مأزقُ أبوظبي

هجوم 17 كانون الثاني (يناير) على أبو ظبي سيُجبر الإمارات العربية المتحدة على اتخاذِ أحد خيارين، غير مرغوب فيهما.

ألوية العمالقة: غيّرت سير المعركة ضد الحوثيين

أحمد ناجي*

جاء الهجوم على أبو ظبي في 17 كانون الثاني (يناير) رد ّفعلٍ ل”أنصار الله”، المعروفين بالحوثيين، لتحييد الدور الإماراتي في العمليات العسكرية الأخيرة في محافظتَي شَبوة ومأرب. وهذا الأمر سيُجبر دولة الإمارات العربية المتحدة على اتخاذِ قرارٍ بشأن دورها في حرب اليمن، حيث لا يوجد أمامها سوى القليل من الخيارات الجيدة.

في الحادث الأخير، شنّ الحوثيون المدعومون من إيران هجومًا بطائرةٍ مُسَيَّرة بالقرب من مطار أبوظبي، فضلًا عن هجومٍ صاروخي، بحسب المتحدّث باسمهم. أشعل هجوم الطائرة بدون طيار النار في شاحنات وقودٍ انفجرت وقتلت ثلاثة أشخاص.

لفهم السياق، نحتاج إلى فحص ما حدث في اليمن في الأشهر الأخيرة. في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، أعادت قواتٌ، تُشكِّلُ جُزءًا من التحالف الذي تقوده السعودية الذي يقاتل الحوثيين، انتشارها من محافظة الحديدة إلى جبهة شبوة. وكان من بينها ألوية العمالقة، الميليشيا التي تدعمها الإمارات والمُنَظَّمة بشكلٍ أفضل من أيٍّ من الوحدات العسكرية الأخرى المدعومة من التحالف.

من خلال هذه الخطوة، سعى التحالف إلى إعادة تعريف قواعد الاشتباك في اليمن. وشمل ذلك إرسال قوات التحالف إلى جبهات أخرى، بعد تجميد جبهة الحديدة بفضل اتفاقية ستوكهولم. وكان الهدف الأساس وقف التقدّم العسكري للحوثيين في شبوة ومأرب، لا سيما بعد أن سيطرت الجماعة على مناطق عدة في المحافظتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وقد حدث هذا التقدّم مع تعثّر المفاوضات في عُمان بين المملكة العربية السعودية والحوثيين.

تَطَلَّبَت الخطّة العسكرية الجديدة للتحالف إجماعًا بين السعوديين والإماراتيين. وسهّل ذلك التغييرات الإدارية في شبوة من أجل تلبية شروط الإمارات لإعطاء الضوء الأخضر بمشاركة حلفائها المحلّيين في المعركة. وكانت الإمارات طالبت بإقالة المحافظ محمد صالح بن عديو المدعوم من “حزب الإصلاح” المحسوب على جماعة “الإخوان المسلمين”. وقد حلّ محله عَوَض العَولَقي الذي تربطه علاقات طيبة بالإمارات. بالإضافة إلى ذلك، عادت قوات النخبة الشبوانية المدعومة إماراتياً إلى شبوة بعد تغيير اسمها إلى قوات دفاع شبوة.

وبدأت ألوية العمالقة مطلع كانون الثاني (يناير) الجاري عملية عسكرية لطرد الحوثيين من المناطق التي يسيطرون عليها في شبوة. في أقل من عشرة أيام، استعادت مع قوات الحكومة اليمنية منطقتَي عسيلان وبيحان وأجزاءً كبيرة من العين. إنتقلت المعركة إلى مديرية حريب في مأرب. ستسمح السيطرة على حريب للقوات المدعومة من التحالف السيطرة على جميع مناطق العين وعلى خطوط الإمداد على الجبهة الجنوبية لمأرب، مما يشكّل ضررًا وخسارة ومشكلة للحوثيين.

كانت عودة القوات المدعومة من الإمارات إلى المعركة ضد الحوثيين خطوةً مُهمّة، بعد أن أعلن الإماراتيون في تموز (يوليو) 2019 انسحابهم من اليمن. وزعم الحوثيون حينها أنهم توصّلوا إلى تفاهمٍ مع دولة الإمارات، وافق فيه الإماراتيون على عدم تصعيد الموقف في غرب اليمن، وإلّا سيتم استهداف الأراضي الإماراتية. ومن الجدير بالذكر أنه حتى هذا الأسبوع، لم تكن هجمات الحوثيين بطائرات بدون طيار وصواريخ – وهي القدرة التي اكتسبوها في منتصف العام 2017 – تشمل الإمارات العربية المتحدة، ولكنها كانت مُوَجَّهة حصريًا ضد المدن السعودية. وهذا يُفسّر سبب تهديد قادة الحوثيين للإمارات بشكل أساسي خلال العمليات العسكرية الأخيرة في شبوة.

أحد الأسئلة الرئيسة الذي لم يتم الإجابة عنه هو ما إذا كان الحوثيون هم بالفعل من شنّوا الهجوم على أبو ظبي، أو ما إذا كان دورهم هو إعلان المسؤولية عن هجوم نفّذته إيران. المسافة بين صنعاء وأبو ظبي حوالي 1500 كيلومتر وهناك شكوك في أن الحوثيين كان بإمكانهم تنفيذ ضربة دقيقة من اليمن. واستذكر الكثيرون الهجوم على منشآت أرامكو في بقيق في أيلول (سبتمبر) 2019، والذي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنه، لكن لجنة تابعة للأمم المتحدة اختلفت معهم لاحقًا. وأشار المراقبون بأصابع الاتهام إلى طهران باعتبارها الجاني الحقيقي في ذلك الهجوم.

عندما وقع الهجوم على أبوظبي هذا الأسبوع، ربما لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، في اجتماعٍ مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. والتقى عبد السلام في الأسبوع الفائت بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في عُمان. يبدو أن طهران تستفيد من حرب اليمن لترهيب جيرانها الخليجيين وتُبيّن لهم أنه سيتعيّن عليهم أخذ المصالح الإيرانية في الاعتبار في المستقبل، وإلّا سيتعرّض أمنهم واستقرارهم للخطر.

من حيث التدمير، كان الهجوم على الإمارات محدودًا نسبيًا. لكن تأثيره الحقيقي هو أنه يقول للقادة الإماراتيين أنه إذا لم يُغيِّروا سلوكهم فسيتم إدراج بلدهم على قائمة أهداف الحوثيين من الآن فصاعدًا. وسبق الهجوم استيلاء الحوثيين على السفينة الإماراتية روابي قبالة ساحل الحديدة في البحر الأحمر في الأسبوع الفائت. وكانت السفينة تنقلُ معدّاتٍ طبية وعسكرية عائدة للقوات السعودية من جزيرة سقطرى اليمنية.

هذه الحادثة ستضع الإمارات أمام خيارين. الأول الانسحاب من التصعيد في مأرب وتركيز عملياتها على مناطق بعيدة من خط المواجهة مع الحوثيين. إذا تراجعت الإمارات، فمن المحتمل أن يبقى الهجوم هذا الأسبوع مجرد رسالة من الحوثيين لتذكير الإمارات بعدم زيادة تدخلها العسكري. ومع ذلك، قد يعني هذا أن الإماراتيين سيظلّون عرضةً لهجمات الحوثيين أو داعميهم. علاوةً على ذلك، فإن مثل هذا الخيار من شأنه أن يُضعِفَ مرة أخرى شراكة الإمارات مع المملكة العربية السعودية.

الخيار الثاني هو على العكس، أن تُصعِّدَ الإمارات تدخّلها العسكري والسياسي والديبلوماسي في اليمن. ولكن، للقيام بذلك، ستحتاج إلى تعزيز دفاعاتها الجوية للحماية من أي ردود عسكرية مُحتَملة في المستقبل. كما أنه سيُجبر الإمارات على إعادة النظر في استراتيجيتها في اليمن ومواءمة نهجها العسكري هناك مع المملكة العربية السعودية. علاوة، يُمكن أن يكون لذلك تأثيرٌ سلبي في علاقات الإماراتيين مع إيران، وقد يقوِّضَ الدفء الأخير في العلاقات بين البلدين.

ومهما قررت الإمارات، ستظل تداعيات الحادث الأخير حاضرةً في كيفية تقدّم الصراع في اليمن. هذا هو أحدث مثال فقط على كيفية انتشار الحرب خارج حدود اليمن لتكون لها تداعيات كبيرة على المنطقة الأوسع. ويؤكّد هذا الاتجاه السبب الذي يجعل حلّ النزاع أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى.

  • أحمد ناجي هو باحث غير مقيم في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركز أبحاثه حول اليمن. يمكن متابعته عبر تويتر على: @AhmedNagiYE

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى