بعد كورونا وقبله… هذا هو الوباء الأصلي!

بقلم البروفسور بيار الخوري*

 فيروس كورونا الذي ضرب مدينة “ووهان” الصينية وبدأ الإنتشار عالمياً، يُعَدُّ اليوم محطّ اهتمام الإعلام العالمي والبشرية نظراً إلى خطره على حياة الانسان وآلية العدوى التي تُمَكّنه من الإنتشار.

سأُسلّط الضوء في هذا المقال على سرعة تلقّف الإعلام الغربي لهذه الظاهرة الوبائية لفصل مخاطر الفيروس عن مخاطر استثماره.

نعم هناك فيروس قاتلٌ ضَرَب بلداً يتميَّز بالإكتظاظ السكاني، وكل مدينة فيه تستوعب عدد سكان يساوي مجموع سكان مدن عدة في أقطارٍ أُخرى. ونعم يحق للبشر أينما كانوا أن يخافوا من احتمال إصابتهم أو إصابة بلدانهم بالعدوى، فهذه طبيعة البشر وأصول الحسّ السليم.

ولكن هل هذا يُفسّر تعامل الإعلام العالمي مع الوباء؟

الإعلام عادة يُلاحق هموم الناس، ولكن في بعض الأحيان قد يصنع هذه الهموم أيضاً، وبالحدّ الادنى يُمكنه تحويلها الى عنوان (مانشيت) رئيس يُقدَّم بشكل حثيث للقارئ والمُستمع والمُشاهد.

والإعلام لا يصنع ذلك لترفيع نِسَب المشاهدة او شراء المطبوعة فحسب، فالإعلام الحديث هو نوع من الأعمال (بيزنس) قائم على الحملات. الحملة هي حمّالة التدفق النقدي للوسائل الإعلامية لا بيع المطبوعة َولا اشتراك الموقع ولا حتى أموال المُعلنين التجاريين. وسائل الإعلام مُفوَّضة اليوم بصناعة الوعي عبر العالم، وهذا ما تقبض ثمنه مؤسسات إعلامية تُضاهي موازناتها الناتج القومي لبعض الدول.

الالاف يموتون بعدوى الإنفلونزا الشتوية عبر العالم، وفي الغرب أكثر من غيره، ولا يستدعي ذلك تسليط الضوء. فقط الحدث الصيني يستأهل هذا الإهتمام. هل من تفسير ممكن لذلك؟

هناك افتراضات ثلاثة هي الأكثر ارتباطاً بهذا السلوك:

1- الحرب التجارية على الصين وشحذ كل الأسلحة المُمكنة في سبيل ذلك، ومن أجل إعطاب الإقتصاد الصيني الى الحدّ الأقصى الممكن علّ ذلك يُساهم في المزيد من تراجع القُدرات التفاوضية الصينية. إن تخويف الناس من البضاعة الصينية لأنها قد تحمل الفيروس هو شبيه بالقول أن الشعب الصيني قد اصيب كله للتو بهذا الفيروس كونه يستهلك البضائع الصينية.

2- إحتكارات الأدوية التي تعمل الآن بشكل حثيث على إنتاج أدوية حمائية او استشفائية للفيروس وبيعها لا للصين، وهنا المفارقة، بل لكل أصقاع الأرض المُرتَعدة فرائصها من خطر الموت. إن الصور والفيديوهات المُفبركة التي تم توزيعها لتظهر الناس مرميّة في الشوارع تتألم مرضاً او في قاعات المطارات متروكة لعمال النظافة فيها من الخبث قدر ما فيها من تخويف شعوب العالم من زحف الوباء. إنها دعوة لحكومات الدول لشراء اللقاح لاحقاً بمئات ملايين الدولارات مدفوعة فقط بالخوف. كلنا يذكر التاميفلو كيف تم تخرينه دون استخدام… لكن ثمنه تحوّل الى شبكة إنتاج وتوزيع الأدوية.

3- التغطية على أبحاث الاسلحة الجرثومية التي تلعب فيها المختبرات الأميركية الدور الريادي والتي لا نعرف إن كانت مسؤولة في المقام الأول عن هذا الوباء وغيره مما سبق. إن حكاية خفاش الليل الذي ابتلعه الثعبان الذي بدوره تحوّل الى وجبة صينية فالى جرثومة كورونا يصعب الركون اليه.

لا يتنبّه الإعلام ولا يُخبرنا عن تلك الكفاءة غير المُقارنة دولياً التي تعاملت بها الدولة الصينية مع الوباء، ولا مع التركيب العمري للضحايا ولا ملفاتهم الطبية. لا يُعلِمنا الإعلام عن السرعة التي تمّ بها رسم الخريطة الجينية لهذا الفيروس، وهذه أيضاً كفاءة علمية غير مقارنة.

يُحاول هذا الإعلام تصوير الوباء كمقدمة للقضاء على جنس البشر. لقد حدّدت مراكز البحوث الأميركية بمحاكات عِلمية الضحايا المُحتَمَلين ب٦٥ مليوناً قبل أشهر من انتشاره في اجتماعات لم تُدعَ إليها الدولة المعنية. هذه ليست من دواعي المصادفات.

إن الطريقة والمدة اللتين تمّ بهما عزل “يوهان” ونظام الكشف الشامل الذي طبقته الصين هو ما يستحق القراءة. لأن في ذلك درس في التنظيم الحضاري وتقليل المخاطر تعرف غالبية البشرية أن دولها بعيدة تماماً من تطبيقها رغم غزارة الأبحاث حول إدارة الكوارث.

ليس هذا الفيروس أول شيطان (بحسب تعبير الرئيس الصيني) تُبتلى به الصين وهي قد طوّرت خبرات كبيرة في إدارة هذا النوع من الكوارث. الخوف ان ينشأ فيروس كهذا يوماً في دول اخرى تنبؤنا أفلام الواقع الإفتراضي عن احتمالاته الكارثية.

وباء الخبث هو الوباء الأصلي وهو الأشدّ إيلاماً فاحذروه.

 

  • البروفسور بيار الخوري كاتب في الإقتصاد السياسي ونائب رئيس الجمعية العربية -الصينية للتعاون والتنمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى