تغيُّر المناخ هو العدو الأخطر للمنطقة
أسامة الشريف*
على مدى عقود، حذّر العلماء الحكومات من الآثار الكارثية للإحترار العالمي، الناجم عن انبعاثاتِ غازات الاحتباس الحراري، على تغيّر المناخ، ودعوا إلى اتّخاذِ تدابير جذرية للحدّ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، التي هي من صنع الإنسان، باعتبارها الطريقة الوحيدة لمنع كارثة بيئية في جميع أنحاء العالم. ولكن منذ التوقيع على بروتوكول كيوتو في العام 1997، صادق فقط 55 بلداً من أصل 84 بلداً وقّعت أصلاً عليه. بين ذلك الحين والآن، مع القليل من الجهود التي تبذلها الدول الرئيسة الباعثة للغازات، يجد العلماء أن توقّعاتهم الأصلية لن تُصيب الهدف المُعلَن، وأن العالم يتجه نحو تأثيرات تغيّر المناخ الحادة في وقت أقرب مع تداعياتٍ كارثية أكثر مما كان مُتَوَقَّعاً.
في الأسبوع الفائت، حذّرت مسودّة تقريرٍ أعدّته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة من أن درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط سترتفع بحوالي 20 في المئة عن المتوسطات العالمية في العقود المقبلة مع تعرّض المنطقة لموجاتِ حرٍّ مُدَمِّرة ونقصٍ في المياه، وفقدان التنوع البيولوجي، ومخاطر بالنسبة إلى إنتاج الغذاء. تزامن إصدار هذه النتائج الأوّلية مع اندلاع أسوأ حرائق عرفتها الغابات، ويرجع ذلك أساساً إلى ارتفاع الحرارة إلى درجات قياسية، حيث اشتعلت النيران في مناطق شاسعة من الغابات في تركيا واليونان وقبرص ولبنان والجزائر وتونس في الأسابيع القليلة الماضية.
في المقابل، ضربت الفيضانات غير الموسمية، بسبب السيول الصيفية، مناطق شاسعة من الجزائر ما أدّى إلى انهياراتٍ أرضية وسقوط ضحايا. وشهد اليمن أيضاً فيضانات وأضراراً جسيمة في الممتلكات، بينما نزل الإيرانيون إلى الشوارع في جنوب غرب إيران للاحتجاج على نقص المياه المُستشري بسبب سنوات من الجفاف. ويشهد نهرا دجلة والفرات في العراق مستويات تاريخية منخفضة من المياه، ويرجع ذلك جزئياً إلى الجفاف ولكن أيضاً لأن تركيا وإيران تتحكّمان في تدفق المياه عبر السدود. كما أن مواسم الأمطار السيئة تسبّبت في حدوث حالات جفاف في سوريا والأردن نتج عنها نقصٌ حاد في مياه الشرب.
لا تقتصر أحداث تغيّر المناخ هذه على مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولكن تم توثيقها في جميع أنحاء العالم؛ من حرائق الغابات التي لا يمكن السيطرة عليها في أميركا الشمالية إلى الفيضانات المدمرة في ألمانيا وبلجيكا والهند والصين. تم تسجيل درجات حرارة عالية قياسية في الولايات المتحدة وتركيا وإيران وغرينلاند وسيبيريا، من بين دول أخرى.
ولكننا نعلم الآن أن منطقتنا ستتأثر بشكل خاص بتقلبات تغيّر المناخ الأسرع من المُتوَقَّع. ستتأثر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج بشكل خاص بارتفاع منسوب مياه البحر والجفاف وموجات الحر الحارقة بما يتجاوز ما يمكن أن يتحمّله الإنسان مع نتائج اجتماعية واقتصادية قاسية. تتوقع إحدى الدراسات أن درجات الحرارة القصوى المسجلة حالياً كل 20 يوماً صيفياً ستُصبح قريباً معياراً جديداً. وتضيف أن “المدن الكبرى مثل الدوحة وأبو ظبي ودبي وبندر عباس” يمكن أن تعرف درجة حرارة الهواء الرطب فيها “مرات عدة أكثر خلال فترة 30 عاماً” بحلول نهاية القرن إذا لم ينخفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون.
في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع، حذّر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة: ” إن تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هو خط أحمر للإنسانية. أجراس الإنذار تصم الآذان، والدليل لا يمكن دحضه: إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري من حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا وتُعرّض مليارات البشر لخطرٍ فوري”.
تأتي هذه الاكتشافات قبل أقل من ثلاثة أشهر من انعقاد اجتماع حاسم بشأن تغيّر المناخ في مدينة غلاسكو، اسكتلندا، في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ للأطراف (COP26)، والذي سيتابع قرارات مؤتمر باريس لعام 2015. يبدو الآن أن البلدان ستفشل في الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، ويمكن توقّع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2 درجتين مئويتين وحتى 3 درجات مئوية في غضون بضع سنوات وعقود.
لوضع الأمور في نصابها الصحيح، تُظهِرُ أحدث بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن كوكبنا أدفأ بمقدار 1.1-1.3 درجة مئوية عما كان عليه قبل اختراع المُحرّك البخاري. كما أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في 19 تموز (يوليو) إلى أن أكثر من 40 في المئة من الغطاء الجليدي في غرينلاند قد ذاب.
وخلصت دراسة أجرتها “طبيعة تغيّر المناخ” (nature.com) في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، وهي أقرب إلى الوطن، إلى أنه بالنسبة إلى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، سيؤثّر تغيّر المناخ في مختلف المجالات، بما فيها المجالات البيئية والاقتصادية والسياسية وحتى الأمنية. وأضافت الدراسة أن شبه الجزيرة العربية سوف تتميّز بتنوّعٍ كبيرٍ في هطول الأمطار الموسمية والسنوية، فضلاً عن درجات حرارة قصوى. وقالت إن متوسط ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة سيبلغ 1.8 درجة مئوية بحلول العام 2040 و3.6 درجات مئوية بحلول العام 2070، إلى جانب انخفاض هطول الأمطار، الذي سيؤدي إلى تفاقم المستويات المرتفعة أصلاً للتصحّر في المنطقة، مما يقلل من توافر الأراضي الصالحة للزراعة وموارد المياه ويؤدي إلى ارتفاع معدل حدوث جفاف.
يحتاج هذا التهديد الوجودي غير المسبوق إلى استجابة عالمية وليس هناك وقتٌ نضيعه. لكن يجب على الحكومات الإقليمية أن تجعل صوتها مسموعاً وأن يكون حضورها محسوساً لأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج ستكون الأكثر تضرّراً من تغيّر المناخ. إن الإضطرابات السياسية الإقليمية هي عائقٌ رئيس أمام العمل الجماعي، وهذا يجعل الأمور أكثر خطورة حيث سيؤثر تغيّر المناخ على الجميع.
لم يكن خطر تغيّر المناخ على الاستدامة أكبر من أي وقت مضى، ولم يعد بإمكان حكومات العالم تجاهل هذه المشكلة أو تأجيل الحلول لتسريع تبنّي تقنيات الطاقة الخضراء.
- أسامة الشريف هو صحافي ومٌحلّل سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3