الندّاب

بقلم راشد فايد*

كان من عادات أهل بيروت، عند وقوع عزاء، الإستعانة بامرأة تحترف البكاء على المَيّت، وتعداِد حسناته، وما يُنسَب إليه، من مكارم الأخلاق، لاستدرار الدموع من مآقي الحاضرين. كانت تدعى الندّابة، ومُذَكَّرُها ندّاب، وليس نادبة أو نادب، لانطواء التسمية الأولى على معنى المُبالغة.

لم أكن أدري أن هذه “المهنة” مُتاحة للذكور، إلى أن لفتني تصميم رئيس الوزراء المُستَحدَث، الدكتور حسّان دياب، على ندب وضعه. فهو دائم الشكوى من “الإرث” الذي وصله، ومن “التآمر” على حكومته، التي لم “ينبلج” فجرها عن إنجاز صريح، وهي التي ينتحل لها وصف حاملة أفكار وآمال 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

ينسى دياب أن هذه الحكومة لم تُجب اللبنانيين وصندوق النقد الدولي عن أسئلتهم الجدية، والطليعة منها، ما الذي أوصل لبنان إلى ما يعيشه الآن؟ مَن أتى به رئيساً ووضعه في هالة المنقذ المُترَفِّع عن المناوشات السياسية، ألم يُقَل له أن لبنان مرَّ دائماً بحالاتِ ضيق اقتصادي، منذ انتهت الحرب اللبنانية، وكان ينفذ منها باستمرار، لا سيما مع حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأن السبب قدرته على أن يكون مظلة علاقات عربية ودولية حمت لبنان عند كل منعطف وجنّبته الإنزلاق إلى الأسوأ؟

الأهم اليوم أن دياب يمشي، والعهد، في مخطط مرشد الجمهورية، فيُحمّل أصحاب المصارف، وحاكم المصرف المركزي، رياض سلامة، مسؤولية المأزق المالي، ويتناسى معهما استعداء العالم العربي، والمجتمع الدولي، وتحميل لبنان تلبيتهما مصالح إيران والهلال الفارسي، و”تشاطر” وزير الخارجية المُدلّل (السابق)، جبران باسيل، وانحيازه ضد شبه الإجماع العربي في وجه ايران، ما انتهى بلبنان خارج الدعم العربي المالي، الذي عوَّضته طهران بإغراقنا في الحلم التوسّعي الإيراني. لكن يُشهَد لدياب (!) أنه كنملة سيزيف الشهيرة، صاحب تصميم،: أكثر من 12 إجتماعاً مع صندوق النقد من دون أن تُقدِم الحكومة على تحقيق ما يُطالب به كإصلاح قطاع الكهرباء، الذي يحتكره “التيار الوطني الحر” كأنه إرث المرحوم الوالد، إلى جانب معابر “حزب الله” مع سوريا، شرعية وغير شرعية. ربما يتذكر الرئيس “التكنو” أن “مجموعة الدعم الدولية” (مؤتمر سيدر 2) ربطت أي مساعدة للبنان بتنفيذ القرارات الدولية لا سيما 1559 و1701، وربما لا ينسى أن مال “النقد الدولي” لن يصل إلينا مع بدء تطبيق قانون قيصر الأميركي، بـ”همة” “حزب الله” الأكيدة.

لا يُفيد الحزب أن يتوارى خلف غوغائيين من “البيئة الحاضنة”، ولن يفيده استعادة الأمن الذاتي بحجة منع خروج مقاتليه وحلفائه من أحيائهم. ذلك خروج على الشرعية لم يعد مناسباً استمراره. وكل ما ناقض السيادة الوطنية، في الماضي، سقط. ربما بتؤدة. لكنه سقط في الوقت المحتوم. كان هذا حال الإحتلال الإسرائيلي من بيروت 1982 إلى الجنوب في أيار (مايو) 2000. وكان حال الميليشيات الفلسطينية كذلك، ولم يكن غير ذلك مع الوصاية العسكرية والسياسية السورية، فما الذي يجعل للهيمنة الفارسية فرص نجاح أفضل بينما العالم يتضامن في وجهها، والجوع يخنق شعبها؟ أشهرٌ صعبة لن تأتي إلا بالفرج.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: rached.fayed@annahar.com.lb
  • يُنشَر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى