لماذا لن يتمكَّنَ تنظيمُ “الدولة الإسلامية” من العَودةِ لمَشروعِ الخلافة

محمّد حسّان*

خَسِرَ تنظيمُ “الدولة الإسلامية” (داعش) في 23 آذار (مارس) 2019، آخرَ معقلٍ له في سوريا، بعد سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) على بلدة الباغوز، بدعمٍ جوّي وعسكري من قوات التحالف الدولي. سبق سقوط الباغوز خسارة التنظيم لجميع الأراضي التي كان يُسيطر عليها في سوريا والعراق، والتي شكّلت منذ العام 2014 وحتى هزيمته، المركز لمشروعه السياسي: :الخلافة.

قرابة أربعة أعوام مضت منذ أن بدأ التنظيم محاولاته الساعية إلى عودته الثانية، خلال هذه الفترة ظلت هجمات التنظيم تضرب الأطراف المناوئة له، مع توفّرِ فُرَصٍ كبيرة كان يمكن أن تكون عاملًا مساهمًا في عودته، أولى تلك الفُرَص جائحة “كوفيد-19″، والثانية، العمليات العسكرية التركية في شمال شرقي سوريا، إضافةً لاستمرار العوامل القديمة المُغذِّية لظهورِ التنظيم، من انقسامٍ طائفي واستمرارِ سيطرة الأنظمة السلطوية على المنطقة.

عدم استغلال التنظيم لهذه الفرص في محاولة إحياء مشروعه السياسي يعود لأسبابٍ عدّة، ساهمت بشكلٍ كبير في عدم اكتمال الظروف الموضوعية لعودته إلى حالة ما بعد العام 2014 في سوريا والعراق.

أهم أسباب عدم اكتمال الظروف لعودة التنظيم، هو بدء تعافي الأنظمة الحاكمة في دول المركز (سوريا والعراق) التي يتواجد داخلها، خصوصًا مع عودة النظام السوري وحلفائه للسيطرة على الكثير من المناطق التي خسرها بعد العام 2011 في مناطق وسط وشرق البلاد، إضافةً لتطور أداء الجيش العراقي والأجهزة الأمنية ووجود العشرات من المليشيات المحلية المدعومة من إيران بشكلٍ مباشر.

يُعَدُّ تعافي أنظمة الحكم على المستوى العسكري والأمني من أهم أسباب فشل التنظيم في العودة إلى حالة المشروع السياسي، فمرحلة انبعاث التنظيم الأولى في العام 2014، بعد سنوات من القضاء عليه على يد الصحوات العراقية في العام 2007، جاء نتيجة ضعف الحكومة العراقية، والانقسام السياسي في العراق المبني على أساسٍ طائفي، إضافةً لخروج كثير من المحافظات السورية عن سيطرة النظام، نتيجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في العام 2011.

السبب الثاني الذي ساهم في عدم عودة التنظيم للمشروع السياسي هو تراجع المدّ الإسلامي المتشدّد، هذا التراجع جاء على مستويين، الأوّل محلّي في كلٍّ من سوريا والعراق والآخر إقليمي. وتعود أسباب تراجعه إلى التجربة السيئة التي عانت منها المجتمعات المحلية من الجماعات السلفية أثناء فترة سيطرتها، خصوصًا تنظيم “الدولة الإسلامية” و “جبهة النصرة”، التي قتلت الآلاف من أفراد تلك المجتمعات بحجج الكفر والعمالة، بجانب بدء تشكّلِ حالة من الوعي تجاه التجربة المدنية كخيارٍ أفضل للمجتمع المحلي في البلدين، إضافة إلى فشل حركات الإسلام السياسي، بخاصة بعد الانقلاب العسكري في مصر، ووصول كُثر لقناعة أن المشاريع الإسلامية لن يُسمَح لها بالحُكم مهما كان نوعها وتوجهها.

أما ثالث العوامل، فهو طبيعة السكان في مناطق وجوده. بعد هزيمة التنظيم وسيطرة الأطراف المعادية له على مناطق وجوده السابقة، اضطر السكان المرتبطون بالتنظيم بعلاقات مباشرة من خلال التواجد في صفوفه، أو علاقات غير مباشرة عبر تبني أفكاره العقائدية وإيمانهم بها، إلى مغادرة تلك المناطق إلى دول الجوار أو مناطق سيطرة أطراف أخرى كما في شمالي سوريا، ما جعل التنظيم بعيدًا من حاضنته الشعبية، حيث باتت تحركاته مكشوفة، لأن معظم السكان في مناطق وجوده الحالية باتوا من الموالين للسلطات القائمة مع بعض الاستثناءات في مناطق سيطرة قوات “قسد”.

العامل الرابع لعدم تمكن تنظيم “الدولة الإسلامية” من العودة كمشروعٍ سياسي هو عدم قدرة التنظيم على استقطاب عناصر جديدة لرفد صفوفه الناشئة بمقاتلين جدد. يحتاج مشروع العودة “للخلافة” لعدد كبير من القوى البشرية لمواجهة خصومه في المنطقة، ولذلك دفع فشل عمليات الاستقطاب التنظيم لمحاولة تحرير مقاتليه المحتجزين لدى “قوات سوريا الديموقراطية”، عندما شنَّ نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي هجومًا على سجن الصناعة في محافظة الحسكة والذي يضم الآلاف من مقاتليه السابقين، لكن عملية التنظيم فشلت بعد مساندة التحالف الدولي لقوات “قسد” على الأرض.

العامل الخامس الأخير الذي ساهم في منع عودة التنظيم كمشروع سياسي، هو تراجع حالة الانتشار الواسع للسلاح، وخسارة التنظيم لكثيرٍ من مصادر التمويل التي كانت تصب في خزانته. عدم توفر السلاح كمًّا ونوعًا سوف يُجبر التنظيم على البقاء في حالة عسكرية تتناسب مع تلك الإمكانات، وهي حرب العصابات وحروب الاستنزاف، وهذا النموذج من التكتيكات العسكرية يساهم في بقائه كمنظمة هدفها الإزعاج لا الإنجاز، أما عودته ضمن مشروع سياسي فتحتاج لكميات كبيرة من الأسلحة كالتي حازها بعد سيطرته على الموصل والتي ساهمت في تواجده كمشروع في 2014 وحتى سقوط الباغوز في 2019.

  • محمد حسان هو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط وطالب ماجستير في قسم العلاقات الدولية في المدرسة العليا للصحافة في باريس. يمكن متابعته عبر تويتر على: @mohammed_nomad

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى