الإِبداعُ الموسيقيُّ اللبناني بــ”تاء التأْنيث”

هنري زغيب*

في “يوم المرأَة العالَمي” (8 آذار/مارس الحالي)، وصلَني كتابٌ كأَنه لأَحتفلَ به في “يوم المرأَة”.

إِنه كتابُ “وجوهٌ موسيقيةٌ لبنانية بالمؤَنَّث” أَصدرَتْهُ في باريس بالفرنسية زينة صالح كيَّالي لدى “منشورات غوتنر” في 228 صفحة حجمًا وسطًا، كاملَ التوثيق الموازي مضمونَه الثمين. وزينة صالح كيالي أَطلقَت سلسلة “وجوه موسيقية في لبنان” وضَعَتْها حتى الآن في تسعة أَجزاء، وهذا الكتابُ اليومَ هو الجزءُ التاسع. وزينة هي أَيضًا شاركَت في تأْسيس “مركز التراث الموسيقي في لبنان”، ولا تزال تحيي أُمسياتٍ موسيقيةً في “بيت التباريس” وتُخصِّص معظمَها للفئة الموسيقية الشبابية الموهوبة.

في هذا الكتاب الجديد ثلاثةُ أَقسام: “المؤَلِّفات الموسيقيات”، “العازفات”، وسيِّدة رائدة في نشْر الموسيقى.

في القسم الأَول (“المؤَلِّفات”) سردَت نُبذةً عن كلٍّ من لور عبس، منى الأَحدب، هبَة القوَّاس، رانية عواضة، رُلى بعقليني، لَيَال شاكر، لور دكاش، بُشْرى الترك، ريتا غصن، روزَة غريِّب، إِيمان حمصي، نجلا جبُّور، ريتا كسابيان، جويل خوري، كاتيا مقدسي، فيُولين بْرنس، أَماليا سعد، الأُخت مارانا سعد، رُلى صَفَر، جوليا صفير الخوري، إِيرما تُودْجيان، سنتيا زافين.

وفي القسم الثاني سرَدَت نُبذةً عن العازفات: سامية حدَّاد فلامان، وداد مزنَّر، زْفارْت سركيسيان، ديانا تقي الدين.

وخصَّصَت القسمَ الثالث للرائدة في نشْر الموسيقى السيِّدة ميرنا البستاني التي كرَّسَت ردحًا من حياتها لـ”مهرجان البستان”،  أَسَّسَتْه واستقطبَت إِليه كبار الأَعلام في العالَم الموسيقي، وعاندَت لإِبقائه متواصلًا خمسة أَسابيع كلَّ عام حتى في أَصعب الفترات التي مر بها لبنان في ظروفٍ أَمنية وعسكرية ووطنية صعبة. وكان عنادُها رائعًا على مستوى طُموحها الذي تُواصلُهُ حاليًا ابنتُها لورا البستاني لحود، ويحتفل المهرجان هذا العام بالذكرى الثلاثين لتأْسيسه سنة 1994، وهو متواصل حتى السابع عشر من هذا الشهر.

في مقدِّمة الكتاب كتبَت المؤَلِّفة أَنَّ “المواهب النسائية الموسيقية، في معظمها، ظلَّت فترة مهمَّشةً في الأَوساط الفنية، ومحصورةً غالبًا في الحلقات الضيِّقة الخاصة”.. وها هي في هذا الكتاب تطلُّ على المشهد الموسيقي في لبنان.

ولم تقتصر المؤَلِّفة على العازفات بل ركَّزَت أَيضًا على المؤَلِّفات وهُنَّ في طليعة الإِبداع الموسيقيّ في لبنان، وبعضهنَّ شعَّ على العالَم، كما لور دكاش في مصر وديانا تقي الدين في الولايات المتحدة. وذكَرَت زينة أَنَّ “المؤلِّفات الموسيقيات تنوَّعت آثارُهنَّ فكانت غنيةً كغنى الروح اللبنانية المبدعة”. ونوَّهت بأَن معظمَ أَعمال هؤُلاءِ المؤَلِّفات موجودٌ لدى “مركز التراث الموسيقي اللبناني” المتركِّز حاليًّا لدى “معهد السيدة” في “الجمهور”. وكانت نبيلةً إِضاءَتُها على عازفات البيانو الأَربع سامية حداد فلامان ووداد مزنَّر وزْفارت سركيسيان وديانا تقي الدين، اللواتي غامَ ذكرُهُنَّ في النسيان حتى جاء هذا الكتاب يعيدُهنَّ إِلى الذاكرة. واللافت في الكتاب أَنَّ معظم مصادرِه شفويٌّ راحت المؤَلِّفة تلملِمُهُ مباشرةً من الناس الذين عرفوهنَّ أَو عرفوا عنهنَّ. وهذا عملٌ مُضْنٍ طويلٌ متعِبٌ لكنَّ المؤَلِّفة نسجَتْها معًا في سياقٍ سلِسٍ يركِّز في الذاكرة بعد اليوم هذه الوجوهَ النسائيةَ السبعة والعشرين، ويعيدُ إِليهنَّ الأَلَقَ الذي كُنَّ عليه.

شكرًا لـزينة صالح كيالي على هذا الكتاب، ولِمواصلتِها فتحَ الآفاق على التراث الموسيقي اللبناني، بمبدعيه ومبدعاته، وهو غنيٌّ لائقٌ بالإِرث اللبناني الطالع من جُذُور لبنان الأَرز والإِبداع.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى