هلّ يَعودُ الدور العربي لحَلِّ الأزماتِ والحُروبِ العربية؟

الدكتور ناصيف حتّي*

كيف يبدو المشهد العربي في مطلع السنة الجديدة؟ دولٌ ما زالت أسيرةَ حروبٍ مُتعدّدةِ الأوجه والأسباب واللاعبين مثل سوريا واليمن وليبيا. ودولٌ تعيش ازماتٍ قاسية وذات تداعياتٍ خطيرة عليها إذا ما استمرت وتصاعدت هذه الأزمات مثل لبنان والسودان وتونس. ولا ننسى بالطبع الحالة الصومالية المُستَمِرّة منذ عقود من الزمن والتي صارت نموذجًا للدول الفاشلة بحيث صار يُشار إلى الصَومَلة للتعبير عن حالة الدولة الفاشلة. وهناك أيضًا حالة العراق الذي أخذَ مسارَ الخروج، وليس ذلك بالأمر السهل، من أسر أو من دورٍ فُرِضَ عليه كمسرحٍ وكورقةٍ في لعبة الصراع في الإقليم الشر ق أوسطي بعد إسقاط النظام السابق في نهاية العام ٢٠٠٣. وكان مؤتمر بغداد في ٢٨ اب (أغسطس) الماضي مُنطَلَقًا رسميًّا لهذا التوجّه الجديد الذي ما زال يُواجِهُ الكثير من التحدّيات، كما تدل على ذلك الأزمة الراهنة حول تشكيل السلطة الجديدة بعد الانتخابات. وما شجّع ودعم هذا التوجّه الجديد هو الدور العربي العائد إلى العراق، كما دلت على ذلك كافة أشكال وصيغ التعاون التي قامت بين العراق وعددٍ من الدول العربية في مجالاتٍ عدة .

وفي إطارِ هذا المشهد الإقليمي، كنا  أشرنا في مقالةٍ سابقة (منذ شهر) إلى مساراتٍ ثلاثة يعيشها الإقليم الشرق أوسطي. ونُذكّر بها وهي المفاوضات النووية في فيينا، والمباحثات التي يصفها كثيرون بالاستكشافية بين بعض الدول العربية الخليجية وإيران، والتي تهدف الى مدِّ جسور الحوار بين الأطراف المَعنية في القضايا التي تهمّ هذه الأطراف. وأخيرًا تأتي عملية التطبيع السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والأمني التي تقوم بها دول عربية مع دمشق بسرعات مختلفة. ومن أهداف هذا المسار إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في القمة العربية في آذار (مارس) المقبل، رُغمَ أن هذا التوجّه ما زال يُواجِهُ مُعارضةً من عددٍ من الدول العربية من حيث توقيته. مساراتٌ ثلاثة تحمل سيناريوهات مختلفة وتؤثّر كما تتاثّر بعضها ببعض وتُساهم في تحديد طبيعة المشهد الجديد في المنطقة، أيًّا كانت النتائج التي تؤدي  إليها هذه المسارات.

مُتغيِّراتٌ أُخرى تُساهم أيضًا في طبيعة هذا المشهد، منها التغيير الذي حدث وتكرّس في السياسة الخارجية التركية من خلال التخلّي عن سياسة الأمس الناشطة والرافعة للواء التدخّل في شؤون الآخرين باسم الإيديولوجيا، والعودة إلى سياسةٍ يحكمها منطق الدولة وخدمة مصالحها الوطنية. هذا التغيير أسقط حاجزًا أساسيًا أمام تطبيع تركيا لعلاقاتها مع عدد من الدول العربية، لا بل شكّل قوة دفع تسمح بإعادة صياغة هذه العلاقات على أُسُسٍ جديدة .

مُتغَيِّرٌ أساسي آخر تَمثّل في الأجواء التي سبقت وواكبت انعقاد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي دلّت على منحى جديد ناشطٍ وفاعلٍ  للعمل الخليجي المُشتَرَك على  المستويين الخليجي والإقليمي الواسع. كما عكست أيضًا صيغة التعاون المصري-الخليجي (6+1) الهادفة إلى تعزيز وتعميق التعاون القائم بين الطرفين في المجالات المُختلفة، ما يُمكِن وصفه بنقلةٍ نوعيّةٍ في تعزيز أهداف ومضامين هذا التعاون الأكثر من ضروري في إقليمٍ يُواجِهُ العديد من التحدّيات .

من المُلاحَظ في خضم ذلك كله، غياب الدور العربي كوسيط صانع للسلام (كمجموعة عربية وليس كأطرافٍ عربية منفردة) في الحروب والصراعات والأزمات العربية القائمة، والتي أشرنا إليها سابقًا. أمام هذا الغياب تتصدّر الأطرافُ الإقليمية والدولية مَشهدَ البحث عن حلولٍ وتسوياتٍ بالتعاون المباشر أو غير المباشر في ما بينها في هذه الأزمات.

والسؤال الذي نطرحه ويطرحه الكثيرون اليوم: ألم يحن الوقت لتعريب الحلول لأزماتنا وحروبنا المختلفة والتي يدفع العرب، إقليمًا ودولًا ومجتمعاتٍ، تكلفتها بأشكال مُختلفة؟ سؤالٌ علّنا ننجح في الإجابة عنه في مطلع هذا العام.

  • الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي لجامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم لها لدى منظمة اليونسكو.
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” – (لندن) – توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار”- بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى