الولايات المتحدة قد تَندَمُ على رؤية أوباما للشرق الأوسط

مايكل يونغ*

في نيسان (إبريل) 2016، أجرى الصحافي جيفري غولدبيرغ في مجلة “ذا أتلنتيك” (The Atlantic) مقابلة مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حول إرثه في السياسة الخارجية. وتطرق أوباما خلال هذه المقابلة إلى أبعد حدّ في الشؤون العالمية، لكن ملاحظاته حول الشرق الأوسط هي التي أثارت الدهشة في المنطقة.

“إن المنافسة بين السعوديين والإيرانيين –والتي ساعدت على تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن– تتطلب منّا أن نقول لأصدقائنا وكذلك للإيرانيين أنهم بحاجة إلى إيجاد طريقةٍ فعّالة لمشاركة الجوار وإقامة نوعٍ من السلام البارد”، قال أوباما. لم يقتصر الأمر على قيام الرئيس السابق بوضع حليفٍ وعدوٍّ على قدم المساواة، بل أشار إلى أن الأمر متروكٌ لدول المنطقة لفرض توازنِ القوى حتى يتمكّن الأميركيون من التركيز على أجزاءٍ أخرى من العالم.

رأى منتقدو أوباما في كلامه تخلّيًا عن حلفاء أميركا العرب. ومع ذلك، كان هناك أيضًا شيءٌ آخر في ذلك، وهو نظرة عالمية سياسية واقعية تقليدية قبلت ضمنيًا أن كلًّا من إيران والمملكة العربية السعودية يحق لهما السعي إلى الحصول على القوة والسلطة لتحقيق مصالحهما، كما تفعل جميع الدول. ولضمان أن هذا الدافع لن يؤدّي إلى صراع، اقترح أوباما أن على الطرفين المختلفين إيجاد تسوية مؤقتة في ما بينهما.

في كثيرٍ من النواحي، توصّلت المنطقة إلى الرؤية التي حدّدها أوباما في مقابلته. والأميركيون يكتشفون أنهم لا يحبّون ذلك. مثالان رئيسان على هذا الوضع، تم اختيارهما عشوائيًا، هما محاولات تركيا للقضاء على الحكم الذاتي الكردي الفعلي في شمال سوريا، على عكس رغبات الولايات المتحدة. وأخيرًا، قرار مجموعة “أوبك +” في تشرين الأول (أكتوبر) لخفض إنتاج النفط، والذي تم التأكيد عليه في كانون الأول (ديسمبر).

بدأت تركيا، بقيادة حزب العدالة والتنمية المُهَيمِن، اتّخاذَ مواقف أكثر استقلالية عن واشنطن منذ ما يقرب من عقدين، عندما رفضت السماح للقوات الأميركية بغزو العراق من أراضيها. منذ ذلك الحين، كان رئيس الوزراء التركي آنذاك، والرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، يُفضّلُ بشكلٍ منهجي المصالح الوطنية التركية، بغض النظر عما إذا كانت تتعارض مع التفضيلات الأميركية.

في الآونة الأخيرة، أثار تهديده بشنِّ تدخّلٍ عسكري جديد ضد المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا، وسط مؤشرات على احتمال تطبيع تركيا علاقاتها مع نظام الأسد، قلق واشنطن. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، الأكراد هم القوة الرئيسة التي تمنع إحياء تنظيم “داعش”. ومع ذلك، ترى تركيا أن توطيد الحكم الذاتي الكردي في سوريا يُمثّلُ تهديدًا وجوديًا قد يُلهِمُ أكراد تركيا لاتباع مسارٍ مُماثل.

كما أثار القرار السعودي بالضغط من أجل خفض إنتاج النفط في تشرين الأول (أكتوبر) غضب الأميركيين. في وقتٍ يرتفع التضخّم، ويشتعل نزاعٌ مع روسيا حول أوكرانيا، وتقترب الإنتخابات النصفية للكونغرس، أرادت إدارة بايدن خفض أسعار النفط العالمية. ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية –التي يجب أن تُموِّلَ خطط التنمية الخاصة بها للانتقال بعيدًا من النفط، والتي رفضت الانفصال عن شريكتها في “أوبك +” روسيا– تجاهلت واشنطن.

وبينما أدى القرار إلى ردِّ فعلٍ غاضبٍ في الولايات المتحدة، فقد أكد أن المنطقة تتغيَّر بلا هوادة. لقد انتهى عصر “السلام الأميركي” الذي شكّل الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب الباردة. مع “تمحور” الأميركيين بعيدًا من المنطقة، كان على السعوديين إيجاد وسائل أخرى لتعزيز أمنهم وتنويع مشتري النفط. وشمل ذلك الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا وتوسيع العلاقات مع الصين.

مثل هذه الخطوات لم تُسعِد أو تُفرِح واشنطن. ومع ذلك، بالنسبة إلى العديد من الدول الإقليمية، تريد الولايات المتحدة الحصول على كعكتها وأكلها أيضًا. لا يريد الأميركيون حماية حلفائهم، لكنهم يريدون بطريقة ما أن يتبنّى هؤلاء الحلفاء أولويات السياسة الخارجية الأميركية كأولوياتهم. من المفهوم أن هذا ليس موقفًا يمكن أن يذهب بعيدًا في الشرق الأوسط اليوم.

في الواقع، أصبح من المعتاد للدول الإقليمية الكبرى الحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع جميع القوى العظمى، بدلًا من اختيار طرف على آخر. وهذا ينطبق على تركيا والسعودية بقدر ما ينطبق على الإمارات العربية المتحدة ومصر، وجميعها أدركت أن الولايات المتحدة لديها رأيان بالنسبة إلى نفوذها الإقليمي. وسط حالة من عدم اليقين والغموض المستمر بشأن ما يريده الأميركيون حقًا، وجد الحلفاء السابقون أنه من الأفضل التحوُّط بشأن رهاناتهم.

إن قبول عواقب هذا الوضع سيستغرق وقتًا بالنسبة إلى صانعي السياسة في واشنطن. ولكن، من الصحيح أيضًا أن الأميركيين ربما يكونون قد تخلوا عن الكثير من القوة مقابل القليل من المكاسب الحقيقية. إذا اختل التوازن الإقليمي على نحو يَضرُّ بواشنطن، على سبيل المثال، فقد تختار الولايات المتحدة التدخل عسكريًا مرة أخرى. بمعنى آخر، الرغبة في الانفصال عن المنطقة لا تعني بالضرورة أن الأميركيين سيتحررون من مشاكلهم في المستقبل.

لهذا السبب كانت رؤية أوباما المجردة للمنطقة إشكالية للغاية. كرئيس، كان ينظر إلى المنطقة إلى حدٍّ كبير من منظورٍ بارد ونظري. إن كون دول الشرق الأوسط تأخذ الآن تداعيات رسالته على محمل الجد قد يعني أن مستشاريه الموجودين في الإدارة الحالية قد يندمون على ما تمنّاه رئيسهم السابق.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير موقع “ديوان” ومحرر أول في مركز مالكولم إتش كير كارنيغي للشرق الأوسط، وكاتب رأي في صحيفة “The National” الإماراتية. يمكن متابعته عبر تويتر على: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى