كَيفَ ستَستفيد قطر والسعودية من المصالحة الخليجية

بقلم عامر السبايلة*

شهدت القمة الخليجية التي عُقِدَت في مدينة العلا السعودية في الأسبوع الفائت حدثاً تصالحياً مُهمّاً كسر الحظر السياسي والجغرافي المفروض على قطر. في حين أن هذا الأمر يبدو واعداً، فإنه قد دخل الآن مرحلة بناء الثقة حيث يجب على دول الخليج محاولة إعادة الإنخراط وإيجاد حلولٍ للقضايا التي أدّت إلى قيام أربع دول عربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بمقاطعة قطر.

إن توقيت هذا الحدث مهم، لأنه يأتي قبل أيام من تغيير الإدارة في الولايات المتحدة، وبخاصة أن الرئيس دونالد ترامب أضاف هذا التقدم إلى إنجازاته في الشرق الأوسط، حيث أن وجود كبير مستشاري البيت الأبيض وصهره، جاريد كوشنر، ودوره في الوساطة يُبرز ذلك بوضوح.

التوقيتُ مُثيرٌ للإهتمام ويستحق الإعتبار في سياق هذه الأحداث في التطورات الإقليمية والعالمية. لقد أصرّ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في خطابه على اتهام إيران ليس فقط بالنسبة إلى الأنشطة النووية ولكن أيضاً بالنسبة إلى برنامج الصواريخ الباليستية، مُشيراً إلى أن القضية لم تعد تقتصر على الإتفاق النووي، بل تشمل أيضاً الترسانة الإيرانية بأكملها وسياساتها العدوانية في المنطقة. وهذا يعني أن نجاح إنهاء الصراع مع قطر يُقدّم مجلس دول التعاون الخليجي مُوَحَّداً للمجتمع الدولي، ويدعو بالتالي إدارة جو بايدن المقبلة في الولايات المتحدة للتأنّي والنظر بعناية بالنسبة إلى العودة إلى الاتفاق النووي السابق مع إيران.

من المنظور القطري، مع كل هذا الضغط الأميركي، من الصعب للغاية بقاء تحالف الدوحة مع إيران وتركيا. من الناحية الواقعية، تحتاج قطر أيضاً إلى إعادة فتح حدودها ومجالها الجوي مع اقتراب بطولة كأس العالم 2022. من الواضح أن المزايا التي اكتسبتها الدوحة من كونها وسيطاً بين أميركا وطالبان قد لعبت لصالحها في التفاوض على إعادة فتح حدودها، ولكن من السابق لأوانه معرفة كيفية تعامل قطر مع القضايا المُعقّدة، مثل القاعدة العسكرية التركية أو حتى تحالفها السياسي مع تركيا والجماعات الإسلامية.

من وجهة نظر السعودية، من المهم للمملكة وضع حدٍّ للصراع داخل دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الذي تُوقّع الدول العربية معاهدات سلام مع إسرائيل والتغيير الوشيك في واشنطن. وبوجود خليج عربي مُوَحَّد، سيكون السعوديون قادرين مرة أخرى على تمثيل الموقف العربي والعودة حتى إلى نسخة مُعدَّلة من مبادرة السلام العربية، ما يمنح السعودية فرصة للعب دور إقليمي رئيس. قد تؤدي هذه المصالحة أيضاً إلى لعب الرياض دوراً أوسع في إعادة سوريا وربما العراق إلى جامعة الدول العربية.

يُوضّح توقيت هذه الأحداث بحضورٍ قوي للوساطة الأميركية رغبة إدارة ترامب في استكمال وإتمام المصالحة قبل انتهاء ولايتها في 20 كانون الثاني (يناير). وفي الوقت عينه، يُظهر أن دول الخليج والولايات المتحدة تريدان إعطاء الأولوية لإيران في الفترة المقبلة، بغض النظر عن التغيير الآتي في الإدارة الأميركية نفسها.

يرغب الرئيس ترامب في ترك إرثٍ بالنسبة إلى إيران يجعل من الصعب العودة إلى الصفقة السابقة التي أُبرمت في عهد إدارة أوباما. وعلى أي حال، إن الإيرانيين أنفسهم جعلوا من الصعب العودة إلى مثل هذه الصفقة بعد قرارهم الأخير زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، وبعث رسائل عدوانية عبر مظاهرات عسكرية أو هجمات ضد أهداف أميركية في العراق. كل هذا سيجعل الأمر أكثر صعوبة على إدارة بايدن المقبلة للتعامل مع إيران وفقاً للاستراتيجية القديمة للإتفاق النووي. يجب أن تعتبر طهران وتُدرك  أن مهاجمة هدف أميركي ليس هجوماً على ترامب ولكن ضد الولايات المتحدة.

من منظور الأمن القومي، يختلف الوضع تماماً عمّا كان عليه عندما أبرم أوباما تلك الصفقة، ما يجعل من الصعب جداً إدارة الموقف في ظل ركائز تلك الصفقة الأصلية. على مدى السنوات الأربع الماضية، خلقت الاستراتيجية الأميركية ضد إيران، بدءاً من العزلة الديبلوماسية وانتهاءً بالعقوبات الإقتصادية والمالية لاحتواء نفوذها بنجاح في لبنان وسوريا والعراق، وضعاً صعباً للغاية لطهران. لدرجة أن النهج البراغماتي للإدارة الأميركية المقبلة سيكمن في انتهاز فرصة الوضع الحالي والإستفادة منه لتحقيق المزيد من المكاسب. وهذا الأمر يُشير إلى أن أي صفقة أو عرض محتمل من المرجح أن يكونا أكثر شمولية ويتضمّنان جميع القدرات والسياسات العسكرية في جميع أنحاء المنطقة.

  • دكتور عامر السبايلة هو أستاذ جامعي أردني ومُحلّل جيوسياسي وكاتب عمود. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @amersabaileh

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى