلِ ذلك على الإطلاق. إن اكتشافَ الغاز سيدفع هذه الحتمية بعيدًا.

في الوقت عينه، ستسمح عائدات الغاز للقوى السياسية الانخراط في محسوبيةٍ واسعة النطاق، وذلك للمحافظة على سلطتها وهيمنتها. سيكون “حزب الله” بشكلٍ خاص قادرًا على تأمين التمويل المنتظم، على الرغم من أن أي سياسي أو حزب لن يعترف أبدًا بأنه يضع أعينه على ما ينبغي أن يكون موردًا وطنيًا. قد تكون هذه من الأكاذيب الجريئة العلنية المُماثلة لتلك التي ارتكبها جميع السياسيين اللبنانيين منذ انهيار العام 2019.

في رأيهم، إن الاستخدامات السياسية لعائدات الغاز تفوق إلى حد كبير الفوائد الاقتصادية أو التنموية المُحتَمَلة لسكان لبنان الفقراء. هذا هو السبب في أن كل جانب يسعى إلى ضمان حصوله في نهاية المطاف على وصولٍ أكبر إلى الإيرادات.

والبطلان الرئيسان هنا هما رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” وصهر الرئيس ميشال عون، جبران باسيل. كادت خلافاتهما، ومَن يُسيطر على المفاوضات على استغلال الغاز، تقوّض القرار اللبناني المُوحَّد تجاه احتياطات الغاز.

لتأمين السيطرة على ملف الغاز، انخرط عون، الذي يعمل باسيل في ظلّه، وبِرّي في لعبة بارعة واحدة. كان عون أعلن أن نصيب لبنان الشرعي من حقول الغاز البحرية هو أكبر مما طالب به، ويتوافق مع منطقة يشملها ما يسمى الخط 29. علمًا أن الموقف الرسمي، المُتضمّن في رسالة إلى الأمم المتحدة، هو أن لبنان يسعى إلى منطقة أصغر داخل الخط 23.

قدّم عون محاولته المُتطرّفة على أنها محاولة لتقويض بري، الذي لم يقدم مثل هذا الطلب. ومع ذلك، فإن رئيس الجمهورية لم يقم بإضفاء الطابع الرسمي على طلبه من خلال تعديل الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة لاستبدال الخط 23 بالخط 29. ولو فعل ذلك، لكان كاريش مجالًا متنازعًا عليه، مما يُجبر لبنان وإسرائيل على إجراء مفاوضات.

وعندما أدرك بري أن عون ينخرط في مناورات سياسية للسيطرة على المفاوضات، ردّ بطريقةٍ غير مباشرة. فقد أصدر تعليماته لممثله في اللجنة الفنية العسكرية المُشَكَّلة للتفاوض مع إسرائيل، العميد بسام ياسين، للتأكيد على أن الخط 29 هو بالفعل الخط الصحيح. كانت هذه طريقة للضغط على عون لإضفاء الطابع الرسمي على طلب الخط 29، والذي لم يكن ينوي تنفيذه مطلقًا.

في الآونة الأخيرة، تغيّرَ موقف لبنان بعد أن ألقى زعيم “حزب الله”، السيد حسن نصر الله، خطابًا يفرض فعليًا الوحدة بين القادة اللبنانيين. بعد استقبال هوشستاين، اقترح اللبنانيون شفهيًا خطًا مُعَدَّلًا يشمل حقل قانا للغاز بالكامل، لكنه يترك كاريش لإسرائيل. المبعوث الأميركي سينقل الآن هذا الاقتراح إلى الإسرائيليين، على الرغم من أن المصادر الديبلوماسية التي استشهدت بها صحيفة “الجريدة” الكويتية ذكرت أن هوشستاين لم يكن مُقتنعًا به.

هناك في الواقع العديد من العقبات قبل تصوّر صفقة نهائية مع الإسرائيليين. ومع ذلك، فإن السؤال الأكثر صلة بالموضوع هو ما إذا كان الشعب اللبناني سيستفيد من احتياطات الغاز في البلاد. إذا ذهب جُزءٌ كبير من الإيرادات إلى الطبقة السياسية و”حزب الله” للحفاظ على نظام الهيمنة والمحسوبية، فمن المحتمل أن يضر الغاز أكثر مما ينفع لبنان.

في كثير من النواحي، لم يعد لبنان مبنيًا على أيِّ عقدٍ اجتماعي يمكن تحديده. إنه يقوم على أساس تقسيم ما بعد الحرب للغنائم بين أعضاء النخبة الطائفية. منذ انتهاء الحرب الأهلية، دارت جميع الأزمات الكبرى حول السياسيين وحجم حصصهم التي سيحصلون عليها من الثروة الوطنية. القوى السياسية، التي برز الكثيرون منها خلال سنوات الحرب، لا تعرف سوى كيفية النهب، لكنها تبدو غير قادرة تمامًا على إصلاح النظام، حتى لو كان ذلك ضروريًا للحفاظ على الدولة التي يحلبون ثروتها المالية.

غاز لبنان لا يختلف. يمكن للمرء أن يرى كارثة تلوح في الأفق إذا بدأت الدولة تطوير احتياطاتها البحرية. في أيدي طبقة سياسية حيث تكون مصلحة لبنان العليا بالنسبة إليها مفهومًا غريبًا، قد يكون استغلال الغاز، بصراحة، أفضل حالًا لو أنه يفشل ولا يتم.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى