التحدّيات الإقتصادية ترفع مستوى الأخطار الإجتماعية والأمنية للأردن في زمن “كوفيد-19”

على الرغم من نجاحها في مواجهة جائحة “كوفيد-19” على الصعيد الصحّي، فإن المملكة الأردنية الهاشمية قد تدفع ثمناً باهظاً على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي، الأمر الذي قد يُهدّد بعدم الإستقرار السياسي والأمني.

 

الملك عبد الله الثاني: وضع مملكته لا يُحسَد عليه

 

بقلم ألكسندر ويرمان*

نفّذت الحكومة الأردنية واحدة من أكثر استجابات “كوفيد-19” شمولاً وفعالية في المنطقة. في 17 آذار (مارس)، وهو اليوم الذي سجّلت فيه الأردن 19 حالة جديدة فقط (من أصل 10 ملايين نسمة)، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ. وبعد ثلاثة أيام، فرضت حظر تجول إلزامياً تمّ تطبيقه بصرامة. أغلقت الحكومة الحدود البرية والجوية، وحظّرت التجمّعات لعشرة أشخاص أو أكثر، وأنشأت مراكز الحجر الصحي استعدادًا لارتفاع عدد الحالات. وبينما أثارت الإجراءات الصارمة التي اتّخذتها الحكومة بعض السخط العام، فقد قَبِلها السكان إلى حد كبير. نجحت الإستجابة الأولية السريعة والواسعة للحكومة في إحباط أزمة صحية عامة كبيرة: لم ترتفع الحالات الجديدة اليومية أبداً فوق 77، وفي الفترة من 19 إلى 26 آب (أغسطس)، بلغ المعدل اليومي للحالات الجديدة 39.

منذ حزيران (يونيو) الفائت خفّف الأردن القيود بشكل كبير على النشاط الإقتصادي، ولا تزال المملكة تُعاني من أعداد مُنخفِضة للغاية من حالات الإصابة بفيروس كورونا. ومع ذلك، لم يكن الأردن قادراً على منع العواقب الاقتصادية المُدمّرة لـ”كوفيد-19″، والتي لا بدّ أن تستمر لسنوات مقبلة.

تَوَقُّف النشاط التجاري

سيُعاني الأردن من ركودٍ إقتصادي في العام 2020. وسيُصاب قطاع السفر والسياحة بضعفٍ كبيرٍ بسبب القيود التي تفرضها الأردن على السياحة، وتراجع الشهيّة العالمية للسفر والتي من المرجح أن تستمر خلال العام 2021 بالكامل. إن صناعة السياحة في المملكة، التي حققت إيرادات بلغت 5.8 مليارات دولار في العام 2019 (من إجمالي الناتج المحلي الإسمي البالغ 43 مليار دولار في العام 2019) كانت قطاعاً بالغ الأهمية للنمو. كان الأردن يُخطّط لإعادة فتح البلاد أمام السياح الآتين من مجموعة محدودة من البلدان المُوافَق عليها مُسبَقاً، والتي لديها أعداد مُنخفضة من حالات الإصابة بفيروس “كوفيد -19″، في 5 آب (أغسطس) – لم يُسمح للسائحين بدخول البلاد منذ آذار (مارس) 2020 – لكنه تراجع عن هذا القرار في اللحظة الأخيرة بسبب المخاوف بشأن استيراد المزيد من حالات كورونا. نظراً إلى أن كوفيد-19 لا يُظهر أي علامات على التباطؤ، فمن غير المرجح أن تنتعش السياحة حتى يتم اكتشاف اللقاح وإنتاجه بكميات كبيرة وتوزيعه على مستوى العالم.

سيُعاني الإقتصاد الأردني أيضاً من خسارة التحويلات، التي قُدِّرت بـ 3.7 مليارات دولار في العام 2018. وقد أفاد منتدى الإستراتيجية الأردني، وهو منظمة غير حكومية محلية، أنه في العام 2014 كان هناك 786 ألف أردني يعيشون في الخارج، وساهمت تحويلاتهم بنحو 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما قدّر البنك الدولي أن التحويلات المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستنخفض بنسبة 19.6٪ في العام 2020. وسيشهد الأردنيون تحويلات أقل من أفراد أسرهم، الذين يعيش ويعمل الكثيرون منهم في دول الخليج، حيث يفقدون وظائفهم أو يواجهون تخفيضات في الأجور. مع خسارة العائلات للدخل، سينخفض إنفاق المستهلك المحلي، ومن المرجح أن تحتاج الشركات في الأردن إلى خفض التكاليف، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الإستثمار. ومن المتوقع أن ينخفض الإستثمار الأجنبي خلال الأشهر المقبلة لأن الشركات ما زالت مترددة في بدء مشاريع جديدة وسط استمرار حالة عدم اليقين بشأن مسار الوباء.

تحدّيات سيادية

من أجل مكافحة جائحة  “كوفيد-19” بشكلٍ فعّال ومواصلة تمويل الحكومة، قام الأردن بغزوات كبيرة إلى سوق الديون. وقد أصدرت وزارة المالية في الأول من تموز (يوليو) سندات دولية بقيمة 500 مليون دولار لمدة خمس سنوات، بعدما كانت أصدرت سندات دولية لمدة 10 سنوات بقيمة 1.25 مليار دولار قبل يوم واحد فقط. جاء ذلك بعد أن قدّم صندوق النقد الدولي قرضاً طارئاً بقيمة 396 مليون دولار في أيار (مايو) ووافق على تقديم برنامج قرض لمدة أربع سنوات بقيمة 1.3 مليار دولار في آذار (مارس). من المُرجّح أن ترفع القروض الجديدة نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 96٪ (كانون الأول/ديسمبر 2019) إلى ما يزيد عن 110٪ وفقاً للخبير الأردني في الإقتصاد السياسي ليث العجلوني. وهذا يعني أن الأردن سيحتاج إلى تخصيصِ جزءٍ أكبر من موازنته العامة لخدمة الدين بدلاً من الإستثمار في اقتصاد المعرفة المُتنامي ومشاريع البنية التحتية والخدمات العامة. كما أنه سيجعل التوجّه إلى أسواق السندات أكثر تكلفة في المستقبل، حيث من المرجح أن يطلب المستثمرون أسعار فائدة أعلى. ستسمح إصدارات الديون الجديدة وبرامج القروض للحكومة بمواصلة تقديم الإعانات للعاطلين من العمل ودعم السلع الأساسية خلال العام المقبل. ومع ذلك، فمن المتوقع أن يُجبر الدين الخارجي للأردن الحكومة في السنوات المقبلة على اتخاذ تدابير تقشّفية، والتي لا تحظى بشعبية كبيرة لدى الجمهور، لأنها غالباً ما تُقلل من برامج الرعاية الإجتماعية.

التدهور الإقتصادي يُساهم في عدم الإستقرار

تُعتَبر نفقات المعيشة في الأردن أصلاً من بين أعلى المعدلات في الشرق الأوسط. في السنوات المُقبلة، حيث يعاني الاقتصاد الأردني من أضرار فيروس كورونا المستجد ويواجه ضغوطاً مُتزايدة لإدخال تدابير تقشف جديدة وزيادة التخفيض في شبكة الأمان الإجتماعي، سيكون هناك استياء شعبي متزايد. ينظر الأردنيون إلى الإحتجاجات العامة على أنها الأداة الأساسية للتعبير عن مظالمهم للحكومة، نظراً إلى القيود المفروضة على أشكال أخرى من المشاركة السياسية. على الرغم من أن الأردن لديه برلمان مُنتَخَب ديموقراطياً، إلّا أنه يُعَتَقد على نطاق واسع أن السلطة السياسية الحقيقية منوطة بالملكية غير المُنتَخبة والسلطة التنفيذية المُكوّنة من رئيس وزراء ومجلس وزراء يُعيّنهما الملك. لذا سيواصلون استخدام المظاهرات للضغط على السلطات.

السلطات لديها وسائل قليلة تحت تصرّفها لتخفيف المخاوف الإقتصادية. لا يستطيع الأردن أن يخرج من المشاكل مثل دول الخليج العربي، بسبب نقص الموارد الطبيعية. ستستمر الجهود لقمع الجماعات التي تنتقد الحكومة، مثل نقابة المعلمين الأردنيين وجماعة “الإخوان المسلمين”، واعتقالات النقاد البارزين، لكنها لن تُعالج المظالم أو تُصمت الاضطرابات.

كان الأردن، الذي طالما كان واحة من الهدوء النسبي، يُحدّق في مستقبل مليء بتحديات مُتنامية سيكون من الصعب معالجتها، خصوصاً وأن المنطقة تدخل مرحلة أخرى من الإضطرابات: لبنان يمر بانهيار سياسي واجتماعي اقتصادي؛ سوريا لا تزال معزولة وفي حالة حرب؛ العلاقة الفلسطينية-الإسرائيلية في الضفة الغربية مُتصدّعة أكثر من المعتاد؛ والحكومة العراقية لا تستطيع أن تمارس سيطرتها على البيئة الأمنية في عاصمتها وأموالها آخذة في التضاؤل. وتُشكّل هذه الخلفية الإقليمية تحديات فريدة للأردن: ستحتاج عمّان إلى مواصلة تقديم المساعدة للاجئين السوريين، وستظل التجارة مع الجيران صعبة، ومن المرجح أن تؤدي المشاكل المتزايدة في المنطقة إلى تحويل المساعدات الأجنبية، التي ربما كانت ستذهب إلى المملكة، إلى بلدان أخرى.

بينما يحتفظ النظام الملكي بدعمٍ شعبي كبير، سيحتاج الملك عبد الله الثاني أن يواجه بعناية المصادر المختلفة للضغط السياسي على حكومته. إن الأساليب السابقة لتخفيف التوترات لن تكون كافية. أقال الملك رؤساء الوزراء رداً على الاحتجاجات الشعبية ست مرات من العام 2011 حتى يومنا هذا، لكن يُنظر إلى هذا الإجراء بشكل متزايد على أنه كبش فداء غير فعّال.

ماذا يحمل المستقبل؟

يدخل الأردن عصراً جديداً من القلق، حيث سيضطر بسبب ظروفه إلى اتخاذ خيارات استراتيجية ذات تداعيات بعيدة المدى. في حين ستسعى الحكومة إلى الحفاظ على نسختها الخاصة من سياسة “حسن الجوار” للحفاظ على احتمالات الروابط الإقتصادية المُفيدة مع الدول المجاورة، فإنها ستسعى أيضاً إلى تعميق علاقاتها مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. من المحتمل أن يكون هذا الحساب قد لعب دوراً في ردّ فعل الأردن الصامت على اتفاقية التطبيع الإماراتية مع إسرائيل، وهي صفقة تُقوّض مبادرة السلام العربية وتزيل مصدر نفوذ للدول العربية التي تضغط من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وفلسطين. لقد بدأ الأردن بالفعل في تنفيذ هذه الاستراتيجية، حيث قدم المعدات العسكرية للجيش الوطني الليبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، واتخاذ تدابير لتقويض جماعة “الإخوان المسلمين” في بلده بما يتماشى مع الموقف الإماراتي القوي المناهض للإسلاميين. في المستقبل، سيدعم الأردن بقوة صعود الأمير محمد بن سلمان إلى العرش السعودي وسيواصل دعم الإمارات في الأماكن التي تتنافس فيها مع تركيا، التي تدعم الحركات الإسلامية في المنطقة. ومع ذلك، سيتجنّب الأردن الإنضمام إلى حملة الحصار والعزل ضد قطر، حيث تسعى المملكة الهاشمية إلى تعزيز علاقتها بالدولة الخليجية الغنية بالغاز الطبيعي لزيادة العلاقات التجارية والمساعدات والاستثمار.

سيمتنع الملك عبد الله الثاني عن انتقاد القيادة الإقليمية للولايات المتحدة – وهو الأمر الذي نجح في فعله ببراعة في الوقت الذي وصلت مساعي إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية إلى ذروتها في حزيران (يونيو) 2020 – من أجل تأمين المزيد من اتفاقات المساعدات وتسليم أميركا إلتزاماتها الدائمة. في العام 2018، إتفقت واشنطن وعمّان على مذكرة تفاهم غير مُلزِمة، تُقدّم بموجبها الولايات المتحدة 6.375 مليارات دولار من المساعدات الخارجية على مدى خمس سنوات.

ستسعى عمّان إلى الإستفادة من هذه العلاقات للحصول على المزيد من المساعدات الخارجية واتفاقات القروض المُيَسّرة في محاولة لخفض الدين الحكومي وتجنّب تدابير التقشف المُزعزِعة للإستقرار على مدى السنوات المقبلة. ومع ذلك، ستواصل الحكومة تنفيذ السياسات الإقتصادية لتقييد دولة الرفاهية، مثل تقليص رواتب القطاع العام من طريق الحد من التعيينات الجديدة وخفض دعم الكهرباء للأسر. ستحتاج السلطات إلى المضي بحذر في هذه التغييرات وتنفيذ الإصلاحات التي لا تُقوّض بشكل كبير دعم سكان الضفة الشرقية (شرق الأردن) للحكومة، والذين يتلقون نسبة عالية بشكل غير متناسب من وظائف ومزايا القطاع العام. وما يبقى مؤكداً هو أن النظام الملكي سيحافظ على قبضة محكمة على سلطة اتخاذ القرار حيث يسعى الأردن إلى تمرير إصلاحات اقتصادية وتجاوز، ما من المرجح، أن تكون سنوات قليلة صعبة وقاسية.

  • ألكسندر ويرمان هو مُحلّلٌ للمخاطر السياسية والأمنية حيث يركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. درس اللغة العربية في الأردن، وحصل على درجة ماجستير في دراسات السياسة الأمنية من جامعة جورج واشنطن ودرجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة إيموري. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @AlexanderWerman
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى