كيف وصلت الحرب إلى داخل عائلة الأسد

لقد سحق ديكتاتور سوريا، بشار الأسد، الإنتفاضة بعد سبع سنوات، لكن يبدو أن الأرض قد تنهار تحت قدميه في أي لحظة.

 

مُناف مصطفى طلاس: مهتم بأن يكون البديل من بشار الأسد؟

بقلم أنشال فوهرا*

في عشرينات القرن الفائت، حصل علي سليمان الوحش على لقب الأسد بسبب توسّله للفرنسيين واستدعائهم لحماية الأقلّية العلوية في سوريا التي يُهيمن عليها المسلمون السنّة. وقد أُعجِب علي سليمان بلقب “الأسد” فجعله اسمه الأخير. لم يكن يعلم في حينه أن ذريته ستحكم البلاد مُستقبلاً، وأنها ستتشاجر يوماً على غنائم دولة مُنهارة تحت الأنقاض.

كان الخلاف ظاهراً في أوائل ثمانينات القرن الماضي حيث يُزعَم أن نجل علي سليمان، رفعت، حاول الإطاحة بشقيقه الأكبر رئيس الجمهورية آنذاك حافظ الأسد، الذي اغتصب السلطة في انقلاب قبل عقد من الزمن. نجح حافظ في تهميش رفعت، وعلّم ابنه بشار الأسد كيف يُوقف التمرّد – العائلي وغيره – في مساره. أَولى بشار اهتماماً وثيقاً لما تعلّمه من أبيه، كما يشهد قصفه للمدن في جميع أنحاء سوريا وقتل وتشريد الملايين الذين وقفوا ضده في الإنتفاضة التي بدأت في العام 2011. كما أبقى قبضة شديدة على عشرات من أبناء عمومته وأنسبائه من خلال مجموعة من الحوافز النقدية وتهديد دائم لحياتهم.

الشهر الفائت، مع ذلك، حدث ما لا يمكن تصوّره. تحدّى رامي مخلوف، ابن خال بشار وأحد أغنى أفراد الأسرة، قرار الرئيس بدفع 230 مليون دولار من الضرائب المُتأخّرة، “مُمزِّقاً” القشرة الهشّة للتضامن العائلي. منذ ذلك الحين، شكّك العديد من أبناء عمومة وأنسباء الأسد علانية في فعالية حكومة بشار، واستهدفوه بشكل غير مباشر. يبدو أن انتقاد مخلوف هو نقطة انعطاف لنظام بشار. إذا فَقَدَ بشار ولاء أفراد عائلته وغيرهم من المُتدَينين، فمن الإنصاف التساؤل ما إذا كان يمكنه البقاء في السلطة.

في حين يبدو أن مخلوف قد فسّر فرض الضرائب المُتأخرة على أنه استفزاز، فإن بشار ربما اعتبره طلباً للمعاملة بالمثل. وتُقدَّر ثروة مخلوف اليوم ب5 مليارات دولار، وهي الثروة التي اكتسبها فقط لأن شركاته – والتي تشمل “سيرياتل”، أكبر شركة اتصالات في البلاد – حظيت بمباركة النظام. الآن بعدما غرقت الدولة السورية في أزمة بسبب العقوبات الاقتصادية – انخفضت قيمة الليرة السورية من 50 ليرة لكل دولار أميركي في 2011 إلى أكثر من 3000 ليرة لكل دولار أميركي في 2020، ويُعتقَد أن 90 في المئة من الناس يعيشون في فقر مدقع – تُريد المساعدة من مخلوف لإبقاء النظام صامداً وواقفاً على قدميه. لكن هذا الأساس المنطقي لم يُثبت أنه مُقنعٌ لمخلوف.

في أيار (مايو)، نشر مخلوف العديد من مقاطع الفيديو عبر الإنترنت والتي حذّر فيها بشار من أنه يُخاطر بفقدان دعم الجزء الأوسع من العلويين – بما في ذلك رجال الميليشيات – الذين هم على جدول رواتب الملياردير. استغل مخلوف التوترات الطائفية القديمة عندما ألمح إلى أن الخطأ يقع على عاتق زوجة الرئيس السنّية أسماء، التي ألمح إليها بأنها تحاول سرقة الأموال العلوية، مما يُلقي بظلال من الشك على التزام بشار بمجموعته الطائفية.

أعطى النزاع أملاً جديداً لمُنافسي بشار داخل النظام. فهم يأملون في أن يكون مخلوف أضعفه بشكل لا يُمكن إصلاحه بين العلويين وفتح مساحة لتحدّي دوره على رأس النظام، حتى مع أنه من المُسَلَّم به على نطاق واسع أن بشار سيُقاوم بعنف أي معارضة مباشرة من داخل عائلته.

في الواقع، كان هذا نمطاً ثابتاً. ريبال الأسد، ابن عم الرئيس البالغ من العمر 45 عاماً ونجل عمّه رفعت، هو واحد من الذين كانوا في الطرف الآخر من غضب بشار. في العام 1994، خارج فندق الشيراتون في دمشق، أطلق عليه بشار أسماء مُذِلّة وتحوّل الكلام إلى مشاجرة بشعة. خائفاً من نتيجة ذلك، قام والد ريبال بحجز رحلة له وطلب منه المغادرة. في المطار، أطلق حراس رئاسيون مسلحون طلقات وظلوا يحاصرون المكان لمدة ساعتين ونصف لاعتقال ريبال. تمّ القبض عليه ولكن تُرِك بعد أن هدّد رفعت أخاه حافظ الأسد بأنه سيُقاتل في كل شارع في دمشق “إذا مُسّت شعرة من رأس ابنه”، روى لي ريبال.

يعيش ريبال الآن في إسبانيا في منفى مفروض ذاتياً وكان في منزله خلال الإغلاق عندما حصل على نصٍ من أول مقطع فيديو لمخلوف. ووصفه بأنه “وسيلة للتحايل الخطر”. وقال إنه ضحك عندما رآه لأول مرة. “أنا شخصياً أعرف رامي. إنه جبان. لن يُعارِض النظام، لأنه لا شيء بدون بشار. يُمكنك أن تخسر حياتك بأقل من ذلك بكثير، ناهيك عن تحدّي بشار على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا مجرّد عرضٍ حيث يستخدم بشار رامي لإخبار الروس أنه سيفقد الدعم بين العلويين، وأن ذلك سيؤثر في مصالحهم في المنطقة الساحلية حيث يوجد للروس مطار وقاعدة بحرية”، يقول ريبال.

وقد روى ريبال الأحداث في 20 تشرين الأول (أكتوبر) 1999، عندما تعرّض منزل عائلته على شواطئ اللاذقية لهجوم من قبل جنود النظام للتأكد من أن بشار – وليس والد ريبال، رفعت – سيكون خلفاً لحافظ الأسد كزعيم وطني. “عمّي حافظ كان مريضاً، وكانت الخلافة مسألة وقت. أراد النظام تمرير العصا إلى بشار والتأكد من عدم معارضة صعوده، وأنه سوف يسحق أي شخص يُعارض ذلك. لهذا السبب هاجم مع مؤيديه منزلنا”.

أقسم العديد من أولاد رفعت الولاء لبشار واستمروا في العيش في سوريا لكنهم ما زالوا يعانون من المظالم. أحدهم، دُريد الأسد، كان معروفاً باتباع خط النظام وحتى بالغناء مدحاً لبشار – حتى وقت قريب. في تغريدة لاذعة في 7 أيار (مايو)، بعد وقت قصير من نشر مخلوف لمقاطع الفيديو، طلب دُريد من بشار مقابلة مئات من الأقارب الذين ينتمون إلى عائلة الأسد ولكنهم لم يتمتعوا بحياته المتميزة. “يقولون إن سوريا تحكمها عائلة الأسد”، هذا ما كتبه دُريد على تويتر. “لدي طلب. 100 إلى 200 فرد من العائلة لم يلتقوا بك مُطلقاً ويريدون رؤيتك. لقد نشأ الكثير منهم ولديهم أطفال لكنهم لم يروك إلّا على شاشة التلفزيون”.

قال بسام باربندي، وهو ديبلوماسي سوري سابق مقيم الآن في الولايات المتحدة، إن شجاعة دُرَيد المُكتَشفة الجديدة لها دوافع خفية. وأضاف: “هذه الوقاحة لم يكن يتسامح معها أبداً. الآن، يتحدّى دريد بشار علانية ليُقدّم والده، رفعت الأسد، كبديل. لو لم يشعر دُريد أن المجتمع غاضب من بشار، لما تجرّأ على قول ذلك”.

إن معارضة ريبال ودُريد مدفوعة جزئياً بمطالبة أسرتهم بالسلطة السياسية. لكن أفراد الأسرة الآخرين، بمَن فيهم ابن عمهما اللواء عدنان الأسد، يشعرون ببساطة أنهم تُركوا خارج العائلة وحُرموا من الثروة التي جلبتها إلى أمثال مخلوف. أدار عدنان ميليشيا وقاتل إلى جانب حافظ ضد “الإخوان المسلمين” في العام 1982 فيما أصبح يُعرف ب”مذبحة حماه”، التي قتل فيها الآلاف من أفراد جماعة الإخوان ومدنيين. لكن في رسالة كتبها إلى مخلوف أخيراً، أشار إلى أنه لم يحصل على تعويض كافٍ عن ولائه.

في حين أنه عارض الملياردير ووصفه بأنه “الحوت الأزرق بين حيتان المال”، رسم نفسه على أنه الضحية الحقيقية لنظام فاسد ولامَ بشكل خفيف ابن عمه الرئيس. وقالت الرسالة “لقد كنت أبيع عقاراتي لتلبية احتياجات أسرتي، حيث أن راتبي يبلغ حوالي 50 دولاراً تقريباً بعد 42 عاماً من الخدمة العسكرية”. إن قراءتها تبدو مثل قصيدة تملّق تتخللها سلسلة من الشكاوى حول كيف استغلّه النظام مراراً وتكراراً.

بالعودة إلى تشرين الأول (أكتوبر)، أفادت بعض وسائل الإعلام العربية عن تحدٍّ مفتوحٍ أكثر لحكومة بشار من قبل عائلة عمّته بهيجة. لقد قاتَلَ حفيدها غيدق من أجل بشار في دير الزور خلال الإنتفاضة، لكنه قُتِل بعد ذلك في اللاذقية في اشتباكات مع جندي من النظام كان جاء لاعتقاله بتُهَمٍ جنائية غامضة. وتعهّد والده اللواء مروان ديب بالإنتقام في منشورٍ على فايسبوك، لكن خوفاً من العواقب، حذفه لاحقاً.

مع تعثّر الإقتصاد، بدأ أنصار الأسد العاديون يتساءلون عما إذا كانت التضحيات التي قدموها للنظام كان يستحقّها. الموالون دفعوا ثمن بقاء بشار بالدم، وفقدوا مئات وآلاف الرجال خلال الإنتفاضة. في نهاية الحرب، توقّعوا أن يجنوا بعض الأرباح المادية – المزيد من الوظائف، والترقيات، أو المعاملة التفضيلية في العقود التجارية الممنوحة من الحكومة. وبدلاً من ذلك، تركتهم الحكومة المُفلِسة أشد فقراً وجوعاً. قال باربندي، الديبلوماسي السوري السابق، إن العلويين يشعرون بالذهول بالنسبة إلى قضية مخلوف – بشار. قال باربندي: “يعتقدون أنهم خسروا الكثير ولم تكن هناك مكافأة في النهاية. إنهم غاضبون عندما يرون هذين النسيبين يتقاتلان حول المليارات بينما يُكافح الرجل العادي مقابل أجر ضئيل”.

لقد أفادني العديد من الخبراء السوريين أنه ليس هناك شك في أن بشار الأسد يفقد الدعم بين العلويين. لكنهم يقولون أيضاً إن النظام لا يزال يُسيطر على البلاد بقبضة حديدية، ومن السابق لأوانه الإعتماد على ضعف بشار. ليس سراً أن ريبال ودُريد الأسد كانا يتمنيان لو أن والدهما رفعت، وليس بشار، قد خلف عمهما حافظ. لكن ماضي الرجل العجوز مُلَطَّخ بمزاعم المشاركة في مذبحة حماه، والآن في عمر 82 سنة، من المحتمل أن يكون قد فات الأوان ليقاتل ويدخل في طريق دموي إلى دمشق. ومع ذلك، فإن ريبال هو شاب ويعترف بأنه يودّ أن يكون نشطاً في السياسة السورية. وأكّد لي: “أريد بالطبع، ولكن كمعارضة وألّا أكون جزءاً من أي حكومة في هذه المرحلة”.

الأسرة الأخرى التي كانت تتلهّف إلى العودة إلى السلطة هي عائلة وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس، الموالية للنظام منذ فترة طويلة التي انشقت خلال الانتفاضة. كان مُناف ابن طلاس في دائرة بشار الداخلية وقائداً عسكرياً كبيراً. واقترح مُناف، الموجود الآن في باريس، في وسائل الإعلام الروسية أن هناك بدائل من بشار إذا كانت روسيا مُهتمة بدعمها. ويعتقد شقيق مناف، فراس طلاس، وهو رجل أعمال سوري مُقيم حالياً في الإمارات العربية المتحدة، أن مُناف هو بديلٌ من بشار ويُريد أن يلعب دوراً في السياسة السورية، لكنه لن يعود إلى سوريا “إلّا عندما يُغادر بشار”.

في الوقت الحالي، تبدو روسيا أكثر اهتماماً بالسيطرة على بشار الأسد بدلاً من استبداله. من الآن فصاعداً، سيجد بشار صعوبة في السيطرة على البلاد، ولكن سيكون من الأسهل على روسيا السيطرة عليه أكثر من أي وقت مضى.

  • أنشال فوهرا هي مراسلة مستقلة لقناة “الجزيرة” وتكتب بانتظام في مجلة “فورين بوليسي”. وهي مقيمة في بيروت حيث تُغطّي الشرق الأوسط وجنوب آسيا. يُمكن متابعتها على تويتر: anchalvohra@
  • كُتِبَ هذا التقرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى