هل هناك علاقة بين “الإخوان المسلمين” والماسونية؟

بقلم معتصم الحارث الضوّي*

لم تظهر الإشارات إلى وجود علاقة مُحرَّمة بين تنظيم “الإخوان المسلمين”، وشبيهه في الإسم جزئياً “الإخوان الماسون” في عهد قريب، بل تعود إلى السنوات الأولى بعد تأسيس “الإخوان المسلمين” سنة 1928.
فمن الإتهامات المُبكِرة ما جاء في الصفحة 224 من كتاب “من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث” للشيخ محمد الغزالي: “ولقد سمعنا كلاماً كثيراً عن انتساب عدد من “الماسون” بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان، ولكني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخرق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته. وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة”.
واستطرد الغزالي: “إن سيد قطب منحرف عن طريقة حسن البنا، وأنه بعد مقتل حسن البنا وضعت الماسونية زعماء لحزب “الأخوان المسلمين”، وقالت لهم ادخلوا فيهم لتفسدوهم، وكان منهم سيد قطب”.
وللأسف الشديد حذف الغزالي تلك الفقرات من الطبعات التالية من كتابه، ولكن الطبعة الثانية الصادرة في العام 1963 حملت الإتهامات الدامغة بالحبر على الورق!
ولم تستند هذه الكتابات وغيرها إلى فراغ، فمن المعلوم أن ماركيز لويس أنطوان مالكوري، مدير شركة قناة السويس، هو الذي دعم حسن البنا بخمسمئة جنيه (للقياس، كان مرتب المعلم حديث التخرج بديبلوم المعلمين حينها يصل إلى أربعة جنيهات شهرياً)، علماً أنه بخلاف الشائع لم يكن المبلغ من شركة قناة السويس، وإنما كُتب على الإيصال الصادر باللغة الفرنسية “من فاعل خير”.
أما الماركيز المذكور، فيكفي القول إنه كان زعيماً لجماعة ماسونية متطرفة في فرنسا، وقد وصفته اللطائف المصورة في حينها بأنه من أتباع ديانة الشيطان.
ولو أننا سحبنا عقارب الساعة إلى الوراء قليلاً، لوجدنا حسن البنا يشرب من مستنقع الماسونية الآسن أباً عن كابر؛ إذ كان والده من الذين تتلمذوا على المدرسة الفكرية لجمال الدين الأفغاني؛ أحد أهم الزعماء الماسون في تاريخ الشرق الأوسط قاطبة، ومؤسس أحد أهم المحافل في تاريخ مصر.
ويأتي تاريخ الجماعة مؤكداً ومُعزِّزاً لتلك الإتهامات، غير عابئ بها، فقد ذكر الدكتور ثروت الخرباوي في مقابلة مع الصحافي محمد الباز في برنامج “90 دقيقة” في تموز (يوليو) 2019 بأن مؤسس الجماعة، حسن البنا، قد التقى بمُنظّر عبادة الشيطان الأهم، أليستر كاولي، عندما كان الأخير طالبا في تجهيزية دار العلوم بالقاهرة، وجرى اللقاء بينهما في دار الكتب. وقد نقل هذه الحادثة أيضاً عبد الرحمن السندي، رئيس الجهاز الخاص للإخوان في مذكراته.
أما حسن الهضيبي، المرشد الثاني للجماعة، فقد كان ماسونياً معروفاً، بل وكان اختياره مُرشداً عاماً مفاجأة لبعض السذّج من الإخوان الذين لم يكونوا يدركون خفايا الأمور، وحقيقة التنظيم الذي انتموا إليه عن عاطفة دينية جياشة، ولكنها تفتقد التعقل والتدبر.
وجدير بالإهتمام الإرتباط الوثيق لأهم مُنظّري حركة “الإخوان المسلمين”، سيد قطب، والذي نشر مقالة بعنوان “لماذا صرتُ ماسونيا” في صحيفة التاج المصري، لسان حال المحفل الماسوني المصري، بتاريخ 23 نيسان (إبريل) 1943.
تضمنت المقالة خطاباً عاطفياً ممجوجاً لتبرير أسباب انضمامه إلى المحفل، ودعوة مُبطَّنة بالطبع للقراء أن ينضموا بدورهم بعد أن شرح لهم سيد قطب “محاسن” الماسونية في نظره.
أما “مذكرات علي عشماوي.. التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين” فتذكر في الصفحة 173 ما يلي “… وكان مما قاله ]يشير إلى سيد قطب![ إن الأستاذ البنا كان يعلم أن الجماعة مُستَهدَفة من الخارج من القوى المُعادية للإسلام، وأنهم أدخلوا إلى الجماعة بعض أعضائهم، أو جنّدوا من داخل الجماعة أفراداً يعملون لصالحهم، على سبيل المثال ذكر أن الدكتور محمد خميس حميدة كان ماسونياً بدرجة عالية من الماسونية وقد وصل إلى أن أصبح وكيل عام الجماعة… وقال الأستاذ سيد قطب أن الأستاذ البنا كان يعلم هذه الأمور ولكنه لم يجهر بها لباقي الإخوة، فقد كان يتصرف بحكمة، وكان يخفي عن هؤلاء الناس الأسرار التي يريد أن يمنعها، وكان يبلغهم بالأمور التي يرى أن عليهم أن ينقلوها من دون أن يحسوا أنه قد كشف حركتهم”.
وتهافت هذا النص وتناقضاته لا تخفى على ذي عقل، بل إن كاتبه ورّط أستاذه البنا –من حيث لا يدري- وأثبت عليه التواطؤ، بالعلم وعدم التصرف، حيال التغلغل الماسوني في التنظيم الذي ترعرع على يديه.
ويلفت القيادي السابق في “الإخوان المسلمين”، ثروت الخرباوي، النظر إلى مسألة عجيبة؛ فيقول في الصفحة 26 من كتابه “سر المعبد” ما يلي: “وعند بحثي في الماسونية إستلفَت نظري أن التنظيم الماسوني يشبه من حيث البناء التنظيمي جماعة الإخوان! حتى درجات الإنتماء وجدتها واحدة في التنظيمين”.
تشابه شبه مطلق في الطقوس والحركات والإيماءات، والظلام، والتعهد بعدم الإفصاح عن “أسرار” الجماعة!
ويضيف في ذات السياق في مقابلة متلفزة أُجريت أخيراً في برنامج “90 دقيقة”، أن مصطلح الجماعة مستحدث إبتدعته جماعة الإخوان، وأن لقاءات جمعت “البنا” وممثلين للماسونية، وأنه تلقى منهم تبرعات عند تشكيل الجماعة.
ويصف محمود عساف، أحد زعماء “الإخوان المسلمين”، مبايعته للتنظيم في الصفحة 154 من كتابه “مع الإمام الشهيد حسن البنا”، ويتضمن النص تفاصيل مُخيفة تُثير الإستعجاب عن مدى التطابق المذهل بين طقوس “الترسيم” الماسونية وطقوس “الإلتحاق” الإخوانية، وفي التراتيب الهيكلية للأعضاء، إلخ …
ولا تتوقف المقارنة عند تلك الطقوس فحسب، فمصطلحات الإخوان تزخر بالترجمات عن الفكر الماسوني؛ “الأخ” و”الأستاذ” و”أستاذية العالم”، إلخ …
لم يقف الأمر عند السياسيين والمفكرين فحسب، فقد وصف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني جماعة “الإخوان المسلمين” صراحة في مقابلة مع مجلة “أتلانتيك” الأميركية في عدد نيسان (إبريل) 2013 بأنهم “تنظيم ماسوني يقوده ذئاب يرتدون ثياب الحملان”.

• معتصم الحارث الضوّي كاتب وإعلامي عربي مُقيم في لندن.
• هذا المقال والآراء الواردة فيه يُمثّلان رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى