أيُّهُما أقسى “قيصر” أم “ماغنتسكي”؟

بقلم فيوليت غزال البلعة*

يَقلقُ اللبنانيون كثيراً هذه الأيام. فالهواجس تقتحم المخاوف من دون استئذان في زمن تزدحم فيه الأزمات وتفرض أسلوب حياة جديدة، حتى في المناخ السياسي المُقبل على رياح عاتية قد تطيح بمسيرات راسخة منذ زمن في السلطة مع كل منافعها ومكاسبها.

منذ أيام، هبط الدولار الأميركي من لائحة الأولويات – وخصوصا بعد انطلاق المنصّة الإلكترونية من مصرف لبنان مُثَبّتةً سعر بيع الدولار عند 3200 ليرة لدى الصيارفة – ليتقدّم  “قانون قيصر” الأميركي (Ceasar Syria Civilian Protection Act of 2019) الى المرتبة الأولى، حيث كثُرت التحليلات والقراءات لتداعيات ما تنامى عن عقوبات أميركية ستشمل كل داعمي النظام السوري، من حكومات وكيانات وأفراد. وعلى الهامش، تسلّل “قانون ماغنتسكي” الأميركي أيضاً  (Global Magnistsky Human Rights Accountability Act) بعد تأخير لأكثر من شهرين تسبّبت به جائحة “كورونا”، لكنه سينال من الفاسدين مهما كان حجم الحصانة التي يختبئون في ظلّها.

لم يكن مُستغرَباً ان يطّلع مجلس الوزراء اللبناني قبل أسبوع على “قانون قيصر”، ويطلب رئيس الحكومة حسان دياب من الوزراء الإطلاع على صفحات مُفصَّلة للعقوبات التي وُزِّعت عليهم بغية “إبداء الرأي”. فقبل أيام، كانت هناك دعوات من أجل تطبيع العلاقات مع سوريا من البوّابة الإقتصادية. وربما يحتاج كل السياسيين والعاملين في الشأن العام والمُتَّصلين بهم من قطاع الأعمال، إلى مُراجعة دقائق القانون وتفاصيله لاحتساب دائرة الخسائر وما يُمكن أن تطاله. لكن اللافت، أن الحكومة ألزمَت نفسها باتخاذ قرارٍ في شأن “قانون قيصر” – الذي حظي بموافقة جناحَي الكونغرس الأميركي (الديموقراطي والجمهوري) لحماية المدنيين في سوريا – وهذا يعني إعلان موقف من قفل الباب نهائياً على سوريا الشقيقة، أو فتح باب الحصار الإقتصادي على لبنان برغبة طَوعية من أهل البيت.

مناخٌ غير مُفاجئ لمُتتبعي السياسات الأميركية. فقراءة التطورات تؤشر إلى إعادة تموضعٍ لواشنطن حيال علاقتها مع لبنان، كما مع سوريا وإيران وسائر الدول الواقعة في مثلث العقوبات. وقد كان موقف السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، قبل أيام، أكثر من واضح في توجيه الرسائل الى السلطة السياسية في لبنان: الولايات المتحدة ما زالت تُقيّم الحكومة التي تشكّلت بدعم من “حزب الله”؛ تحويل الأفكار الإصلاحية إلى حقيقة واتخاذ خطواتٍ ملموسة لكسب الدعم الدولي؛ رياض سلامة يحظى بثقة كبيرة في المجتمع المالي الدولي، “وإذا كان المجتمع المالي الدولي لا يملك الثقة بقيادة كبرى المؤسسات المالية، فلن تكون هناك تدفّقات للإستثمار التي يحتاجها الإقتصاد بشدة”.

وعلى خط المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فان التقارب بدا جليّاً بعد عشر جلسات ما بين وفد الصندوق النقد الدولي ومصرف لبنان، حيث مقاربة الخسائر بدت واقعية أكثر.. لكن هذا لا يعفي الحكومة التي أعدّت خطتها للتعافي المالي، من مسؤولية توحيد أرقام الفجوة المالية التي تَضَارَبَ حجمُها وطرق احتسابها. وحتى اليوم، لا مؤشر إلى جهد يُبذَل في هذا السياق.

تقول مصادر مُقرّبة من الإدارة الأميركية إن لدى واشنطن إشكالية تتمثّل في اعتبارها أن حكومة حسان دياب هي حكومة “حزب الله”، حتى تُثبت العكس. وعليه، ينسحب موقفها من برنامج الإنقاذ الذي تعمل عليه بيروت مع صندوق النقد، فلا مساعدات إن لم يتّخذ لبنان إجراءات إصلاحية ضرورية، وتأتي الكهرباء في المُقدّمة، وضبط المرافق الشرعية وغير الشرعية وما ينتج عنها من عمليات تهريب، وهذا مفصل حسّاس ودقيق.

وتترافق هذه السياسة المُتجدّدة لواشنطن، بحسب المصادر، مع وضع “قانون قيصر” قيد التنفيذ منذ مطلع هذا الشهر، لتبدأ لوائح العقوبات الصدور تباعاً، وحتماً ستطول لبنان بشركاته ومصارفه وتجّاره، أي الذين لهم علاقات عمل ومصالح مع النظام السوري كما مع سوقه الإقتصادية، وفقاً لعمليات يومية أو دورية. أيضاً، لن يعفي القانون الشركات التي بدأت تتأهّل للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، سواء أكانت شركات لبنانية خالصة أم مشتركة أم وسيطة. وقد يقطع هذا القانون الكثير من الآمال التي علقّها كثيرٌ من السياسيين على آفاق عمل جديدة تُغذّي مواردهم المالية التي تعرّضت لضغوط الأزمة النقدية.

وإلى “قيصر” الذي بدأت تداعياته تتظهّر من خلال إنسحاب شركات مقاولات لبنانية من سوريا تجنّباً للعقوبات، يطلّ “قانون ماغنتسكي” الذي طال انتظاره ليُحاسِب الفاسدين من السياسيين ورجال المال والأعمال. ثمة مُبرّرات للمخاوف التي يُثيرها هذا القانون. إذ أن دائرة التحليلات معه تتّسع أكثر، وتُتيح هيكليته لتطويق الدول سياسياً وخضوعه مباشرة لآليات الخزانة الأميركية.

لكن، كيف ستكون تداعيات “ماغنتسكي” إن طال وزيراً في الحكومة أو نائباً في البرلمان؟ تقول المصادر إن الحرج سيُصيب لبنان في هذه الحال. فالفاسد المسؤول سيُعزَل أميركياً ودولياً، وسيُمنَع من السفر وتُجمّد أمواله، والأخطر أن وجود “فاسدين” في حكومة تُفاوض صندوق النقد سيُصيب صورتها وسمعتها بمقتل حتمي، وسيُفسِدُ عليها الحصول على حزمة المليارات المطلوبة. وفي هذا مبرّر واضح: كيف لصندوق النقد أن يُقنع مساهميه (الدول المانحة) بتقديم مساعدة مالية لحكومة تضمّ في عديدها فاسدين؟

أيُّهُما أقسى “قيصر” أم “ماغنتسكي”؟ يسأل اللبنانيون “المعنيون” بحثاً عن قنوات تسرّب تخفي جرائمهم الموصوفة في قوانين العقوبات الأميركية. ويُدركون بعد قراءة مُفصَّلة أن “قيصر” أسرع وأشدّ في إصدار الأحكام وعزل المتعاونين مع نظام سوريا، وأيضاً في تجميد الأموال ومصادرتها. أما “ماغنتسكي” فشمولي أكثر، ويُدخل الفاسدين في دوامة وزارة الخزانة الأميركية ليقضي على المُتّهمين بعزلة دولية قاتلة للطموحات والأعمال والثروات!

يحلو لبعضهم تسمية أفراد أو كيانات مشمولة بالعقوبات منذ اليوم. المؤكد أن القانون يصدر من دون لوائح، لكن لا موانع تَحول دون إصدار واشنطن الأسماء ساعة تشاء، وخصوصا ان إستحقاق 17 حزيران (يونيو) بات لناظره قريب!

  • فيوليت غزال البلعة هي صحافية وباحثة إقتصادية لبنانية. يُمكن متابعتها على الموقع الإلكتروني التالي والذي يُنشَر عليه في الوقت نفسه هذا المقال: arabeconomicnews.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى