ماذا نَستَخلِصُ من صَمتِ “حزب الله” في الصراعِ اللبناني على الرئاسة؟

مايكل يونغ*

في السنوات الثلاث الفائتة منذ الانهيار المالي في لبنان، لم تفعل الطبقة السياسية في البلاد شيئًا تقريبًا لتصحيح الوضع. لم يتمَّ تنفيذُ أيٍّ من إصلاحات صندوق النقد الدولي، ولا يعتقدُ أحدٌ من اللبنانيين تقريبًا أن السياسيين سيقومون بذلك في المستقبل المنظور.

هذا لا يعني أن الوضعَ المالي والاقتصادي للبلد لم يتغيّر. لقد أجبرت الحقائق الاقتصادية، ولا سيما احتياطات العملات الأجنبية المُتضائلة، الدولة على خفض معظم الدعم والإعانات. لقد أدّى الرحيل الجماعي للموظفين المدنيين من الإدارة العامة بسبب الانخفاض الجذري في قيمة الليرة اللبنانية إلى تطهيرٍ إداري. وقاد انهيار الليرة اللبنانية، التي فقدت 96 في المئة من قيمتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، إلى انخفاضِ قيمة الدين المحلّي.

ومع ذلك، أدى تراخي السياسيين إلى معاناةٍ هائلة، ما دفع البنك الدولي إلى وصف الوضع الاقتصادي في لبنان بأنه “كسادٌ مُتَعَمَّد”. حتى الآن، لم تكن هناك مُساءلة للمسؤولين. في انتخابات أيار (مايو) الماضي، أعيدَ انتخابُ كبار السياسيين وحلفائهم في البرلمان، حيث أعاد الكثيرون من الناخبين التصويت لأولئك الذين سرقوهم.

فيما تراقب قيادة “حزب الله” الوضع كيف سيكون ردّ فعلها؟ السؤال له أكثر من قيمة أكاديمية منذ صار الحزب الشيعي على منحنى تعليمي حاد في السنوات الست الماضية. في العام 2016، فرض ميشال عون كرئيس للجمهورية وسيطر بشكلٍ أساس على معظم المناصب الرئيسة في الدولة. كان الرئيس حليفًا، وكذلك رئيس البرلمان، بينما كان رئيس الوزراء مُقَيَّدًا إلى حدٍّ كبير من قبل “حزب الله” وحلفائه في الحكومة.

ومع ذلك، فإن هذه السيطرة المُعزَّزة لم تكن مُفيدة للحزب. لقد أظهرت الأزمات المالية ورئاسة عون الكارثية ل”حزب الله” مخاطر دعم جانبٍ ضدّ الآخر في بلدٍ مُنقَسِمٍ ومُتقلّب. بحلول نهاية ولاية الرئيس، كان “حزب الله” يبحث عن طريقةٍ لتجنّبِ إلقاء اللوم عليه على تدهور الوضع، ولهذا السبب لم يدعم صهر عون، جبران باسيل، لخلافته في قصر بعبدا.

لكن، أبعد من ذلك، هل يحتاج “حزب الله” إلى التخطيطِ لفترةٍ تحوّلية أكثر في المستقبل في البلاد؟ قد يبدو هذا سؤالًا غريبًا عندما يبدو لبنان مُحصَّنًا ضد التغيير. ومع ذلك، لا يمكن للحزب أن يكون غير مبالٍ بالانتفاضة الحالية في إيران، والتي أظهرت شرخًا جوهريًا بين قيادة البلاد وجُزءٍ مُهمٍّ من المجتمع الإيراني. حتى لو أعادت السلطات فرض النظام، يعتقد العديد من المراقبين أنه سيتعيّن على النظام أن يتغيَّرَ من أجل البقاء.

كما إنَّ “حزبَ الله” قد تعلَّمَ أن النظام الطائفي اللبناني يُمكنُ أن يكونَ غدَّارًا. في العام الفائت وحده، وجد الحزب وحلفاؤه أنفسهم مُحاصَرين في ثلاثة حوادث طائفية –مع السنّة والدروز والمسيحيين– كان يمكن لأيٍّ منها أن تكون له تداعيات خطيرة ليس فقط على الاستقرار الداخلي، ولكن أيضًا على علاقات “حزب الله” مع المجتمعات الأخرى.

في هذا السياق، هل يحاول “حزب الله” تأمين وضمان دوره في لبنان بوضعه على أرضيةٍ أقوى؟ هل يعني هذا تنازلات من جانبه؟ يقول المُشكّكون لا، وقد يكونون على حق. “حزبُ الله” لن يتزحزح عن أيٍّ من مبادئه –الاحتفاظ بسلاحه، والتحالف مع إيران، وضرورة السيطرة على أعالي الدولة– إلى أن يُجبَرَ أو يَضطرَّ إلى ذلك. ولكن، من المُتصَوَّر أنه بحلول ذلك الوقت قد تكون الأمور تأخّرت وفات أوانها.

ستساعدنا بعض الأشياء التي نراقبها في المستقبل القريب على تقييمٍ أفضل لكيفية رؤية “حزب الله” للمستقبل. أظهرَ رفضه لتأييد باسيل أنه لا يريدُ أن يُحرَقَ مرة أخرى بفرضِ رئيس للجمهورية. ومع ذلك، من المفهوم على نطاقٍ واسع أنَّ “حزبَ الله” يدعم سليمان فرنجية اليوم، لكنه لم يستبعد مُرَشَّحين آخرين، بمن فيهم قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يتمتّع بدعمٍ وطنيٍّ وعربيٍّ ودولي أوسع.

سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان “حزب الله” مُستعدًّا للذهاب إلى حدّ دعم انتخاب جوزيف عون، إذا فشل فرنجية في الحصول على أصواتٍ كافية. إذا حدث ذلك، فستكون مخاطرة محسوبة. سيكون انتخابُ قائد الجيش علامةً لأجزاء أخرى من المنطقة على أن الحزبَ مُستَعِدٌّ لتقديم تنازلاتٍ بشأن مرشح. في الوقت نفسه، يظل واضحًا أنه لا يمكن لأيِّ رئيس، مهما كانت شعبيته، أن يَحكُمَ ضدّ “حزب الله”. هذا الواقع قد يجعلُ الحزب أكثر انفتاحًا على جوزيف عون.

ثانيًا، هل يدعم الحزب خطة صندوق النقد الدولي للبنان؟ يَفترِضُ معظم الناس أن “حزب الله” يؤيدها. ومع ذلك، في مقابلة مع وكالة “رويترز” في حزيران (يونيو) الماضي، كان نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، أكثر غموضًا، قائلاً إن التعافي المالي يُمثّل أولوية، وأن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كان “جسرًا ضروريًا” نحو التمويل الآخر.

العلامة الثالثة التي يجب الانتباه لها وملاحظتها هي كيفية تعامل “حزب الله” مع الدول العربية الأخرى. حتى وقت قريب، كان ردُّ فعله عدائيًا لكلِّ ما تفعله هذه الدول. ولكن، كانت هناك مؤشّرات أخيرًا إلى أنَّ “حزبَ الله” قد يسعى إلى حلٍّ وسط مع المملكة العربية السعودية. في الآونة الأخيرة، إقترح صحافي قريب من “حزب الله” مقايضة رئاسية، حيث يكون رئيس الجمهورية قريبًا من الحزب ورئيس الوزراء قريبًا من الرياض.

هناك تقارير متناقضة حول رد الفعل السعودي. يُجادلُ البعض بأن السعوديين رفضوا هذه الفكرة، بينما يقول آخرون إنهم قد يكونون على استعداد للنظر فيها. مهما كانت الحقيقة، فإن واقعَ طرح الفكرة تُظهِرُ أن “حزب الله” ربما قد يكون مُستعدًّا لتغيير موقفه.

من الأفضل عدم الإفراط في التفاؤل بشأن مرونة الحزب. ومع ذلك، في مواجهة تحديات حقيقية داخل لبنان وفي المنطقة، قد يتساءل “حزب الله” عمّا إذا كان بإمكانه الحفاظ على صعوده الحالي إلى أجل غير مُسَمَّى، أو ما إذا كان التغيير مطلوبًا. ستخبرنا الأسابيع المقبلة ما إذا كان هذا هو الحال بالفعل، أو ما إذا كان “حزب الله” لا يرى ضرورة للتخفيف من قبضته على البلاد.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى