لبنان مُفَخَّخ!

البروفِسور بيار الخوري*

ومَن لم يَمُت بانفجارِ المرفإِ ماتَ بغيره. رَحِمَ الله اللبنانيين الضحايا ومَن مات معهم من الجنسيات الأخرى لسوء حظّه.

لكن موتَ اللبنانيين ليس سوءَ طالع. قبل سنة كان كلٌّ منّا يقول ربما كنتُ أنا في تلك اللحظة هناك، وماذا يمنع أن أكون أنا الضحيّة التالية؟

وبالأمس كان يُمكن لكلِّ مُواطنٍ غاضبٍ لم يَجِد دواءً ولا خبزاً ولا ضوءاً ولا مَروَحةَ هواءٍ تعمل، أن يكونَ ضمن الضحايا.

وغداً سيكون لنا سببٌ آخر للموت المجّاني، وربّما يكون أيٌّ منّا على الطريق مِن وإلى عمله، أو باحثاً عن ” المقطوع” وما أكثره، أو يمشي بلا طلبات … فقط يمشي أو ينام في بيته.

كلُّنا بتنا مُعَرَّضين بلا ذنب ولا حيلة.

فالبَلَدُ يعومُ على المُتفَجّرات والمواد القابلة للانفجار، كما يعومُ على الغاز والنفط. الفارق أن المُتفجّرات لا تحتاج إلى توافقاتٍ دولية للخروج من محاجرها مُلقيةً بنا إلى مزيدٍ من التهلكة.

تنضمُّ عكّار إلى بيروت. مَن على اللائحة غداً؟

الأكيد أن حِقدَ عكار وغَضَبَها سيشتعلان أكثر، وأنّ هناك مَن سيطلّ علينا قاطبَ الجبين مُطالباً بمعاقبة المُتورِّطين ولن يُكلِّفَ أحدٌ نفسه العناء حتى للإستماع إليه، ثم ينهي كلامه ويذهب مُبتسماً.

التهريبُ والتخزين والنيترات والقتل المجاني هي أكبر من لبنان، بل قد تكون هي الدولة الحقيقية في لبنان. دولةٌ فخّخت نفسها جيداً كي لا يستطيع أحدٌ المسّ بها.

إذا كانت هناك قلّة تعلم بتخزين النيترات فالجميع يعلم بتخزين المحروقات، وعلى عينك يا تاجر، والجميع يعلم بخطورة ذلك التخزين، لكن الدولة قد لَزَّمَت أشياءها منذ زمنٍ لـ”المقاطعجيين” الجدد: لزّمت قصّ الثروات للمصارف، والدعمَ للوكلاءِ التجاريين والمُحتَكِرين للمواد الأساسية والكهرباء، ولزعران الأحياء… ومع الجميع تجار الموت!

قطارُ الموت لن يَقِفَ هنا، والقاتلُ المُتسلسل لن يَقِفَ هنا. ذلك القاتل هو الدولة الحقيقية، لأن نظام المافيا قد بات أكثر صلابة من النظام العام، ولأنَّ نظام المافيا و”البزنس” السياسي لديهما عقلٌ بلا قلب، فيما النظام العام هو بلا عقل ولا قلب!

سنسنصرخ الضمير العالمي مرة أخرى، وسنشتُم أمام الكاميرات مرّة جديدة، لكن قطار الموت سريعٌ جداً وحاذقٌ جداً، وعلى ظهره بركانٌ مُتفجِّرٌ لا زال يمتلك طاقةَ تفجيرٍ هائلة.

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي لبناني وكاتب في الإقتصاد السياسي. يُمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني التالي: info@pierrekhoury.com         

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى