كيف تردّ إيران على تحوّل سياسة بايدن تجاه اليمن؟

إتّخذت إدارة جو بايدن قرارين يتعلقان باليمن لدى تسلمها سلطاتها في كانون الثاني (يناير) الفائت، الأول وقف دعم الولايات المتحدة للعمليات العسكرية الهجومية التي تقوم بها السعودية وحلفاؤها في ذلك البلد، والثاني إزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب الأميركية. كيف ردّت إيران على هذا التحوّل؟

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني: إيران كانت “وراء التصعيد الحوثي في مأرب”.

بقلم صموئيل راماني*

في 4 شباط (فبراير) الفائت، أعلن الرئيس جو بايدن انتهاء الدعم الأميركي للعمليات العسكرية الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وقد أثار هذا القرار التفاؤل بشأن عودة الولايات المتحدة إلى المفاوضات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة (الإتفاق النووي) مع إيران. وبدلاً من التعامل مع أميركا، دعمت الجمهورية الإسلامية هجوم مأرب الذي قام به الحوثيون أخيراً وعزّزت جهودها الديبلوماسية في اليمن. وتعكس هذه الإجراءات شكوك طهران بالنسبة إلى نوايا واشنطن في اليمن ورغبتها في الإعتراف بها كصاحب مصلحة لا غنى عنه في المستقبل السياسي للبلاد.

ردود الفعل الإيرانية على إعلان بايدن

كان ردّ الفعل على إعلان بايدن عن اليمن في طهران مُتضارباً. فقد صرّح سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن “وقف الدعم للتحالف السعودي، إن لم يكن مناورة سياسية، يمكن أن يكون خطوة نحو تصحيح أخطاء الماضي”. وقدّمت وسائل الإعلام الإيرانية مجموعة متنوعة من وجهات النظر حول توقّف بايدن عن الدعم الهجومي للتحالف الذي تقوده السعودية. نقلاً عن المُحلّل السياسي اليمني طالب الحسني، أفاد مقالٌ نشرته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا) في 10 شباط (فبراير) بأن قرار بايدن يُمثّل نهاية “استراتيجية الولايات المتحدة للهيمنة على اليمن”، وأشار إلى أن السياسة الأميركية تجاه اليمن ستستغرق من ثلاثة إلى خمسة أشهر كي تتغيّر بشكلٍ ملموس.

وكانت هناك تقييمات أخرى أكثر تشاؤماً. زعم مقالٌ نُشِرَ في 6 شباط (فبراير) على موقع “مهر نيوز” أن قرار بايدن لم يكن مدفوعاً بأهدافٍ إنسانية، ولكنه بدلاً من ذلك يعكس رغبته في حرمان مُصنِّعي الأسلحة المُتحالفين مع الرئيس السابق دونالد ترامب من العقود. كما حذّر مقالٌ في 4 شباط (فبراير) نُشرَ في “المشرق” من أن تَحوّلَ سياسة بايدن تجاه اليمن كان يهدف ببساطة إلى توسيع نفوذ الولايات المتحدة على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأن التعاون بين واشنطن والرياض، الذي “نشّط الإرهاب في المنطقة”، سيستمر بلا هوادة.

هجوم مأرب

للإستفادة من تحوّل سياسة بايدن تجاه اليمن وزيادة نفوذها الديبلوماسي المُستقبلي، تُشجّع إيران الحوثيين على تصعيد هجومهم في محافظة مأرب شمال اليمن. على الرغم من فشلهم مراراً وتكراراً في الاستيلاء على هذه المحافظة الغنية بالنفط منذ بدء التدخل العسكري بقيادة السعودية في آذار (مارس) 2015، إستأنف الحوثيون هجومهم في 8 شباط (فبراير)، الأمر الذي أدى إلى استمرار مستويات الضحايا في الارتفاع هناك، حيث قُتل أكثر من 60 جندياً في 26 شباط (فبراير) وحده. ووصف نصر الدين عامر، سكرتير وزارة إعلام الحوثيين، معركة مأرب بأنها “إحدى جبهات الحرب الأشد حرارة منذ بداية العدوان على اليمن”. أطلق الحوثيون صواريخ باليستية على مأرب وعلى أهداف حرجة في المملكة العربية السعودية، مثل مطارات أبها وجدة والرياض، وأخيراً منشأة أرامكو السعودية في رأس تنورة، بينما تواصل وكالة الأنباء الحوثية “المسيرة” الإبلاغ عن ضربات جوية منتظمة من قبل التحالف الذي تقوده السعودية.

نظراً إلى أن التدخل العسكري الإيراني في اليمن يعمل تحت ستار الإنكار العلني، فإن دور طهران المُحَدَّد في هجوم مأرب يظل غير مؤكد. قدّمت وسائل الإعلام الإيرانية الدعم المعنوي لحملة الحوثيين، حيث وصفت وكالة “مهر نيوز” هجوم مأرب بأنه معركة ضد “المرتزقة السعوديين والإرهاب التكفيري”، وزعمت أن السعودية استجابت لدعم مجلس التعاون الخليجي لأنها تخسر قوتها أمام الحوثيين. وقد أكدت وكالة “إيرنا” دعم داعش المزعوم للتحالف الذي تقوده السعودية في مأرب وروّجت لمزاعم بأن المملكة نقلت إرهابيين من جنوب اليمن إلى مأرب لمنع “تحريرها”. وبسبب هذه التغطية الإعلامية المُتعاطفة، خلص وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في 1 آذار (مارس) إلى أن إيران كانت “وراء التصعيد الحوثي في مأرب”. بالإضافة إلى ذلك، أثار استخدام الحوثيين للصواريخ الباليستية بعيدة المدى مخاوف جديدة بشأن عمليات نقل الأسلحة الإيرانية.

إنخراطُ طهران الديبلوماسي

بالتوازي مع هجوم مأرب، وسّعت إيران تدخّلها الديبلوماسي في اليمن. وقد تجسدت طموحات الجمهورية الإسلامية الديبلوماسية هناك من خلال تعيينها حسن إيرلو سفيراً في صنعاء في تشرين الأول (أكتوبر) 2020. ويشير هذا التعيين إلى رغبة طهران في إضفاء الشرعية على حكم الحوثيين في شمال اليمن، ما يمنحها مجالَ نفوذٍ طويلَ الأمد على حدود المملكة العربية السعودية. والأهم من ذلك، أن الدور الديبلوماسي لإيران في اليمن يسمح لها بالحصول على اعتراف من القوى العظمى والأمم المتحدة كلاعبٍ بَنّاء، ما قد يمنحها مقعداً على طاولة المفاوضات المستقبلية.

على الرغم من أن طهران استضافت محادثات بين الحوثيين والقوى الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا) في آب (أغسطس) 2019، إلّا أنها كانت حتى وقت قريب تنظر إلى التعامل مع روسيا على أنه طريقها إلى النفوذ الديبلوماسي. وقد تسبب مقتل علي عبد الله صالح في كانون الأول (ديسمبر) 2017 في حدوث خلاف روسي-إيراني حول اليمن، حيث شجبت موسكو “تطرف” الحوثيين بعد اغتيال صالح وأشادت طهران بمقتل صالح باعتباره انتصاراً للحوثيين. ومع ذلك، نما الاشتباك بين روسيا وإيران بشأن اليمن منذ أن منعت موسكو قراراً للأمم المتحدة في شباط (فبراير) 2018 أدان شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين. ومع ذلك، يعقد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اجتماعات مُنتظمة مع سفير إيران لدى روسيا كاظم جلالي حول الأزمة اليمنية، حيث يُعارض البَلَدان التدخل العسكري الذي تقوده السعودية ويُقدّمان مقترحات أمنية خليجية تكميلية.

في حين أن الاعتراف بدورها الذي لا غنى عنه من قوة عظمى كروسيا يُعزّز مصداقية إيران، فقد وسعت طهران أيضاً مشاركتها مع الأمم المتحدة بشأن إنهاء حرب اليمن. في 7 شباط (فبراير) الفائت، زار المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث طهران بصفة رسمية لأول مرة، وعقد اجتماعات مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بشأن إنهاء الحرب الأهلية اليمنية. خلال رحلته، أشاد سعيد خطيب زاده بالأهمية المستمرة لخطة إيران المُكوَّنة من أربع نقاط للسلام في اليمن، والتي قدّمها ظريف إلى الأمم المتحدة في نيسان (أبريل) 2015. وتدعو هذه الخطة إلى وقف الأعمال العدائية في اليمن، والمساعدة الطبية الفورية، وتسهيل المحادثات بين اليمنيين، وتشكيل حكومة يمنية شاملة.

كما ضغطت إيران على الأمم المتحدة للاعتراف بحكومة الحوثيين في اليمن. في 2 آذار (مارس)، دعا المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة إسماعيل بغائي حمانه إلى إنهاء صادرات الأسلحة إلى التحالف الذي تقوده السعودية. بالإضافة إلى ذلك، طلبت إيران من االمنظمة الدولية النظر في إجراء محادثات على مستوى المنطقة بشأن إنهاء حرب اليمن، والتي يمكن أن تكون على غرار خطة مبادرة هرمز للسلام (HOPE) للأمن الجماعي. وقد ترى إيران الحوار مع المملكة العربية السعودية بشأن اليمن بمثابة بوابة للمناقشات حول مجالات الخلاف الأخرى، مثل العراق وسوريا ولبنان، وخطوة نحو تخفيف التوترات مع الرياض على نطاق أوسع. على الرغم من أنه من غير المرجح أن تكتسب هذه الأهداف الكبرى زخماً، تأمل إيران في أن تساعدها المشاركة مع الأمم المتحدة في تأمين مقعد على طاولة المفاوضات حول مستقبل اليمن السياسي.

التطلع قُدُماً

على الرغم من توقّف بايدن عن دعم الولايات المتحدة للتدخل العسكري السعودي في اليمن وإزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب الأميركية، إلّا أن الحوار بين واشنطن وطهران بشأن اليمن لم يتحقق. إن قرار الولايات المتحدة في 2 آذار (مارس) بفرض عقوبات على اثنين من مسؤولي الحوثيين بسبب الضربات الصاروخية على السعودية وتكثيف هجوم مأرب يُبدّد الآمال الضعيفة في أن التعاون بشأن اليمن يمكن أن يساعد على إحياء مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة. مع استمرار هذا الجمود، ستواصل إيران توليف القوة الصلبة والناعمة في اليمن، حيث تسعى إلى التفوّق على السعودية والإمارات من أجل نفوذ طويل الأمد في الدولة التي مزّقتها الحرب.

  • صموئيل راماني، مرشح لدرجة الدكتوراه في العلوم السياسية في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد. ويمكن متابعته على تويتر على: @samramani2. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى