جان كميد: كُتَّابُ العرب في “الرسالة” اللبنانية (2 من 2)

العدد الخاص عن جبران

هنري زغيب*

في الجزء الأَول من هذا المقال (“أَسواق العرب” – الثلثاء 10 آب/أُغسطس هذا الأُسبوع) مرَّ كيف اكتشفتُ الياس أَبو شبكة من خلال مجلة “الرسالة” اللبنانية التي، حين تعرَّفتُ بمؤَسسها ورئيس تحريرها جان كمَيد (1930-2020)، أَهداني مجموعةً من أَعدادها العادية والخاصة فتَحَتْ لي آفاقًا على نخبة أُدباء من لبنان والعالم العربي كانت “الرسالة” منبرَهم الأَدبيَّ الراقي. فماذا عن تلك الأَعداد؟

ما إِن تناولتُ أَعداد “الرسالة” من الأُستاذ جان (كما كنا دومًا نخاطبه، برغم تَقَشُّفِه عن كل لقَب) حتى رحتُ أَهنَأُ إِلى كتَّابها تسطع نصوصُهم في كل عدد. كانوا يومها جُدُدًا على “مجهولاتي” الأَدبية الواسعة (في منتصف الستِّينات) وأَنا عند مطلع عهدي بالأَدب ومعظمهم في ربيع شبابه الأَدبي. واليوم، حين أَسترجع أَسماءَهم، أُكْبِرُ جهود جان كمَيْد حِقْبَتَذَاك في الاتصال بهذا الحجم الكبير من الأُدباء العرب – على بُطْءِ المراسلات العادية – يراسلونه ويرسلون إِليه نصوصُهم فلا يخلو عدد من كتاباتهم شعرًا ونثرًا.

العدد الخاص عن عُمَر فاخوري – الغلاف بريشة بيار صادق (1956)

ساطعون في الرسالة

هي ذي باقة منهم، غاب اليوم معظمُهم لكن نصوصهم حاضرة في “الرسالة” طيلة أَربع سنوات صُدُورها (1955-1958).

من العراق: زهير أَحمد (1932-2012)، عبدالخالق فريد (1932-2021)، علي الحلّي (1930)، محمد النقْدي (1926-2004)، موسى النقْدي (1933-2015)، حارث طه الراوي (1929-2014)، جبرا ابرهيم جبرا (1919-1994)، …

من سوريا: زكي المحاسني (1909-1972)، نديم مرعشلي (1926-1999)، خليل هنداوي (1906-1976)، نظير زيتون (1896-1967)، …

من مصر: ابرهيم شعراوي (1929)، وديع فلسطين (1923)، …  من الأُردن: عيسى الناعوري (1918-1985)، …

ومن تواريخ ولاداتهم يتَّضح أَنهم كانوا عهدذاكَ إِما في مطالع حياتهم الأَدبية، أَو مكرَّسين في عز عطائهم الأَدبي، راسَلَهم جان كمَيد وقطف نصوصهم فزَخر كل عدد بباقة من أُدباء لبنان والعالم العربي.

من لبنان لا حصر لتعداد أَسمائهم. معظمهم غابوا عنا، وهنا بعضهم: “أَديبة الفيحاء” جيهان غزاوي عوني، إِحسان عباس، نقولا زيادة، كمال يوسف الحاج، الأَخطل الصغير، جبرائيل جبور (مقالات عن التراث العربي القديم)، أَسَد رستم، عبدالله حشيمة، عبداللطيف شرارة، أَنيس فريحة، أَحمد سويد، ماغي الأَشقر الحاج، جورج جرداق، ليلى بعلبكي، … ولفَتَني أَنْ مع كل قصيدة لسعيد عقل كانت في آخر النص ملاحظة: “أُجيز لـ”الرسالة” نشْرها مرة واحدة”.

جان كمَيد والأَخطل الصغير: حديث خاص لــ”الرسالة” (1957)

شاب موهوب: أُنسي لويس الحاج

وتَلْفت أَيضًا على صفحات “الرسالة” مقالات في الفن بتوقيع “أُنسي لويس الحاج”، منها: “الأُفيون المقدَّس” (السنة الأُولى- العدد التاسع – أَيلول/سپتمبر 1955)، و”السمفونيا التاسعة لبيتهوڤن” (السنة الأُولى- العدد العاشر – تشرين الأَول/أُكتوبر 1955). ذلك أَن أُنسي، يومذاك في الثامنة عشرة (تلميذَ صفَّ الفلسفة في معهد “الحكمة”) وفي مطلع حياته الأَدبية، كان في حاجة إِلى ضَمّ اسم والده مع اسمه (كما صرَّح لاحقًا في حديث صحافي) ولويس الحاج في عز شُهرته الصحافية أَحد أَركان جريدة “النهار”.

جان كمَيد وميخائيل نعيمه أَبرز كتاب “الرسالة”

جبران أَول عدد خاصّ

قبل أَن تنتهي السنة الأُولى، وفي بادرة لافتة من الصحافة الأَدبية بإِصدار أَعداد خاصة، هيَّأَ جان كمَيد أَول “عدد مميَّز” لــ”الرسالة” (السنة الأُولى – العدد السابع – تموز/يوليو 1955) وراسل كبار أُدباء تلك الفترة فطرَّزت نُصوصُهم ذاك العدد: ميخائيل نعيمه، شارل قرم، جورج جرداق، عبدالله لحود، روز غريِّب، حسين مروّه، عبداللطيف شرارة، سهيل إِدريس، نقولا قربان، واصف البارودي، أَنطُون قازان، بولس أَسعد الشرتوني، … وباتت اليوم نُصوصهم في ذاك العدد مراجع للدراسات الجبرانية.

جان كمَيد وأَنطُون قازان (1953) قُبَيْل صدور “الرسالة”

ثُرَيَّا أَعداد مميَّزة

لم تنقضِ خمسة أَشهر على العدد الخاص بجبران حتى افتتح جان كمَيد السنة الثانية من “الرسالة” بعدد خاص عن عمر فاخوري (العدد الأَول – كانون الثاني/يناير 1956) تأَلقت فيه أَقلام: مخائيل نعيمه، رئيف أَبي اللمع، موريس صقر، محمد يحيى الهاشمي، الياس خليل زخريا، حسين مروّه، محيي الدين النصولي، جورج جرداق، زاهية قدُّورة، عبداللطيف شرارة، مارون عبود، أَلبير أَديب، فؤَاد افرام البستاني، سامي كيالي، رئيف خوري، فؤَاد كنعان، هاشم الأَمين، خليل تقي الدين، جورج حنا، رضوان الشهَّال، لطفي حيدر، مصطفى فروخ، عيسى الناعوري، نديم مرعشلي، قدري قلعجي، علي سعد، نقولا قربان. وكان غلاف العدد بثلاثة أَلوان يملأُه رسْم كاريكاتوري طريف لعمر فاخوري بريشة بيار صادق.

وتتالت بعدذاك الأَعداد الخاصة: الياس أَبو شبكة (السنة الثانية – العدد الخامس – أَيار/مايو 1956)، أَمين الريحاني (السنة الثانية – العدد الثامن – آب/أُغسطس 1956)، خليل مطران (السنة الثالثة – العدد الخامس – أَيار/مايو 1957)، فوزي معلوف (السنة الثالثة – العدد الحادي عشر – تشرين الثاني/نوڤمبر 1957)، إيليا أَبو ماضي (السنة الرابعة – العدد الثاني – شباط/فبراير 1958).

شخصية العدد

لم أَذكر جان كمَيد بين كتَّاب “الرسالة” لأَنه لم يكن رئيس التحرير وحسْب، بل كانت مقالاته التحليلية في كل عدد تقريبًا، وخصوصًا في باب “شخصية العدد”، كنصوصه النقدية عن الياس أَبو شبكة (العدد الخاص به)، وأَمين نخلة (السنة الأُولى – العدد الثالث – آذار/مارس 1955)، ونزار قباني (السنة الأُولى – العدد الخامس – أَيار/مايو 1955) والأَخطل الصغير (السنة الثانية – العدد السادس – حزيران 1956)، وبولس سلامة (السنة الثالثة – العدد السابع – تموز/يوليو 1957) وسواهم.

ومع المجلة الشهرية وُلدَت “دار الرسالة” للنشر، وباكورة منشوراتها: “الإِمام علي صوت العدالة الإِنسانية” لجورج جرداق مع مقدمة مستفيضة لميخائيل نعيمه.

أَبواب ثابتة

وعلى دُرجة الصحافة الأَدبية الراقية، ازدهرت أَعداد “الرسالة” بأَبواب ثابتة في كل عدد، منها: “كتاب الشهر” (أَديب معروف يعالج كتابًا صدر حديثًا)، “استفتاء الشهر” (مواضيع وقضايا راهنة)، “الرسالة في الجامعات وقُصُور العلم”، “طرائف الأُدباء والفنانين”، “مكتبتُنا الشهرية” (مراجعة كتب)، “باب المترجمات” (مواضيع أَدبية وعلْمية عالمية)، “الحركة الأَدبية في شهر”، “في جعبة الرسالة” (نصوص قصيرة يكتبها هواةٌ، بعضهم لمع في ما بعد، كــ”الآنسة ڤينوس عبدالساتر” وهي اليوم الشاعرة المعروفة ڤينوس خوري غاتا).

هكذا، في حقبة خصيبة من الأَدب (كانون الثاني/يناير 1955 – أَيار/مايو 1958) شكَّلت “الرسالة” تراثًا أَدبيًّا يعاد إِليه منْهلًا غنيًّا من نصوص تبقى روافدَ عذبةً بأَقلام كبارٍ طواهم العمر إِلى الغياب لكنَّ صفحات “الرسالة” حاضرةٌ بهم، ولو انها – أَقولُها بأَسى وحُرقة – تسكُن اليوم صامتةً في أَوراق ذابلة من عطش النسيان، راقدةً منسيَّةً خلف غفْلة الزمان.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى