بالنسبة إلى الشرق الأوسط، بايدن ليس أوباما

بقلم فِراس مَقصَد*

هناك قلقٌ ملموس بين عدد من حلفاء أميركا في العالم العربي بشأن ما يعنيه للمنطقة انتخاب جو بايدن للرئاسة الأميركية. تقول الحكمة التقليدية أن الإدارة الديموقراطية ستعود إلى الموقف الأكثر ملاءمة للرئيس السابق باراك أوباما تجاه إيران. التعليقات المُصوَّرة التي تُصوّر بايدن يُعانق الجانب الإيراني تغمر وسائل التواصل الإجتماعي.

في حين أن الإدارة المُقبلة ستسعى بالتأكيد إلى إجراء مفاوضات مع طهران – علماً أن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب قد تعهّد أيضاً بالقيام بذلك – سيكون من الخطأ الخلط بين نهج الرئيس المُنتَخَب بايدن المُحتَمَل تجاه الشرق الأوسط مع نهج أوباما. عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة والشرق الأوسط، فإن بايدن ليس أوباما.

وعد جميع المرشحين للرئاسة منذ جورج دبليو بوش، من الجمهوريين والديموقراطيين، بـ “إنهاء الحروب إلى الأبد” وتقليل الوجود الأميركي في الشرق الأوسط. ويرجع ذلك جزئياً إلى التغييرات في الأولويات الجيوسياسية للولايات المتحدة الناشئة عن التحدّي المتزايد الذي تفرضه الصين وروسيا، فضلاً عن استقلال أميركا الأكبر في مجال الطاقة. كما أنه انعكاس للندوب العميقة التي خلّفتها الحروب في العراق وأفغانستان لدى الرأي العام الأميركي. ندوبٌ لا يُمكن لأيِّ مرشح رئاسي أن يتجاهلها.

لن تختلف إدارة بايدن عن سابقاتها في التعهّد بتخفيف حدّة التدخّل الأميركي في الشرق الأوسط. مثل هذه السياسات، سواء تمّ تنفيذُها أم لا، تشير إلى استمرار السياسة الأميركية تجاه المنطقة كما هي حالياً بدلاً من التحوّل الذي يُخشى من عواقبه كثيراً.

يكشف الفحص الأوسع لسجل بايدن عن مدى اختلاف مقاربته للسياسة الخارجية مُقارنةً بأوباما، ناهيك عن أقصى اليسار في الحزب الديموقراطي.

في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، أيّد بايدن الحرب في العراق وأفغانستان، والتي تعتبر الآن على نطاق واسع فشلاً استراتيجياً. في العام التالي، بعد زيارة للفلوجة، ضاعف من تأييده، وحثّ الرئيس آنذاك جورج دبليو بوش على إرسال المزيد من القوات لسحق التمرّد المتصاعد. وبالمثل، إنتقد بايدن الرئيس آنذاك بيل كلينتون لأنه لم يفعل ما يكفي عندما ذُبِحَ مسلمون في البوسنة. قال بايدن في أوائل تسعينات القرن الفائت: “لقد أدرنا ظهورنا للعدوان، وأدرنا ظهورنا للفظائع، وأدرنا ظهورنا للضمير”.

لقد تشكّلت دوافع التدخل الليبرالية للرئيس المُنتَخَب من خلال السنوات العديدة التي قضاها في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي. سافر حول العالم لعقود من الزمان لزيارة مناطق الصراع وبناء علاقات مع الحلفاء. وبالمثل، فإن كبار مستشاريه للسياسة الخارجية، أنتوني بلينكين، وجايك سوليفان وآخرين هم من المعروفين جيداً في أوساط مؤسسة السياسة الخارجية الرئيسة في واشنطن.

هذا في تناقض صارخ مع أوباما، وكبار مستشاريه والطريق الذي سلكوه إلى البيت الأبيض. في حين أن بايدن كان العالم ببواطن الأمور من الداخل حيث خدم في مجلس الشيوخ الأميركي منذ العام 1973، كان أوباما هو الدخيل – سيناتور شاب وغير معروف من ولاية “إلينوي” إرتقى إلى الرئاسة على وعدٍ بتغيير شامل. المقربون منه، لا سيما نائب مستشار الأمن القومي السابق بن رودس، عوّضوا عما افتقدوه من التجربة في السياسة الخارجية بتبنّي سياسات عقائدية قلبت الإجماع الطويل الأمد بين الحزبين تجاه الأنظمة المارقة مثل إيران وكوبا.

هذا لا يعني بالضرورة أن إدارة بايدن المقبلة ستتجنّب تخفيف العقوبات الإقتصادية على إيران أو السعي إلى إنهاء الحرب في اليمن. قد يكون التخفيض التدريجي للعقوبات وشيكاً إذا كان جزءاً من إجراءات بناء الثقة، وإذا وافقت إيران على الحدّ من تخصيب اليورانيوم والعودة إلى المفاوضات. لكن في مقال نُشر في وقت سابق من هذا العام، تعهّد بايدن بجعل اتفاق أوباما النووي مع إيران نقطة البداية للمفاوضات، وليس الهدف النهائي. كما وعد بايدن بإطالة بنود الإنقضاء المثيرة للجدل التي وافق عليها أوباما والضغط على إيران لتقليص برنامج الصواريخ الباليستية وكذلك أنشطتها الإقليمية المزعزعة للإستقرار. كلتا القضيتين تُركتا إلى حد كبير من دون معالجة من قبل أوباما.

وبالمثل ، أكد أخيراً جايك سوليفان ، مستشار الأمن القومي السابق لبايدن والذي من المرجح أن يتم اختياره لمنصبٍ إداري رفيع المستوى، أن بايدن سُيقدّم لحلفاء أميركا الدعم اللازم للتفاوض على تفاهم على مستوى المنطقة مع إيران. يتماشى مثل هذا النهج إلى حد كبير مع طلبات دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وغيرهما للجلوس على طاولة المفاوضات مع طهران. هذا الموقف وُلِدَ من تجربةٍ مريرة عندما أجرت إدارة أوباما محادثاتها مع إيران سراً.

سيدفع الرئيس المنتخب بايدن أيضاً لإنهاء الحرب التي لا تحظى بشعبية كبيرة في اليمن. سيكون هذا موضع ترحيب كبير، حيث أن أبو ظبي قد سحبت بالفعل قواتها وأظهرت الرياض التزاماً حقيقياً بالتوصّل إلى تسوية سلمية من خلال تمديد العديد من وقف إطلاق النار للحوثيين من جانب واحد. وفقاً لسوليفان، في حين أن الإدارة المقبلة ستكون حازمة، فإنها “ستعمل على تعميق الدعم للمخاوف الأمنية السعودية مثل الهجمات الصاروخية الحوثية والتهديدات من إيران، مع تقديم المساعدة التقنية لزيادة منع شحنات الأسلحة الإيرانية”.

والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تُوصَفُ غالباً بأنها الشريكة الأكثر صعوبة. القلق الحالي الذي يشعر به كثير من العرب له ما يبرره في ضوء التاريخ الحديث وتزايد الأصوات الإنعزالية داخل الحزب الديموقراطي. ولكن رُغم كل الحديث عن صعود الصين وعودة روسيا وتنويع خيارات السياسة الخارجية بعيداً من الولايات المتحدة، تظل أميركا القوة الوحيدة التي لا غنى عنها في المنطقة.

خلال هذه اللحظة من التحوّل الأميركي العظيم، لا يحتاج العرب إلى أن تقض مضاجعهم أشباح الماضي. بل يجب أن يستلهموا فُرَصَ البدايات الجديدة. لتكن هذه بداية جديدة ترتكز على المصالح المشتركة والتحدّي الدائم للخصوم المُشتَرَكين.

  • فِراس مَقصَد هو أستاذ مساعد في كلية إليوت للشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @FirasMaksad

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى